أنا سندباد المغتربأبعُدُ... أغدو... أقتربلا أهابُ الموجَ أبداًحين يعلو ويقتربسندباد لا يخاففي كل البلادتاجرٌ... مندفعٌ... بطلٌ... من بغدادإنها كلمات جميلة شكّلت أغنية المقدمة للمسلسل الكرتوني الشهير سندباد المكون من 52 حلقة من انتاج شركة «نيبون أنيميشن» اليابانية. هذه الكلمات تعيش في ذاكرتي وهي جزء من كياني ولا شك أنها تعيش في ذكريات العديد من أبناء جيلي الذين عاصروا فترة بث هذا المسلسل لأول مرة في نهاية السبعينات من القرن الماضي.لقد شكل مسلسل سندباد قفزة نوعية وطفرة عجيبة في الأعمال الكرتونية في سبعينات القرن الماضي من خلال عوامل الحبكة الدرامية المشوقة في أي عمل فني. فقد جمع بين الإثارة والمغامرة، بين الصداقة والعداوة، بين عالم الإنس والجن، إنه مزيج من عوامل الجذب التي تأسرك حين تشاهدها مسبوكة بإطار فني وبلغة عربية عصرية جميلة.كنت أنتظر ساعة عرض المسلسل فور نهاية حلقة اليوم الذي سبقه، أهي مع العملاق وابنه عمليق، أم مع الطائر الخرافي صخر أم مع الساحرة ميساء والمشعوذ بولبا أم هي حلقة الفانوس السحري وخادم المصباح.ما زلت حتى هذه اللحظة أحب أن أشاهد هذا المسلسل الكرتوني بل وأعيش في أحداثه عند عرضه في أي يوم، وأعجب من خيال كاتبه الياباني كيف استطاع أن يُجسد هذه الشخصيات العرب ية الغريبة عن ثقافته ليصورها بأجمل وأبدع ما يكون. فالأفكار في إطارها العربي للرحالة البغدادي العربي سندباد قد تَصعُب على الكاتب العربي الأصل أن يجسدها فما بالك برجل ياباني يختلف في ثقافته وحضارته ولغته عنّا شكلا ومضمونا. قد تكون حكايات ألف ليلة وليلة هي اللبنة الذي بُني عليها المسلسل، ولكن بلا شك أن الكاتب «شون يوكيمورو» يتمتع بأبدع ما يمكن وصفه من إمكانات خيالية وخلفية تاريخية عميقة ليجسد الشخصيات بالشكل الذي أبهرنا نحن المشاهدون العرب.إن الأعمال الكرتونية على تنوعها قد كانت ولا تزال رافدا أساسيا في توصيل الرسائل الهادفة في أذهان الأطفال فتُثري خيالهم الخصب وتغذيه بالأفكار لتتدفق كالنهر الجاري.وما أود أن أشير إليه أن الذكريات الجميلة تعيش معنا كما الذكريات الحزينة، فمنها ما يُسجّله التلفاز في أدمغتنا؛ إما قصصا جميلة لمغامرة هنا أو هناك، أو أحداثا مؤسفة نشاهدها كأطفال فتبقى في ذاكرتنا، وقد نراها في أحلامنا كوابيس مزعجة. وفي محاولة مني لإقناع أولادي بحضور المسلسل عندما كبروا قليلا لم أجد منهم إلا إقبالا محدودا، لماذا يا ترى؟... هل لأنه لا يتطابق مع أحلامهم أو حتى مع عصرهم التقني والسريع الخُطى؟ أم لأنه مسلسل فعلا غير جميل وأني فقط من يراه جميلا لأنه جزء من ذكرياتي؟لم أُتعب نفسي كثيرا بالحصول على الإجابة ذلك أني أستمتع فعلا بحضور المسلسل ولا يضيرني إن لم يعجب الآخرين. لقد عشت مع سندباد وصديقه حسن والعصفورة المسحورة ياسمينة كل مغامراتهم، وكذلك علي بابا والعم الوالي علاء الدين. وكم كان يعجبني أن أحضر الحلقات الثلاث الأخيرة دائما وهي التي تُصوّر صراع الخير ضد الشر وذلك من خلال معركة سندباد وأصحابه مع العمالقة الأشرار والتي تنتهي بهزيمة الزعيم الأزرق الذي كنت أتمنى رؤيته طوال الحلقات.كما وأحببت السفر وعيش المغامرة من سندباد تجسيدا لمقولة الشاعر:تغرّب عن الأوطان في طلب العلا... وسافر ففي الأسفار خمس فوائدتفـرج هــمٍّ واكتسـاب معيشـــــة... وعلم وآداب وصحبــــة ماجـــــدلقد اشتقت لأن أعود طفلا وأجلس في حضن أمي أمدّ الله في عمرها ورزقها الصحة والعافية، وأنا لا أخجل من ذلك رغم علمي باستحالته ولكن على الأقل أعود طفلا بذكرياتي ففي هذا الكثير من الصدق مع نفسي حين أكون طفلا في داخلي؛ رجلا أمام الناس فلا بأس في ذلك، وأتمنى ألا تكون تلك الأعراض مؤشرا لمرض نفسي من وجهة نظر علماء الطب النفسي وخبراء االاستشارات النفسية.وللتاريخ أيضا أرغب أن أُثني على كل من المنتج نقولا أبو سمح والمخرج وئام الصعيدي لجهودهما الرائعة في نقل المسلسل بالصورة الرائعة التي عايشناها وبالأصوات الجميلة التي استعانا بها من الممثلين اللبنانيين المشهورين في ذلك الزمان.تجربة غنيّة أثْرَت خيالي، ورسخت في ذاكرتي، ولحظات جميلة عشتها في كنف أسرتي وأصدقاء الطفولة ذهبت مع الأيام وأبذل قصارى جهدي أن أعيش ما يماثلها مع أولادي ليحلموا كما كنت أحلم، ويسْعَدوا كما كنت أَسْعَد.z_alweher@hotmail.com