روى ابن وهب عن مالك أنه قال في (الحكمة): «إنها المعرفة بالدين، والفقه في التأويل، والفهم الذي هو سجية، ونور من الله تعالى».إن الحكمة تتجاوز المعلومات الجزئية إلى المفاهيم الكلية مع نوع من التطابق بين معارف الحكيم ومواقفه العملية له، والحكمة في مفهومها العام تعني وضع الشيء في موضعه، والمواقف الصحيحة الملائمة هي التي تكشف عن حكمة الحكماء. هناك عناصر أساسية للحكمة هي: الذكاء، والمعرفة، والإرادة، فالذكاء المتوقد، والمعرفة الواسعة، والإرادة الصُلبة تكوّن معاً: الحكمة، فالذكاء بمفرده لا يجعل الإنسان حكيماً، والمعرفة دون ذكاء تؤخر ولادة الموقف الحكيم، والذكاء اللمّاح والخبرة الواسعة لا تجعل الإنسان حكيماً ما لم يمتلك قوة الإرادة، لأن الإرادة القوية هي التي تنتج سلوكاً يختفي فيه الفارق بين النظرية والتطبيق.الذكاء موهبة من الله تعالى، والمعرفة الواسعة كسب شخصي، والإرادة القوية مستمدة من المجتمع الناجح الذي يحدد لأبنائه الأرضية والسقف المطلوبين للعيش بكرامة على مستوى الإرادة، إرادة الفعل والكفّ. إن الحكمة أُم الوسائل والأساليب، إنها الخير الفياض المتجدد.هناك عروة وثقى وعلاقة أزلية بين الأحداث والحكمة، وفي الأحداث الأخيرة التي مرت بالكويت، انكسرت العروة وانتفت الحكمة من عقول الغالبية من الأطراف المؤيدة والمعارضة والممارسة لسلوكيات العنف المرفوض في الشرع والقيم الإنسانية، من كان مهيمنا ومسيطرا على الموقف الإرادة الضعيفة، قلة المعرفة والخبرة، والتخبط في صنع واتخاذ القرار، لو كانوا قومي يعلمون بأن الحكمة نمو دائم، فالمزج الفاعل بين الذكاء والخبرة والإرادة يجعل مفهومات الحكيم في نوع من الحركة الدائبة، مفهوم يكبر، وآخر ينكمش ويضمر، أفكار جديدة لديه تفقد بريقها بسرعة، وأفكار قديمة تنبعث حية لتخط خطاً جديداً متألقاً، ونقطة تزداد تفصيلا، وأخرى تزداد تركيزاً. فهذه المفاهيم تدل على أن الحكيم لديه نوع من الاستجابة الناجحة للمرونة الذهنية العالية، والروافد الثقافية الغنية، والإرادة الحرة الصُلبة، لتقاتلوا حتى يكونوا حكماء.من أهم تجليات الحكمة التي افتقدناها في الأحداث والمواقف عامة، والأحداث الأخيرة خاصة.. إدراك حجوم القضايا على وجهها الصحيح، فالحكيم يرى الأشياء الكبيرة كبيرة، كما يرى القضايا الصغيرة صغيرة كما هي، هو من يرى ما قبل اللحظة الراهنة، ويستشرف ما بعدها، يرى نظماً تتوازى، وتتقاطع، وتتصادم، إنه يشعر بالعاصفة قبل هبوبها، فيحذر قومه وينذرهم، كما قال سفيان الثوري: «إذا أدبرت الفتنة عرفها كل الناس، وإذا أقبلت لم يعرفها إلا الحكيم».إن فقدنا للحكمة هو من جعل بعض أساتذة السياسة والمحللين السياسيين والشرعيين ينعتون أبناءهم المؤيدين للحراك «بالقطيع» بحجة اتبّاعهم لحساب كرامة وطن المجهول، ليس الشأن من يدير الحساب، ولكن الشأن كل الشأن أن نواجه الفساد بالإصلاح، ونضيق على المفسدين حتى يتراجعوا عن فسادهم أو يأتيهم أمر من الله يسحقهم ويهلكهم.إن المرارة لا تنبع من مفاجآت الأحداث وفواجعها، وإنما من غفلة الناس واستخفافهم بما وصلت إليه البلاد من درجات الفساد، ما نحتاجه اليوم فيمن يقود الشارع أو يقود البلاد والعباد يكون له معرفة بالدين، والفقه في التأويل، والفهم الذي هو فطرة ونور من الله، لقيادة المجتمع لبر الأمان وانتشال البلد من وحل الفساد.m.alwohaib@gmail.comtwitter: @mona_alwohaib
مقالات
منى فهد عبدالرزاق الوهيب / رأي قلمي
الأحداث والحكمة: أي علاقة؟!
01:48 ص