انتقال «كرة النار» من سورية الى العراق وعبورها بين الحين والآخر الى لبنان واليمن ودول أخرى على خريطة «سايكس - بيكو»، أطلق العنان مع «الجيوش النقالة» التي تعبر الحدود من هنا ومن هناك لسيناريوات عن تحوّلات جيو - استراتيجية ربما تقوم على «تقسيم المقسّم» وتعيد تركيب البازل الاقليمي على قواعدَ جديدُها ارتباطها بالماضي السحيق وذاكرته المأسوية.لبنان، الذي يعيش «حرباً باردة» منذ اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري، لم يكن خارج الرياح الساخنة التي تهبّ على المنطقة، فهو في «عين العاصفة» رغم موقفه الرسمي بـ «النأي بالنفس» عما يجري في سورية وعما يحدث في العراق، بدليل «الشظايا» المتوالية التي تصيبه مرة تلو الأخرى و«انقسامه» الحاد في مقاربة التطورات من حوله و«توصيفها» وقراءة أسبابها وأبعادها، وتالياً أهدافها، خصوصاً مع انشطاره بين المحوريْن الاقليمييْن.ففي لبنان المنقسم كالعادة حول أي شيء وكل شيء، بعضه ناصَر الشعب السوري في «ثورته من أجل الحرية والديموقراطية»، وبعضه الآخر قاتَلَ الى جانب نظام الرئيس بشار الأسد لـ «دحر المشروع المعادي». بعضه الآن يحمِّل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وسلوكه مسؤولية «الانتفاضة السنية»، وبعضه الآخر لا يرى في أحداث العراق سوى «ارهاب تكفيري عابر للحدود ويستحضر الفتنة».ورغم هذا الانقسام فان اللبنانيين المختلفين في «التوصيف» متفقون على أنهم لن يكونوا بمنأى عن حمم البركان المتفجر في المنطقة، بدليل موجة التفجيرات والسيارات المفخخة التي شهدها لبنان قبل نحو عام على وهج الأحداث في سورية، والموجة الجديدة التي زرعت الرعب في أرجائه اخيراً مع انفجار الوضع في العراق... فاللبنانيون متوجّسون من مظاهر التطرف وأثمانه والارهاب وأخطاره.«الراي» سألت في هذه الحلقة كلاً من النائب أحمد فتفت (من كتلة الرئيس سعد الحريري) والنائب ياسين جابر (من كتلة الرئيس نبيه بري) عن قراءتيهما للمشهد العراقي، واستشرافهما لارتداداته على لبنان.

عضو كتلة «المستقبل» البرلمانية اللبنانية حذر من أن أي محاولة لقهر الشعوب تنتهي بثورة هذه الشعوب

أحمد فتفت: نحن أمام ثورة شعبية في العراق «داعش» واجهتها ... والظلم فتح باب الظلام

أكد عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت «أننا أمام ثورة شعبية في العراق تأخذ «داعش» واجهتها الإعلامية لأنها الأكثر تنظيماً وشراسة من غيرها»، معتبراً أن «التقاطع الأميركي ـ الإيراني الذي جاء برئيس الوزراء نوري المالكي هو الذي أوصل العراق إلى ما هو عليه اليوم». وأعرب عن خشيته على وحدة العراق، منبهاً إلى أن «نشوء دويلات طائفية في المنطقة هو هدف صهيوني بالدرجة الأولى، وقد أذكته إيران للأسف بالممارسات الطائفية والمذهبية التي قامت بها وحلفاؤها في المنطقة»، محذراً من أن «تقسيم العراق أو سورية يعني أن المنطقة كلها باتت غير ثابتة وغير مستقرة».وأوضح «اننا ضد أي تدخل أجنبي وضد تقسيم العراق، ومع دولة ديموقراطية حقيقية في العراق لا مع سياسة التمييز العنصري التي كانت تتبعها حكومة المالكي»، مشدداً في المقابل على «أننا لا نقبل بما تقوم به داعش ولا بالوسائل التي تستخدمها».? مقاربتان في دائرة الضوء لما يجري في العراق في ضوء أحداث الموصل... واحدة تقول ان «داعش» ترسم خريطة دولتها العابرة للحدود السورية ـ العراقية، وأخرى تجد في ما يحدث انتفاضة سنية. كيف تقرأون كـ «تيار المستقبل» ما يجري في العراق؟ـ أولاً كل الناس يعرفون أن داعش كقوة عسكرية لا تتجاوز الـ 5000 إلى عشرة آلاف عنصر وهذه تقديرات المخابرات الدولية، فإذا تمكنت هذه القوة العسكرية من القيام بهذه العملية خلال ساعات فإن هذا الأمر مستغرب جداً.«داعش» بالتأكيد في الواجهة، ونحن موقفنا واضح من «داعش» ومن كل التطرف. فهذا التنظيم استغل واجهة الانتفاضة السنية التي سبّبها الظلم الكبير الذي مارسته الحكومة في العراق، والظلم فتح باب الظلام. ونحن نعتبر أن هذا ظلام، فبالتأكيد لا نقبل بما تقوم به داعش ولا بالوسائل التي تستخدمها. وموقفنا كان واضحاً في أكثر من مكان، سواء في سورية أو في العراق. علماً أن هناك تساؤلات مستمرة حتى الآن حول «داعش»، فلم يُعرف حتى الآن من هي، ولا سيما أن انطلاقتها كانت من السجون السورية والعراقية، الأمر الذي يطرح تساؤلات كبيرة حول مَن يقف خلفها من الأساس ومَن يقف خلف إطلاقها.موقفنا هو أنه لا يمكن حلّ أي أمور إلا في ظل ديموقراطية حقيقية وحقوق إنسان وعدالة؛ وأي محاولة لقهر الشعوب تنتهي بثورة هذه الشعوب. أما بالنسبة الى مَن يستغل هذه الثورة، فأحياناً للأسف يكون التطرف أقوى، إلا أن التطرف تكون له جولة والحق يعود ليأخذ دوره وتعود الأمور إلى نصابها.نحن ضد أي تدخل أجنبي وضد تقسيم العراق، ومع دولة ديموقراطية حقيقية في العراق لا مع سياسة التمييز تقريباً العنصري التي كانت تتبعها الحكومة في ممارستها اليومية للسلطة، وبطائفية تفشيها السياسة الإيرانية في المنطقة، والتي أوصلت إلى ردود معينة.نحن شئنا أم أبينا أمام ثورة شعبية تأخذ داعش واجهتها الإعلامية لأنها الأكثر تنظيماً، وشراسة من غيرها دون أن ينفي ذلك وجود ثورة شعبية حقيقية، وإلا ما من تفسير لإنهيار الجيش العراقي أمام 5000 عنصر لا يملكون الطيران، وهم حازوا أخيراً أسلحة ثقيلة بعد الاستيلاء عليها منهم.? هل تخشون على وحدة العراق في ظل كلام عن مؤشرات على سقوط حدود «سايكس ـ بيكو» في المنطقة؟- نعم بالتأكيد نخشى على وحدة العراق، فنحن نعرف أن نشوء دويلات طائفية في المنطقة هو هدف صهيوني بالدرجة الأولى، وقد أذكته إيران للأسف بالممارسات الطائفية والمذهبية التي قامت بها وحلفاؤها في المنطقة. وبالتالي نخشى بالتأكيد على وحدة العراق، ونعتبر أنه اذا تقسم العراق أو سورية فذلك يعني أن المنطقة كلها باتت غير ثابتة وغير مستقرة، وفي ذلك تقديم خدمة كبيرة جداً مجدداً لإسرائيل بعد خدمة التخلي عن السلاح الكيماوي وعن خدمة إمكان انتاج سلاح نووي. وكأن ذلك مرسوم في شكل واضح لمصلحة إسرائيل، والبعض يندفع عن وعي أو عن غير وعي بهذا الاتجاه وتحديداً السياسة الإيرانية وسياسة «حزب الله» في المنطقة.? نوري المالكي اتهم المملكة العربية السعودية برعاية ما وصفه بـ «الإرهابيين»، والوزير سعود الفيصل حذر من حرب أهلية في العراق. هل يدفع العراق ثمن الصراع الإيراني ـ السعودي في المنطقة؟ـ العراق يدفع أولاً ثمن الأخطاء القاتلة للتدخل الأميركي في العراق أيام صدام حسين وطريقة معالجتها، ثم ثمن الأخطاء القاتلة لسياسة المالكي في المرحلة الأخيرة والتي كانت تحت رعاية إيرانية. التقاطع الأميركي ـ الإيراني الذي جاء بالمالكي هو الذي أوصل العراق إلى ما هو عليه اليوم؛ فقد ارتكبوا أخطاء تاريخية وجغرافية وسياسية وصولاً إلى التعاطي المذهبي في بعض السياسات المحلية. العراق يدفع أثمان الأخطاء السابقة في الممارسة السياسية والأمنية، من تدمير الجيش العراقي سابقاً والسماح عملياً للفيديرالية العراقية بأن تأخذ مجالها، وتطييف اللعبة العراقية وكأن المرض اللبناني لا يكفي فأخذوه إلى العراق لتطبيقه رغم ما كبّده للبنان. كل ذلك أوصلنا إلى هنا.? كيف تفسرون التناغم الأميركي ـ الإيراني حيال الوضع في العراق، وهل هذا الأمر يشي بقيام أحلاف جديدة في المنطقة؟ـ لا أعلم إذا كانت هناك تحالفات جديدة، لكن التناغم مرتبط في الأساس بموضوع المالكي الذي كان تقاطعاً أميركياً ـ إيرانياً، والتهدئة التي تمّت في لبنان كانت نتيجة تقاطُع إيراني ـ إسرائيلي وبالتالي إيراني ـ أميركي، إذ لم تكن هناك مصلحة لأحد بأن تتجه الأمور في لبنان إلى أسوأ من ذلك، فقرروا تخفيف الوتيرة. رفَع «حزب الله» الغطاء عن الحزب «العربي الديموقراطي» (في جبل محسن - طرابلس) فانهار الأخير في دقائق، فتوقف كل شيء في طرابلس وبدأت الأمور بالتوجه إلى الأحسن في كل المنطقة. وهذا لوجود إرادة وتقاطع مصالح إيراني ـ أميركي ـ إسرائيلي في هذه المواضيع. وبالتالي ما يحدث في العراق وما يسمى بالتقارب الأميركي ـ الإيراني له حدود، وحدوده إمكان إنقاذ المالكي أو أتباعه. فلا أعتقد أن الأمور ستذهب أبعد من ذلك لأنها ستصطدم أيضاً بالمصالح الإسرائيلية في المنطقة.? بالحديث عن الشأن اللبناني، ثمة مخاوف من انعكاسات ما يجري في العراق على الوضع في لبنان، الذي لم يُشفَ بعد من تداعيات الأزمة السورية. هل لهذه المخاوف ما يبررها؟ـ لا أعتقد ذلك، فوضع لبنان مختلف جداً لأن البيئة في لبنان مختلفة، ولا بيئة حاضنة مشابهة. نحن في نضال سياسي حقيقي ومجابهة سياسية حقيقية لمحاولة القضاء على الاعتدال، فضرب الاعتدال العراقي هو ما أوصل الأمور إلى ما هي عليه اليوم. ومن جهة أخرى فكما أسلفتُ هناك تقاطع مصالح إيراني ـ إسرائيلي؛ فمن جهة إسرائيل تخشى من وجود مليون ونصف مليون سوري في لبنان و500 ألف نازح فلسطيني، مع إمكان أن يكون هناك أي تطرف سواء كان سنياً أو شيعياً، وبالتالي لا مصلحة لها أبداً في اشتعال الأوضاع في لبنان اذ حينها ستنتقل النار إليها بشكل سريع. ومن جهة إيران تريد إراحة «حزب الله» في لبنان ليتمكن من التفرغ لدوره في سورية وفي العراق. تقاطُع المصالح هذا سيُبقي الأمور على الأقل خلال الأسابيع المقبلة في اطار التهدئة. لكن ذلك لا يعني أن لا مخاطر أمنية من نوع آخر، مثل مخاطر الاغتيالات وما شابه. إذ يمكن في أي ساعة أن يلجأوا إليها وتحديداً بعد الكلام الذي سمعناه من الجنرال ميشال عون.? بعدما أعلنت «داعش» قيام دولة الخلافة بالتزامن مع عودة التفجيرات إلى لبنان، هل تعتقدون أن ثمة بيئة حاضنة لمثل هذه التيارات في لبنان؟ـ التجربة منذ العام 2007 وحتى اليوم، اي منذ قصة «فتح الإسلام» وحتى ما قبل ما سمي بأحداث الضنية (مطلع العام 2000) أثبتت أن لا بيئة حاضنة لأي تطرف في لبنان، وتحديداً لدى الطائفة السنية وأن هذه الطائفة ملتزمة بما يسمى الإسلام المعتدل الذي نعتبره الإسلام الحقيقي والمنفتح على كل الأطراف. لكن للأسف، فإن طريقة بعض الأطراف السياسية في لبنان وتحديداً الممارسات الأمنية والقهرية التي يقوم بها «حزب الله» في لبنان وسورية، تسبّب ردة فعل عند بعض الشباب، لكن لا بيئة حاضنة حقيقية.? كُشف عن أكثر من خلية إرهابية في المدة الأخيرة، هل تخشون من تعاظم الخطر الأمني على لبنان؟ـ الخطر الأمني في لبنان موجود ما دام هناك أحد يحاول أن يغيّب الدولة. الأجهزة الأمنية الرسمية أثبتت في الآونة الأخيرة أنها فعالة وجاهزة لكثير من الأمور. وهذه التجربة تدل على أن الدولة هي الملاذ الوحيد للبنانيين، وأنه ما دامت هناك ميليشيات لا تزال مستمرة وتحديداً «حزب الله» وما دام يقاتل في سورية ويمارس الإرهاب ضد الشعب السوري فهو يجرّ الإرهاب إلى لبنان بشكل أو بآخر. ونحن بكل صراحة، نخشى من ردود الفعل نفسها ما دام «حزب الله» ما زال يمارس السياسة نفسها.ولا يمكن تحصين لبنان إلا بموقف داخلي موحد ينطلق من الدولة التي تبقى هي الملاذ الأول والأخير، وسلاح الدولة هو السلاح الوحيد.? أنتم تمثّلون في «المستقبل» تيار الاعتدال السني. هل من مبادرات لتفادي الانفجار المذهبي؟ـ هذا طبيعي، فنحن اتخذنا مبادرات عديدة، ففي موازاة رفْضنا للاستسلام لـ «حزب الله» رفَضنا أيضاً أن يجرنا إلى التقاتل. وقررنا أن نخوض معركة سياسية لنحافظ على الاعتدال وعلى المكتسبات الوطنية للبنان وعلى الخط الوطني. فأكبر مبادرة أخذناها أننا رفضنا التقاتل وأصررنا على المجابهة السياسية ولو كانت مكلفة وفيها شهداء وفيها تضحيات كبيرة جداً. وثانياً هناك المواقف في السياسة التي تُتخذ كل يوم ضد التطرف، ولكنها في الوقت نفسه تدين الظلم الذي يتعرّض له الناس. فكما قال أحدهم ان الظلم يفتح باب الظلام.? وهل تعتقد أن «حزب الله» قد يذهب إلى العراق أيضاً بعدما ذهب إلى سورية بنفس المبررات؟ـ من الطبيعي جداً، ولماذا لا يذهب؟ فالمبررات نفسها ولديه الحجج نفسها ليستخدمها. وقد لا يكونون بحاجة له في العراق، بل ليسدّ الثغر التي أحدثتها مغادرة المقاتلين العراقيين من سورية إلى العراق. حيث لا يُستبعد ان يرسل مزيدا من الشباب الشيعي اللبناني ليتم قتله في سورية، وهذه خسائر كبيرة جداً. ونحن كنا نعتبر سابقاً أن كل شهيد لـ «حزب الله» يسقط في وجه إسرائيل هو شهيد الوطن ونفتخر به، واليوم نشهد مأساة حيث إن كل شاب أو مواطن شيعي يُقتل في سورية هو خسارة وطنية كبيرة، والحزب للأسف يرى أن مصالح إيران أهمّ من مصالح لبنان وحتى من مصالح الطائفة الشيعية الكريمة.? ماذا عن مصير الاستحقاق الرئاسي وسط هذه التطورات؟ـ الاستحقاق الرئاسي أخذه كرهينة «حزب الله» والجنرال عون، فإما أن يحصل كما يشاؤون على كل المستويات أو لن يفرجوا عن الاستحقاق الرئاسي إلا اذا حدثت متغيرات دراماتيكية تجبرهما على تقديم تنازل للمصلحة الوطنية. توقّعتُ أن يشعرهما ما يحدث في العراق بقليل من المسؤولية والعودة قليلاً إلى الخلف والسماح للانتخابات بالسير. وتحديداً بعدما قدّم الدكتور سمير جعجع مبادرته وبعد مبادرة الرئيس فؤاد السنيورة التي تنص على إما أن يترشح عون وينزل إلى مجلس النواب أو يتم الاتفاق على شخص ثالث، فإن كنتم لا تريدون الدكتور جعجع نحن لسنا مستعدين للسير بميشال عون، فتفضلوا لنتفق على شخص ثالث.

شدد على أن محاربة الإرهاب ضرورة وواجب... فهذا سرطان وإذا تُرك فسيقتل المنطقة كلها

ياسين جابر: ما حدث في العراق مشبوه والمطلوب التعاون لهزيمة المشروع التكفيري

أكد النائب ياسين جابر أن «ما حدث في العراق أمر مشبوه جداً»، مشدداً على «أن من غير المسموح للإرهاب أن يستوطن في أي مكان».واعتبر جابر انه «قد تكون هناك مطالب محقة وآراء سياسية معارضة، لكن لا يتم التعبير عنها من خلال دعم إرهابيين يكفّرون كل مَن لا يتفق معهم بالرأي ويحاولون ان يفرضوا على العالم العربي والاسلامي أفكاراً رجعية تعود إلى ما قبل الاسلام»، مشيراً إلى أن «المطلوب اليوم هو تعاون كل الدول وكل المعتدلين في العالم لأجل هزيمة هذا المشروع التكفيري المجرم».ورأى أن الحل الأفضل لما يحدث في العراق بأن «تُحترم نتائج الانتخابات وأن تكون هناك عملية سياسية ترعى معالجة أي أخطاء حصلت في الماضي».? بين نظرية تقول ان ما يحدث في العراق هو إعادة رسم خريطة «داعش» العابرة للحدود من سورية إلى العراق، وأخرى ترى في التطورات ثورة سنية، كيف تقرأون الحدث العراقي؟ـ أعتقد أن ما حدث أمر مشبوه جداً، فليس مصادفة أن الجيش العراقي بعديده الكبير في عدد من المحافظات لا يتحرك ويترك سلاحه. وهذا ما ظهر في الاحالة على المحاكم العسكرية التي حصلت بعد الأحداث؛ هناك تواطؤ لقياديين، وهناك قياديون أعطوا أوامر بالانسحاب.? متواطئون مع مَن؟ـ مَن قام بهذا السيناريو كلّه. لأن الجانب الكردي تحرّك بسرعة وأخذ المناطق التي كان يطمع بها منذ زمن. والأمور بدأت قبلاً، منذ أن بدأ الأكراد بتصدير النفط الذي تقوم تركيا بتمريره لهم، من دون إرادة الحكومة المركزية. كل ذلك كان بمثابة مؤشرات تدل على أن شيئاً ما يُطبخ. على كل حال الأمور في خواتيمها. هناك شيء ما حصل، فـ «داعش» اليوم موجود في الموصل وتلك المناطق، وسننتظر لنرى إلى أين ستذهب الأمور هناك وهل ستكون هناك استمرارية في تقبل «داعش» في تلك المناطق. فلا ننسى أننا شاهدنا أخيراً مثالاً حياً هو ما حصل في مصر، حيث هللوا أولاً للثورة وفاز الاخوان المسلمون بالانتخابات، ولاحقاً شاهدنا المقلب الثاني للصورة حيث أراد الناس التخلص منهم. وفي رأيي من غير المسموح للإرهاب أن يستوطن في أي مكان. قد تكون هناك مطالب محقة وآراء سياسية معارضة، لكن لا يتم التعبير عنها من خلال دعم إرهابيين يكفّرون كل مَن لا يتفق معهم بالرأي ويحاولون ان يفرضوا على العالم العربي والاسلامي أفكاراً رجعية تعود إلى ما قبل الاسلام، ولا أعلم إذا كانوا في الجاهلية حتى بهذا العنف.أنا وأنت وكل شخص منا محكوم عليه بالإعدام من قبلهم، ليس لأننا آذيناهم بل لمجرد أننا نختلف بتفكيرنا عنهم. فهذا أمر غير مقبول، وأعتقد أن المطلوب اليوم هو تعاون كل الدول وكل المعتدلين في العالم من أجل هزيمة هذا المشروع التكفيري المجرم الذي يعبّر عن نفسه بطريقة سلبية؛ ففيما الناس يروّجون لانفسهم بإظهار وجههم الحسن، يقوم هؤلاء بدعايات تبيّن قدرتهم الإجرامية وكيف يمكنهم قطع رأس أو الذبح بسكين، علماً أن الدين الاسلامي في عيد الأضحى على سبيل المثال يضع أصولاً لذبح الخروف؛ هذه المشاهد التي نراها تدمي القلب وتجعلني أشعر بالخجل بأن في العالم الذي أعيش فيه هكذا ناس.? بالحديث عن الأفكار المعارضة والاحتقان السني، ثمة انطباع بأن أداء رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي حكم العراق لولايتين ويستعدّ للثالثة يتحمل مسؤولية انفجار الاحتقان السني ـ الشيعي، ما رأيكم بهذه الخلاصة؟ـ بصراحة دائماً ما نتجنب أن نعطي آراءنا في حكم شعب آخر أو بما يريده شعب آخر. نحن في لبنان منذ بداية الأزمات في المنطقة ندعو إلى سياسة النأي بالنفس، ولذا يجب أن نكف عن إبداء رأينا بما يحدث. في رأيي هناك شعب عراقي هو يقرر ماذا يريد. لماذا عليّ كسياسي لبناني أن أُنظّر وأعطي رأيي بما يحصل.أنا أتحدث عن مظهر من مظاهر الإرهاب، لأنه ظاهرة غير انسانية وظاهرة مؤذية وتدقّ أبوابي في لبنان. فبالأمس شاهدنا ماذا فعل الإرهاب في منطقتنا وشارعنا وبلدنا. فهذا الأمر لا مشكلة لديّ في أن أعطي رأيي حوله، لكن في ما يخص الشأن السياسي داخل كل دولة، أرى أننا في لبنان علينا أن ننأى بنفسنا عن التدخل في شأن الدول الأخرى كما نرغب دائما في ألا تتدخل الدول الأخرى بشؤوننا. وهذا في عالم اليوتوبيا طبعاً. لكن أفضّل عدم التعليق على هذا الأمر.* بعيداً عن الغوص في الشأن العراقي الداخلي، هل تخشون على وحدة العراق في ظل كلام عن مؤشرات على سقوط حدود سايكس ـ بيكو في المنطقة؟ـ علىى مدى الأعوام الثلاثين الأخيرة وأنا أقرأ عن هذه السيناريوات. وأقول بصراحة انه في العام 2002 أيام المحافظين الجدد وقبل دخول الولايات المتحدة الى العراق وصل العديد من المقالات وأرسلوا الخرائط، وكذلك حصل في العام 1982 وغيره. لكن في رأيي لا شيء اسمه حتمية التقسيم. وقد يكون لبنان أكثر بلد وُضعت له خرائط تقسيمية، والحمدلله لم يُقسم. وحتى اليوم قبرص مع أن جزءاً منها محتل، إلا أن هناك جهوداً لإعادة توحيدها.أما أن يُقسم العراق، فلا أعلم، إذ لا أعرف ماذا سينتج عن هذه الأزمة. وهل سيتوجهون إلى فيدرالية كاملة، لا أعلم. وأعاود تأكيد أن الشأن العراقي هو للعراقيين الذين أجروا منذ فترة انتخابات عبّروا فيها عن رأيهم. وأعتقد أن الحل الأفضل أن تُحترم نتائج الانتخابات وأن تكون هناك عملية سياسية ترعى معالجة أي أخطاء حصلت في الماضي.? البعض يقول ان العراق يدفع ثمن الصراع السعودي ـ الإيراني في المنطقة. هل أنتم من هذا الرأي؟ـ من المعروف أن الصراعات قائمة وهذا ليس سراً. وحول هذا الإرهاب المشتعلة ناره في المنطقة، هناك مثل لبناني قديم يقول: «أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض» ومعناه أن الذئب قال له دعني آكل صديقك ولن أقرّب لك، وحين بقي وحيداً ووجد الذئب يقترب منه قال: «أكلت يوم أكل الثور الأبيض». فالمطلوب هو وحدة موقف.وأريد أن أشير إلى أن ما شهدناه في لبنان أخيرا، ورغم أنه مؤذ جداً على صعيد ارتداداته على القطاع الاقتصادي، السياحة، كما على صعيد المخاوف الأمنية وحالة الرعب التي يعيشها الناس، الا اننا شاهدنا أمراً إيجابياً في هذا الظرف الأسود: فأولاً وجدنا أننا اليوم متفقون على ضرورة الوقوف في وجه هذا الأرهاب وعدم السماح له بالنمو على الساحة اللبنانية، وثانياً شاهدنا أن أجهزتنا الأمنية ولأول مرة على هذه الدرجة من التنسيق بين بعضها البعض. وثالثاً وجدنا مستوى الدعم الدولي للبنان في موضوع وقف الإرهاب ومحاربته، ففي النهاية يد واحدة لا تصفق وهذا التعاون بين الدولي والإقليمي والمحلي على المستوى الأمني يعطي نتائج إيجابية.والأمر الرابع الإيجابي هو في اليقظة عند الفرد اللبناني، فالشعب اللبناني اليوم عيونه 10/10، فما حصل في الضاحية والطيونة يبيّن إلى أي مدى هؤلاء الشباب لديهم وعي ويشعرون بأن كل واحد منهم هذه المرة خفير، حيث يشعرون بأن أمن مجتمعهم يتعرض لخطر كبير.هذه الأمور لا بد أن نبني عليها إيجابياً، وفي رأيي المطلوب عملية سياسية ناجحة توحّد المواقف سواء أكان في لبنان أو في العراق أو في أي مكان، إذ من دون وحدة سياسية تنسيق أمني وتعاون الجميع لا يمكننا محاربة هذا العدو، المفبْرِك للانتحار. علماً أن أي مسلم حرام عليه الانتحار وقتل نفسه وقتل الأبرياء. وعلى كل نظام عربي وبلد عربي، ألا يفكر أن المسألة بعيدة عنه، فهؤلاء الإرهابيون كلما استوطنوا في مكان يعطون حق امتياز على مكان آخر.? بما أن الخطر واحد.. قيل الكثير عن «داعش»؛ الأفكار، التنظيم، مصادر الدعم، المشروع.. من هو «داعش» في رأيكم؟ـ هم منبع واحد بالنهاية: الفكر التكفيري، فكر «القاعدة». له أسماء مختلفة ويرسمون خرائط مختلفة ولديهم طموحات مختلفة، لكن الكل ينبع من منبع واحد وهو المنبع التكفيري، أنا لا أعرف كيف لهذا الفكر في هذا العصر والتطور ان يكون قائماً. للنظر العالم أين ونحن أين، هذا أمر مؤسف.? ثمة مخاوف من انعكاسات ما يجري في العراق على الوضع في لبنان، الذي لم يشف من تداعيات الأزمة السورية، هل لهذه المخاوف ما يبررها؟ـ هناك مخاوف من الذي يحصل والذي لم يبدأ في العراق، بل في أماكن أخرى في أفغانستان وباكستان ثم سورية ويضرب في أوروبا. المشكلة أن ذاكرتنا قصيرة وننسى أن هذا الفكر نفسه ضرب في الشيشان، وفي نيروبي عند احتلال مركز التسوق، وقد أجروا امتحانات اسلام للناس، من دون ان نغفل ذبح العسكري في احد شوارع لندن. هذا الفكر يضرب في أي مكان وله وجود في أماكن أكثر من أخرى. هو يؤذي لبنان، نعم، ولكنهم أيضا مشتبكون في معان في الأردن، وأنا أقول ان لا أحد لديه مناعة، وكل شخص يفكّر على قاعدة «لن يقتربوا مني وسأدعهم يفتكون بغيري» يكون واهماً، لأنه مع هذا الفكر لا يهمّ اياً كنتِ، فاذا لم تكوني معه فأنتِ للذبح. وهذا أمر يشكل خطراً كبيراً. وهذا فكر خطير جداً.? يحمّل البعض «حزب الله» مسؤولية تعاظم الاحتقان السني ـ الشيعي لمشاركته بالحرب في سورية، وربما لاحقاً في العراق، في الوقت الذي يقول أمينه العام السيد حسن نصرالله أنه لولا تدخله في سورية لوصلت «داعش» إلى لبنان.. من موقعكم كيف ترون هذا الأمر؟ـ في عالم مثالي، أكيد لماذا سنتدخل في مكان آخر. لكنهم بعد التدخل موجودون في شوارع بيروت، فكيف من دون تدخل، ماذا كان سيحصل؟ المشكلة أننا نريد أن ننأى بأنفسنا، لكن الأزمة والإرهابيين هل يريدون أن ينأوا بأنفسهم عنا؟أعتقد أنه اليوم ومن دون مبالغة، وهذه معلومات لا تحليلات، هناك الكثير من القوى الدولية والإقليمية توجّه الشكر لـ «حزب الله» لأنه استطاع أن يوقف نمو هذه الحالة في المناطق السورية المحاذية للبنان. فهم كانوا يتهيأون لغزوة كبيرة على لبنان، وهذا ليس سراً وإلا لماذا الأنفاق والتجهيزات والمعدات وتفخيخ السيارات. كان هناك خطر حقيقي وخطر ماثل وأعتقد أن اللبنانيين عليهم أن يكونوا واعين لهذا الخطر، إذ ان المسألة ليست مسألة طرف سياسي.? بعد تحميل التطرف الاسلامي مسؤولية ما يحدث في سورية واليوم ما يحدث في العراق، هل تعتقدون أن محاربة الإرهاب باتت أولوية؟ـ لم تصبح أولوية، فهي في الأساس أولوية. واليوم صارت أكثر من أولوية، باتت ضرورة وواجباً لأن هذا الإرهاب نموّه مدمّر. هذا سرطان، واذا تُرك سيقتل المنطقة كلها. الإرهاب ليس فقط إجراما، إنما طريقة حياة. وإذا دعوك تعيش سيفرضون عليك أسلوبهم اي يدفنونك في الحياة.? هل هناك طريقة ما لتفادي الانفجار المذهبي، وما هي سياقات معاودة لم الشمل؟ـ بالعملية السياسية، التقارب والحوار، ففي الحوار حلّ لكل شيء. وفي لبنان لا شك أن أقنية الحوار متاحة. اليوم لا أحد لديه النية أن يستعمل العنف ضد الفرقاء اللبنانيين لتحقيق أي شيء. إذاً تفعيل العملية السياسية هو الأساس لنستطيع التفاهم مع بعضنا البعض. و«كل عمرنا» نعيش مع بعضنا، هناك طريقة وليس الأمر مستحيلاً إذا وضعنا أمام أعيننا أن الأهم أن نؤمن للبنان استقراراً أمنياً وسياسياً.ما ينقصنا اليوم هو تأمين الغطاء السياسي للقوى الأمنية التي تعمل بفعالية، وان نريح نفسية الناس. وقد تقدّمنا خطوات بهذا الإتجاه من خلال تشكيل الحكومة الحالية، وأنا أهنئ الوزير نهاد المشنوق وأشدّ على يده لأنه يتعاون مع الجميع ومنفتح على الجميع ومقتنع جداً بما يجب القيام به للبلد، ولا مانع لديه من التعاون مع كل الموجودين على الساحة اللبنانية، وهذا ما لمسناه على طاولة اجتماعات وزارة الداخلية. وهذا المطلوب؛ المطلوب انفتاح سياسي وتعاون وحوار، فالمهمّ البلد والشعب اللبناني.