بعد يومين، تحديداً في 14 يوليو 2014، يحتفل العالم، لا بل قل إنه يستذكر بأسف «حرب كرة القدم» التي مضى عليها 45 عاماً.من قال بأن كرة القدم لغة لطالما وحّدت الشعوب؟ فهي لم تكن كذلك في ذاك اليوم المشؤوم عندما خلقت نوعاً من المواجهة المسلحة بين شعبين، فرضت فرقة وقطيعة، وخلّفت ضحايا بالآلاف.كان الإقطاع في السلفادور الواقعة في منطقة اميركا الوسطى مستشرياً وخصوصاً لناحية تملك الاراضي الزراعية من قبل فئة معينة من الشعب، الأمر الذي أفرز هجرة 300 ألف مواطن الى الجارة هندوراس التي بدأت تعاني الأمرين نتيجة هذا النزوح الكبير، حتى أطلت البطالة برأسها لتهدد الاستقرار الاقتصادي في البلاد.حكومة هندوراس فطنت للمشكلة متأخرة بعض الشيء، فاتخذت قرارا شهيرا عام 1967 تحظر فيه على السلفادوريين تملك الاراضي فيها، حتى ان الكثيرين من هؤلاء طرد من البلاد التي عاش فيه سنوات طويلة بحجة «الهجرة غير الشرعية»، الأمر الذي ادى الى انقطاع في العلاقات على المستوى الديبلوماسي بين الدولتين الجارتين استدعى تدخلاً شخصياً من الرئيس الاميركي ليندون جونسون لإعادة إحيائها.كان الصراع بين الدولتين بمثابة الشماعة التي تلجأ إليها حكومتاهما بهدف توجيه انتباه المواطنين الى الخارج بعيدا عن المشاكل الداخلية، الاقتصادية منها بالتحديد. كما لعبت وسائل الإعلام، على أنواعها، دورا كبيرا في تغذية الكراهية والنقمة بين هندوراس والسلفادور.ظل الوضع مستنفراً بين الجانبين. كان الأمر بحاجة الى شرارة كي ينفجر، حتى انفجر بالفعل في ساحة كرة القدم.فقد تحتم على منتخبي البلدين أن يلتقيا وجهاً لوجه في إحدى جولات تصفيات الكونكاكاف (اميركا الشمالية والوسطى والبحر الكاريبي) الخاصة ببطولة كأس العالم التاسعة المزمعة في المكسيك عام 1970.مباراة الذهاب أقيمت في ضيافة هندوراس في 8 يونيو 1969 وشهدت خسارة السلفادور التي يقال إن لاعبيها لم يجرؤوا على النوم خشية من اعتداء او ما شابه، بنتيجة صفر- 1.واذا سلم اللاعبون، فإن الجماهير الفقيرة من انصار السلفادور لم تنجُ من تنكيل نظيرتها الهندوراسية بها. حتى ان الامر تطور الى حد مهاجمة الأحياء التي يقطن فيها سلفادوريون، فما كان من معظم هؤلاء الا ان فرّ الى بلاده مخلفاً ممتلكات وذكريات وتاريخاً، واستدعى السلفادور الى تقديم شكوى رسمية الى الامم المتحدة وهيئة حقوق الانسان.خسارة السلفادور في تلك المباراة اعتبرت «نكسة وطنية» في البلاد دفعت احدى السيدات الى الانتحار من شدة مرارتها.بعدها بأسبوع، وتحديدا في 14 يونيو 1969، استضافت السلفادور مباراة الاياب.الوضع لم يكن أفضل مما عرفه لقاء الذهاب. الفندق حيث ينزل لاعبو المنتخب الضيف يتعرض لحريق مفتعل هائل أتى على كل مرافقه وغرفه. نقل اللاعبين منه الى ملعب المباراة يتم في حافلات مصفحة ووسط حراسة أمنية مشددة. الجماهير المحلية تطلق صافرات الاستهجان لدى عزف النشيد الوطني الهندوراسي وتعمد الى حرق علم الدولة المجاورة.المهم ان السلفادور «انتقمت» عندما فازت في ذاك اللقاء الذي شهد اعتداء على أنصار منتخب هندوراس بنتيجة 3 -صفر، الامر الذي حتم اقامة مواجهة ثالثة بين الجانبين، في المكسيك بالذات، لحسم بطاقة التأهل الى الدور الحاسم من التصفيات.جرى تحديد 26 يونيو 1969 موعدا للمباراة التي شهدت انتصارا صعبا للسلفادور بنتيجة 3-2 وتأهلا الى الدور الحاسم الذي شهدها بلوغها مونديال المكسيك.السلفادوريون المهاجرون الى هندوراس تعرضوا منذ الفوز في مباراة الاياب للتنكيل والطرد من قبل اصحاب الارض، الا ان الاعتداءات اتخذت طابعا تصاعديا بعد المواجهة الثالثة.وبنهاية «مباراة المكسيك»، كانت الدولتان قد نشرتا قواتهما على طول الحدود بينهما، وبدأت المعارك التي بلغت أوجها في 14 يوليو 1969 حين انتهكت طائرة من هندوراس اجواء السلفادور واطلقت النيران على كتيبة عسكرية داخل اراضي جارتها، ما دفع السلفادور الى شن هجوم واسع النطاق دخلت قواتها العسكرية الى مسافة 40 كلم في عمق اراضي هندوراس التي لم تتورع في ارسال طائراتها لضرب مدينتي سان سلفادور واكابوتلا بالقنابل.استمرت «حرب كرة القدم» قرابة المئة ساعة قبل تدخل خارجي على اعلى المستويات لوضع حد لمعاركها التي خلفت دمارا كبيرا.الأسوأ من ذلك أن تلك الحرب وُشمت بنحو 6 آلاف قتيل من الجانبين بسبب كرة القدم التي يعتبرها البعض «لغة موحدة للشعوب» بيد انها لم تكن كذلك في 14 يوليو 1969.سهيل الحويكsousports@
رياضة - المونديال
45 عاماً على «حرب كرة القدم» / OFFSIDE
03:10 م