استعاد ملف النازحين السوريين الى لبنان موقعه المتقدّم على الأجندة السياسية في بيروت التي وجدت نفسها مرة جديدة أمام عنوان تنذر أرقامه بتداعيات كارثية على اقتصاد البلاد وأمنها وسط صعوبات تواجه الخيارات المتاحة امام الحكومة لمحاولة الحدّ من عبء هذا الملف والتي تراوح بين رفض دولي لإقامة مخيمات لهم على طرفيْ الحدود بين لبنان وسورية «لأن أمنهم لن يكون مضموناً»، وبين رفض داخلي واسع لاستدراج القيادة السورية لبيروت الى إجراء اتصال بها لتوفير هذا الامن، علماً ان دمشق اعترضت بدورها على الاقتراح باعتبار انها «تطالب بعودة أبنائها الى ديارهم».وحضر هذا الملف بكل تعقيداته في الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء اول من أمس على وقع اعلان المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة أن لبنان يستضيف 38 بالمئة من اللاجئين السوريين في المنطقة بعدما تجاوز عددهم 1.1 مليون نازح سوري متوقّعة ان يصل العدد الى مليون ونصف في نهاية 2014 (اي اكثر من ثلث عدد سكان لبنان) وأن من الضروري تأمين 6.1 مليار دولار خلال هذا العام للتعامل مع هذا العبء، واتخاذ ما يلزم لتزويد 800 ألف لاجئ باللوازم الضرورية لمواجهة موسم الشتاء.ورغم ان هذا الموضوع سيُستكمل في الجلسة الحكومية المقبلة، الا ان المداولات في شأنه بين عدد من الوزراء والتي أعقبها امس مؤتمر صحافي لوزير الخارجية جبران باسيل عكست حساسية هذا الملف والخلاف حوله ولا سيما مع فريق «التيار الوطني الحر» (بقيادة العماد ميشال عون) الذي يرفض اقامة مراكز استقبال او مخيمات داخل الاراضي اللبنانية باعتبار ان هذا يستدرج شبح «توطين» جديداً وينذر باستعادة تجربة اللاجئين الفلسطينيين.وعبّرت المداولات الحكومية عن قرار لبناني سيبدأ تطبيقه بحصر استقبال النازحين بأولئك الذي يسكنون في المناطق المتاخمة للحدود مع لبنان، وهو ما تعتبر بيروت انه سيوفر تقنيناً كبيراً في عدد النازحين الجدد الذين كان يبلغ معدل دخولهم لبنان نازحاً في الدقيقة باعتبار ان المناطق المحاذية للحدود باتت شبه هادئة، وايضاً إسقاط صفة النازح عن كل مَن يدخل سورية ثم يعود وهو ما جعل 50 الف سوري لا يرجعون الى لبنان.ويمكن اختصار المفارقات التي عبّر عنها الحوار الوزاري حول ملف النازحين بالآتي:* تحذير وزير الداخلية نهاد المشنوق من أن دخول «داعش» الى لبنان لا يمكن أن يأتي إلا عن طريق النازحين إذا لم يحسن لبنان تدبير أموره معهم.* إعلان وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس السعي لانشاء مراكز ايواء في المنطقة الفاصلة بين لبنان وسورية وخصوصاً بين نقطة المصنع وجديدة يابوس أي داخل الاراضي اللبنانية، على ان يجري لبنان الاتصالات العربية اللازمة لتغطية كلفة إنشاء هذه المراكز، كما سيجري الاتصالات مع منظمات الامم المتحدة المعنية ولا سيما المفوضية السامية لشؤون اللاجئين من أجل ادارة هذه المراكز.* تشديد باسيل على رفض إقامة مخيمات للنازحين السوريين داخل الأراضي اللبنانية وتفضيل أن تكون هذه المخيمات عند الحدود في سبيل تخفيف تدفق أعداد اللاجئين إلى الداخل اللبناني، مطالباً «بإجراء حوار مع السلطات السورية في هذا الخصوص بالاستناد إلى كون الأمم المتحدة لا تزال تتحاور مع النظام السوري من خلال مندوبه في المنظمة الدولية»، وهو ما قابله رئيس الحكومة تمام سلام مذكراً بكون البيان الوزاري ينصّ على مبدأ النأي بالنفس حيال الأزمة السورية، وهو ما أكد عليه أيضاً المشنوق وعدد من وزراء 14 آذار الذين رأوا عدم حاجة إلى التواصل مع النظام السوري لحل مشكلة النازحين لأنّ التواصل مع هذا النظام لا يقدم ولا يؤخر في هذا الإطار، بل هناك حاجة مُلحّة لممارسة المجتمع الدولي ضغوطاً فاعلة على النظام السوري بغية فرض الحلول المناسبة في هذا الملف.وبحسب المعلومات فقد توجّه المشنوق الى باسيل على خلفية استقباله السفير السوري علي عبد الكريم علي وبحث ملف النازحين معه قائلاً: «لا نرى أي منفعة من بحث هذا الملف مع السفير السوري وإذا بقي تكتل التغيير والإصلاح على موقفه المعارض لإقامة مخيمات للنازحين وأصبح عددهم مليونا ونصف المليون نازح كيف يمكننا حينئذ أن نعالج المخاطر الأمنية الناجمة عن ذلك؟»، مشيراً في هذا السياق إلى أنّ «كل المؤسسات الدولية تنصح لبنان بالإسراع في إقامة 100 مخيم يتسع كل منها لما بين 10 آلاف و15 ألف نازح داخل الأراضي اللبنانية». مضيفاً: «أما في ما يتعلق بإقامة المخيمات عند الحدود لا بد من طرح الأسئلة حول العَلَم الذي سيُرفع عليها وهل سيكون عَلَم الأمم المتحدة أم غيرها، ومن سيتولى تقديم المساعدات للنازحين المقيمين في هذه المخيمات»، وشدد على أنّ الإجابة عن هذه الأسئلة يجب أن تكون بناءً على «قرار لبنان بهذا الخصوص، لا سيما وأنّ النظام السوري سبق وأبلغ الجانب اللبناني بما يشبه التهديد أنه في حال إقامة المخيمات عند الحدود، وتحديداً في المنطقة المعروفة بـ NO MAN،S LAND فهو لن يتحمل مسؤولية أمن النازحين السوريين المقيمين فيها، وعلى هذا الأساس نصحت المنظمات الدولية بإقامة هذه المخيمات داخل الأراضي اللبنانية على بُعد 4 أو 5 كيلومترات عن الحدود مع سورية».