تصدّرت واجهة في لبنان الأحداث ظاهرة تكرار إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان على شمال اسرائيل والردّ الاسرائيلي بالقصف المدفعي وذلك لليوم الرابع على التوالي.ولعلّ العامل الذي يثير الخشية من تفلت الأوضاع الأمنية في المناطق الحدودية جنوباً يعود بالدرجة الاولى الى تفاقُم الأزمة السياسية الداخلية. اذ فيما يشهد لبنان هذا الانزلاق الخطر الى زعزعة الحد الأدنى من الاستقرار، فان الحكومة بدت مهدَّدة بالشلل في ظل تفاقُم الانقسامات والخلافات داخلها، فيما تراجعت إمكانات التوصل الى تسوية اخرى كان يؤمل ان تؤدي هذا الاسبوع الى عقد جلسة تشريعية لمجلس النواب لبتّ مجموعة ملفات ذات أولويات عالية وملحّة.وأعربت الاوساط القريبة من الاتصالات التي جرت في اليومين الاخيرين لـ «الراي» عن تشاؤمها من الاتجاهات التي تسلكها هذه الاتصالات التي دخل على خطها الرئيس سعد الحريري، اذ أشارت الى تصاعُد التباينات بين عدد من أطراف الحكومة حول ملف الجامعة اللبنانية خصوصاً، كما لفتت الى ان موضوع المنهجية التي اتبعتها الحكومة في الأسابيع الأخيرة لاتخاذ قراراتها بالتوافق والإجماع عادت لتُطرح على بساط النقاش والجدل بما يُخشى معه ان تكون الحكومة امام احتمال الشلل تفادياً لانفراط عقدها.ولفتت هذه الاوساط الى ان رئيس الحكومة تمام سلام كان يدرك تماماً امكان الوصول الى هذا الخطر عندما قرّر عدم توجيه دعوة الى جلسة لمجلس الوزراء هذا الاسبوع واستعاض عنها باتصالات ولقاءات يواصل إجراءها بغية معالجة الموقف واحتوائه قبل توجيه الدعوة الاسبوع المقبل. ولكن لا يبدو حتى الآن ان ثمة ما يشجع على تجاوز التعقيدات الا اذا برزت في الساعات المقبلة قرارات حازمة جديدة للكتل الاساسية، باعتبار ان سلام راح يحمّل الجميع تبعة انهيار العمل الحكومي وشلّه فيما البلاد تقف على مشارف أخطار أمنية واسعة، وهو الامر الذي سيشكل اختباراً وشيكاً للقوى السياسية في حفاظها على الحكومة ومنْع اهتزازها والعودة الى معالجة الامور بمرونة يقتضيها الظرف الضاغط.ورغم اشارة الاوساط الى ان واقع الجنوب لا يثير مخاوف من تدهور كبير وخصوصاً بعد ملامح التحركات التي برزت لوقف المواجهة الإسرائيلية - الفلسطينية في قطاع غزة، فان مصادر حكومية أبلغت الى «الراي» ان ثمة قلقاً من المعطى الأمني الجديد المتمثّل بظاهرة إطلاق الصواريخ في ضوء التداعيات التي قد تنجم عن اي ردّ فعل اسرائيلي على اي ضرر كبير تُلحِقه هذه الصواريخ المتفلّتة في المقلب الاسرائيلي، علماً ان تقارير تحدثت عن تحذيرات خارجية وصلت الى الحكومة اللبنانية تشدد على ضرورة ضبط الوضع في الجنوب في ضوء ظاهرة اطلاق الصواريخ.وكان صاروخان أطلقا ليل الاثنين - الثلاثاء من سهل القليلة في صور في اتجاه الجليل في شمال اسرائيل التي ردّت قواتها باطلاق عدد من قذائف المدفعية الثقيلة استهدفت محيط بلدات الحنية والعزية والسماعية والمنصوري ووادي زبقين. كما تعرضت المنطقة الساحلية الممتدة من رأس العين قرب مخيم الرشيدية حتى القليلة لقصف عنيف وسط حال استنفار قصوى في صفوف الجيش اللبناني وقوة «اليونيفيل».وفيما أكد القائد العام لـ «اليونيفيل» بالوكالة الجنرال تارونديب كومار الذي يجري اتصالات بالقادة الكبار في القوات المسلحة اللبنانية والجيش الإسرائيلي تحضّهم على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، ان الجانبين ملتزمان وقف الأعمال العدائية، كثّف الجيش اللبناني امس دورياته البرية وعلى شواطىء صور مدعماً بقوات غير اعتيادية من اليونيفيل التي رُصدت وهي تقوم بمسح جوي، بين الفترة والاخرى بواسطة طوافات ومروحيات. كما جابت الزوارق التابعة للقوة الدولية البحر قبالة الشاطىء.وفي حين كان لافتا ان اي جهة لم تعلن مسؤوليتها عن اطلاق الصواريخ على شمال اسرائيل، فان البارز كان اطلاق سراح الموقوف سمير قيس الذي اشتبه فيه بالضلوع في اطلاق «الكاتيوشا» فجر الجمعة، وسط عدم استبعاد ان يتم ايضاً الافراج عن الشيخ حسين عطوي (من الجماعة الاسلامية) الذي كان أصيب بجروح خلال تنفيذه هذه العملية ونُقل على اثرها الى المستشفى حيث جرى توقيفه.وقد رسمت «الجماعة الاسلامية» في لبنان، التي جاهرت بانتماء عطوي اليها وشددت في الوقت نفسه على ان لا قرار منها بإطلاق الصواريخ على شمال اسرائيل، الاطار السياسي الذي يفترض ان تتم تخلية الاخير على اساسه وعنوانه «المقاومة».فنائب «الجماعة» عماد الحوت، اعلن ان ما قام به عطوي «رد فعل على اعتداءات العدو الصهيوني ضد غزة في ظل صمت عربي ودولي»، وقال: «لا اعتقد في اي حال ان بالامكان تجريم هذا الفعل وإن كان يمكن مناقشة حساسيته وتداعياته، وإلا فلنأتِ بالذين خطفوا الجندييْن الاسرائيليين العام 2006 (من قبل حزب الله) ومَن يطلقون الصواريخ على سورية من لبنان. المقاومة إما معترف بها وبالتالي نتحاسب وفق هذا الميزان وإما هي غير معترَف بها وليُعمم هذا على الجميع».وقد دفعت مجمل هذه المخاطر بالزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط الى اعلان ان «علينا أن نسعى سياسياً الى تحصين البلد من خلال تقديم المصلحة الوطنية على ما عداها، على أن يترجم ذلك بالمسارعة الى تقديم تنازلات من الجميع، وصولاً الى انتخاب رئيس توافقي يستطيع تدوير الزوايا لبنانياً في انتظار التسويات الإقليمية والدولية المؤجلة». وقال: «لا مانع في هذه الحال من سحب ترشيح مرشح اللقاء الديموقراطي الى الرئاسة النائب هنري حلو، اذا أقدم الآخرون على سحب ترشيحاتهم، لتسهيل التوصل الى تسوية تنهي حال الفراغ».
خارجيات
سلام ممتعض وجنبلاط يستشعر بالخطر المحدق
بيروت تتلقى تحذيرات من إطلاق الصواريخ على شمال إسرائيل
12:57 م