العيشُ ماضٍ فأكرمْ والديكَ بهِ... والأم أولي بإكرام وإحسان... وحسبُها الحملُ والإرضاعُ تدمنهُ، أمرانِ بالفضلِ نالا كلَّ إنسانِ، (أبو العلاء المعري)... ذاكرة روحي تبدو مثقلة بالتفاصيل والحكايات، فلا يعود المكان هو المكان ولا الذكريات هي الذكريات ولا الروح هي الروح... لكن مجرد فكرة ان مكانك يبقى موجودا وان بإمكاني اذا استبد بي الحنين ان اعود اليه انبش في ارجائه عن ذكريات كانت لك، هذا الامر يبقى تعويذه ضد وجع رحيلك يا امي، حكايات وحكايات ولكن اعمق حكايتي كانت لفقد أمي حد الوجع، يصبح الصمت لغتي في حالات عدة، منها حين انوي الكتابة أجسد شخصيتي، واعطيها القلم لتعبر عن نفسها دون تدخل مني فكيف اذا كان عن فقدك يا امي، امسكت القلم بتأن وفتحت غطاءه لأطبع نبض قلبي،لألملم شتات حروفي وبكل وجع بكيت، وهنا بالتحديد على هذه الصفحة بصمت، كم احتاج الى الصمت الى السكينة الى الهدوء... احتاج اليها كي استطيع ارثيك يا أمي،فكنت اتمنى احتضانك، ما اكبر المي بفقدك وما اصعب حياتي بعد رحيلك، يا عطاء ما بعده عطاء، أمي كيف أبدأ حزني على فراقك بل كيف انتهي منه، ليس لي من كلمات يمكن ان تعبر عن كبر قدرك، سأكتب لك وسأخفي بين سطوري انيني ليتساقط دمعي خجلا منك لأنني لم افعل لك شيئا، تركتني ابجدية الكلام وهزمني القدر لأبقى عالقة في مدارك، انا منك من فيض عطائك غير المحدود، لست أتلذذ الأنين والآهات ولكن رحيلك افقدني الصواب، فقلمي عاجز امام اوجاعي لم تعد تسعفه اللغة، حيث تعلمت على يدك كل شيء في الحياة... الكرم والصبر والعطاء لكن نسيت ان تقولي لى كيف اتغلب على وجع رحيلك، وكيف اتعود على فراقك ما عاذ الله ان اعترض على قدره ولكني اتساءل كيف الاحتمال؟ عذرا قلمي فأنا أمر بأحزان أدبية، وكأن السماء بكت بل الكلمات تعاطفت لحزني عليك... نور عيني اعذريني لم تستطع يداي المكبلة بالقدر ان تفعل شيئا سوى ان تحتضنك وتنهمر عيني بالدموع، حين كانت يداي بالأمس تحتضن جسدك المتعب بالألم، حين كنت تقاومين تلك الاجهزة المحيطة بسريرك الابيض، وحين حلقت روحك في السماء في اتجاه خالقها بسلام، كأنك غفوت بعد عناء وجع طويل، الى ان حل القدر ورحلت الى ما أنت قادمة له مشرقة مطمئنة، وتركت في روحي ألما وفي عيني دمعا لن يغسل انهماره حزنا خيم على حياتي، وقلبا مكسورا راضيا بقدر الله وقضائه... في لحظة موتك مسحت كل ساعات الفرح التي عشتها منذ وقت طويل أمام حزن رحيلك، لم ادرك واعرف كم انت صبورة وعاشقة للحياة بإيمان عميق، لأن الله سيكون معك في تلك الصراعات على تلك الأسرة البيضاء ورغم كل تلك العذابات، التي مرت بك من جرح الى جرح ومن الم الى الم تكسر عزمك ويقينك... كانت الغرفه في المستشفي التي شهدت موتك احسها بيتي، يالله كيف المكان بوجود الام هو مكانك، لكن وحشه تجتاحني وانا ألج الدار بعدك، احفادك في دارك تفتقدك في مساء رحيلك، لم يعد العالم كما كان، كان لي نبض دفء ونبع وصفاء وملاذ مؤجل وقلب لا تعرف ابوابه الصدّ، غدا العالم رماديا كالحاً، وقفت امام باب المستشفى كل شيء يسير كالمعتاد ولحظات الزمن تستمر بالجريان، والشوارع تكتظ بالناس والسيارات تزاحم المارة ووجه الدكاترة التي رضخت لإصراري على الدخول اليك وقت أشاء، والممرات الطويلة الموصلة لغرفتك أن الحياة بأكملها تغيرت عندي هذا ما شعرت به عند رحيلك، منذ مرضك وتدهور حالتك الصحية بتسارع رهيب، وانا اشعر بانني اقف على باب آخر لدنيتي، أتهيأ مرغمة لأعبر دنيا جديدة بلا أم... يا أمي كم تشبثت بك فترة احتضارك الرهيب البطيء هل من المعقول ان يتحول عالم أمي الى ذكرى؟ لقد بتّ اتعلق بالهواء بالسماء اترجّى قطرة رحمة، اصلي لربي ان تحنو أنامل المرض المحايدة الباردة عليك، لا اصدق موتك، يا رب كيف هي الدنيا دون امي هل الكره الأرضية تبقى على استدارتها وهل السماء والارض والنفوس والوجوه ستبقى هي؟ ام ان الدنيا تشيخ بعيني الآن! من اين تسلل الموت اليك تلك الليلة؟ احتاج يا امي عمرا آخر كي ابكيك، لو بقيت العمر كله ابكيك فأنا لا اجد ما ارثيك به، ولكن من اين آتي بحزن يليق بك؟... يا نور عيني تذكرت حينما نظرت اليك وانت تودعين الحياة، عاجزة عن اعادة روحك، ارى جميلك يطوقني فاجلس امامك خادمة صغيرة لا اذكر نجاحي عندك، لانها من بعض عطاياك لى، اشعر بمكانتي وبمنزلتي عند البعض، وبقيمتي لدى زوجي، ولكن اذا جثوت عند اقدامك فأنا لا شيء... فاصبح صفرا يملأني الخجل ويعتريني الوجل، فألغي كل شيء واحذف اى شيء ولأنك كل شيء في حياتي فأذني لى بتقبيل قدميك، والفضل لك يوم تواضعت وسمحت ليدي ان تمسح التراب عن اقدامك يا كل ذاكرتي يا نور عيني.همسة:إن لم تكن الأم... فلا أمة... فإنما الأمهات الأمم.Sshaheenn@hotmail.comFollow Me :@sshaheen9Instagram:u20storiess