بات شبه مسلّماً به في بيروت ان البلاد تعيش «حرباً باردة» داخلية تنسحب على مجمل «الملفات الساخنة» التي تزدحم بها أجندتها السياسية، وذلك في ملاقاة «التحولات» اللاهبة في سورية والعراق والتي تثقل تداعياتها على الواقع الأمني من خلال إدراج «الدولة الاسلامية» لبنان على «جدول أعمالها» الذي يسابق محاولات الجيش والأجهزة المعنية تعطيله بضربات استباقية.وفيما صار محسوماً ان ملف الانتخابات الرئاسية قابع في «غرفة الانتظار» لتسوية اقليمية - دولية يبدو أفقها بعيداً، فان الأطراف السياسيين يملأون الوقت الضائع بمحاولة معالجة ملفات ملحّة ذات طبيعة مالية واقتصادية وتربوية بما يمنع اهتزاز «الهدنة الداخلية» وبحوارات ثنائية في اطار السعي الى تقوية «المناعة» حيال الارتدادات المذهبية لما يجري في المحيط على الوضع اللبناني.ولعلّ أفضل توصيف للواقع اللبناني هو ما اعلنه رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط الذي اعلن «اننا اليوم لوحدنا» معتبراً أن «انتخاب الرئيس ميشال سليمان العام 2008 جاء بتفاهم اقليمي تُوج باتفاق الدوحة، ولكن اليوم أي من الدول الاقليمية أو العالمية لا يفكر في لبنان»، ومكرراً ان لبنان «لا يمكن أن يتحمل إلا رئيساً وسطياً، ولا يمكن ان يُحكم من د.سمير جعجع ولا العماد ميشال عون لان كليهما مرشحا تحدي»، مستشعراً ارتفاع المخاطر على لبنان جراء ما يجري في المنطقة فـ «تدخل بعض الأحزاب اللبنانية في سورية جلب إلينا السيارات المفخخة والانتحاريين وهذا الكلام موجه الى حزب الله وغيره»، وداعياً الجيش اللبناني إلى «قفل الحدود بين سورية ولبنان الذي من الصعب تمزيقه جغرافياً كما يحدث في العراق، فبعضهم حاول سابقاً ولم ينجح».وهذه المخاوف التي عبّر عنها جنبلاط انطلاقاً من عدم وجود اي قدرة دولية في لحظة «الغليان» الاقليمي على تمرير تسوية تتعلق بالوضع اللبناني، هي التي تدفع الزعيم الدرزي الى محاولة ابتداع حلول داخلية تكسر المأزق الرئاسي او أقلّه تعزّز قنوات التواصل الداخلي بما يحصّن الوضع اللبناني حيال التطورات الساخنة والتشنّج المذهبي في المنطقة كما إزاء الحرب الاسرائيلية على غزة.وفي هذا السياق جاءت مبادرة جنبلاط الى تعبيد جسور التواصل المباشر بين الرئيس نبيه بري و«تيار المستقبل» في غمرة تفاقم ازمة الرئاسة وتهديدها بالتمدد الى مجلس النواب والتمديد له اضافة الى الاختبارات المتتالية التي تتعرض لها الحكومة الرئاسية ومحاولات بري ضخّ الحياة في عجلة التشريع في البرلمان وهو ما يرفضه النواب المسيحيون و«المستقبل» في ظل الفراغ الرئاسي الا في الامور الملحّة.واذا كانت بعض الاوساط اعتبرت ان الملف الرئاسي جزء «طبيعي» من حوار بري - «المستقبل» الذي كان رئيسه سعد الحريري ردّ للاول ما اعتبره «هدية مسمومة» حاول فريق 8 آذار تقديمها له من خلال جعله «في الواجهة» لجهة إبلاغ العماد ميشال عون رفض السير به مرشحاً توافقياً للرئاسة، فان اوساط «المستقبل» رفضت ربْط هذا الحوار بفرضية التمديد لمجلس النواب التي يقال ان رئيس البرلمان وجنبلاط باتا مسلّمين بها، معتبرة ان «الحوار لم يتطرق إلى مجلس النواب لا من قريب ولا من بعيد، إنما له عنوانان لا ثالث لهما الأول يتناول الدفع باتجاه انتظام عمل الحكومة وتحصينها في مواجهة التجاذبات السياسية الحاصلة، في حين أنّ العنوان الثاني يأتي في إطار تفعيل الحوار السني - الشيعي لعزل لبنان عن التشنج السائد في المنطقة».وعلى وقع هذا المناخ عقد مجلس الوزراء جلسة طغى عليها ملف تفرغ المتعاقدين في الجامعة اللبنانية وتعيين العمداء فيها وهو الملف الذي علق ضمن المحاصصة السياسية والطائفية وبين الامكانات المالية المتضائلة للدولة، كما حضرت قضية دفع الرواتب للعاملين في القطاع العام آخر الشهر وسط مرونة من 14 آذار لجهة الموافقة على المشاركة في جلسة تشريعية للبرلمان للإجازة للحكومة اصدار سندات خزينة بالـ «يوروبوند» مع الاصرار على بت ملف الرواتب من ضمن آلية في مجلس الوزراء وفق قانون المحاسبة العمومية ودون الحاجة الى قانون في البرلمان لتغطية صرفها كما يصر بري.ولم يغب عن جلسة الحكومة ملف النازحين السوريين وسط تأكيد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس أن «موضوع إقامة مخيمات للنازحين السوريين داخل الأراضي اللبنانية بصورة رسمية أمر غير متوافق عليه بين القوى السياسية»، مشيراً إلى أن «إقامة المخيمات في الأماكن الفاصلة يتطلب توفير 3 شروط، هي ضمانة دولية أمنية وتمويل وقبول الأمم المتحدة بالإدارة»، ومؤكداً «عدم ورود أي معلومات عن تزويد اللاجئين السوريين بوثائق سفر لبنانية».
خارجيات
جنبلاط: البلاد لا تتحمل إلا رئيساً وسطياً
لبنان غارق في «حربه الباردة» ومحاولة تحصين «هدنته»
09:47 ص