ينطلق شهر رمضان المبارك في لبنان مثقلاً بالهاجس الأمني الذي عاد الى الواجهة مع التفجيرين الانتحاريين اللذين وقعا في ضهر البيدر ومدخل الضاحية الجنوبية لبيروت قبل ان تبرز قضية «انتحارييْ الروشة» اللذين فجّر أحدهما نفسه داخل غرفته في فندق «دو روي» فيما تم توقيف الثاني.وجاء الشهر الفضيل ليشكل عامل قلق اضافياً استدعى تكثيف الاجراءات الاحترازية للقوى الامنية من جهة ومبادرة مؤسسات حزبية وجمعيات دينية وخيرية على الغاء كل الافطارات التي غالباً ما كانت تقام منذ عشرات الاعوام في بيروت الكبرى خلال رمضان المبارك خشية تسلل عناصر ارهابية الى داخل هذه التجمعات وتفجير نفسها، وسط تقارير تحدثت عن ان «حزب الله» اعتمد بدوره هذا الخيار.واعتُبر هذا التطور غير المسبوق حتى في عزّ الحرب اللبنانية بالنسبة لبعض الجمعيات (مثل المبرات الخيرية التي اسسها العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله) مؤشراً الى جدية المخاطر التي ارتفع منسوبها في الأيام العشرة الاخيرة مع التقارير الاستخبارية التي تتوارد الى الأجهزة الامنية عن ارهابيين وعمليات انتحارية محتملة، وهو ما أتاح لهذه الأجهزة استباق العملية التي كان السعوديان المفترضان أحمد عبد الرحمن الثويني (الذي فجّر نفسه) وعبد الرحمن الشنيفي ينويان تنفيذها قبل ان يدهم غرفتهما عناصر من جهاز الامن العام في فندق «دوروي».وفي هذا الملف بقيت التحقيقات مركّزة على المطلوب الثالث في «شبكة الروشة» الذي عمم الامن العام صورته وهو المنذر الحسن من بزبينا في عكار باعتباره مزوّد الانتحارييْن وصلة الوصل بين تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» والانتحاريين الذين يرسلهم التنظيمان الى لبنان، كما شخصت الانظار الى الاعترافات التي يدلي بها الانتحاري الحي عبد الرحمن الشنيفي الذي خرج من المستشفى.واشارت تقارير في هذا السياق الى ان الشنيفي اعترف للمحققين بأنه أراد تنفيذ عملية انتحارية لأنه يؤمن بدولة السنّة كاشفاً أن العملية الانتحارية المزدوجة التي كانت ستستهدف مطعم الساحة في الضاحية الجنوبية كانت ستنفذ خلال أيام.وحسب هذه التقارير فقد أظهرت التحقيقات أن المنذر الحسن الذي زوّد انتحاريي «دو روي» بالمتفجرات كان قد زارهما قبل نحو أربعة أيام من حادثة الفندق واصطحبهما لساعات عدة إلى مكان مجهول وقد تعرف عدد من العاملين في الفندق على صورة الحسن.وأشارت التقارير الى ان الحسن الذي تبين ان له علاقة بأكثر من عملية تفجير كان يتقاضى 50 ألف دولار نقداً عن كل انتحاري لقاء التسهيلات والمساعدات اللوجستية التي يقدمها له ومن ضمنها تزويده بالمتفجرات وتحديد الهدف المنوي مهاجمته، كما كان يتولى تأمين الإقامة للانتحاريين في الفنادق أو غيرها فيقوم بحجز الإقامة لهم عبر مكاتب أو شركات سياحية وعندما يصل الانتحاري إلى لبنان يكون مزوداً برقم هاتفي وباسم مستعار لمنذر الحسن وعندها يتولى الحسن إرشاده إلى الفندق أو مكان الإقامة المعين ثم يأتيه قبل يومين على الأكثر من تنفيذ العملية بالحزام الناسف أو بالسيارة المفخخة ويرشده إلى الهدف.وكشفت التحقيقات أن الانتحاريين السعوديين مكثا في أوتيل «دو روي» منذ 15 الجاري وهما كانا وصلا إلى بيروت آتيين من الرياض عبر مطار اسطنبول، ويعتقد المحققون أن لمنذر الحسن، الذي لا يُستبعد ان يكون فرّ الى سورية، معاون في اسطنبول تولى أيضاً مساعدة الانتحاريين الذين مكثا هناك نحو 5 أيام كما أن الحسن، الذي بات «ورقة محروقة» أمنياً كان يسافر إلى اسطنبول.وفي موازاة ذلك، برز تشديد الإجراءات على طول الحدود الشمالية والشرقية، كما في الداخل وخصوصاً في الضاحية الجنوبية، فضلا عن محيط مقار رسمية أبرزها وزارتا الداخلية والدفاع وباقي المقار الأمنية والعسكرية وسجن روميه المركزي وسط معطيات تحدثت عن ان الشاحنة المفخخة التي تلقت الاجهزة الامنية تقريراً استخبارياً عنها صبيحة 20 الجاري قد تستهدف هذا السجن الذي يقبع فيه عدد من الارهابيين بعملية انتحارية يمكن ان تضرب احد الحواجر المحيطة بمداخله لإلهاء العناصر الأمنية فيفرّ السجناء بالتنسيق مع متواطئين من داخل السجن.وعلى وقع معلومات صحافية تحدثت عن ان «الأمن الاستباقي» دفع جهاز الأمن العام اللبناني لإعادة ما يزيد على عشرين شخصاً غالبيتهم من الخليجيين الى بلادهم، واصلت قوة من الجيش اللبناني عمليات الدهم في فنيدق في عكار في ضوء اعترافات الموقوف محمد خالد وموقوفين آخرين.وغداة دهمه منزلاً ومخبأ في فنيدق حيث عثر على كميات كبيرة من الكرات المعدنية التي تستعمل في تجهيز الاحزمة الناسفة بالاضافة الى مواد متفجرة وقذائف هاون مع حشواتها، أكمل الجيش اللبناني امس مهمته حيث اكتشف مخابئ وعبوات ناسفة.وقد قامت وحدة من الجيش بتنفيذ مداهمات في فنيدق ومحيطها بحثاً عن مطلوبين، وشملت عمليات الدهم تحديداً مجمع العزيزية الذي يقطنه لاجئون سوريون وكذلك منطقة الكفرون ومحيط جسر عين البنات، وسط معلومات عن توقيف اشخاص أفادوا أنهم كانوا يزودون انتحاريين بأحزمة وعبوات ناسفة وكان آخرها لانتحارييْ «دوروي» ما يعني انهم على صلة بمنذر الحسن.وتحت وطأة الهاجس الأمني الكبير، تحدثت تقارير في بيروت عن ان تشديد الرقابة على الحدود البرية الى جانب حركة المســــافرين عبر المطار والمــــــــوانئ البحرية بما يمنع تسرب الارهابيين الى الداخل اللبناني، يشتمل على إقامة ابراج مراقبة مع تجهيزات تقنية متطورة تتيح وضع العدد الاكبر من المعابر غير الشرعية تحت الســـــيطرة الامنـــــية وتطوير المعابر الشرعية بالتقنيات الكفيلة بربط معلوماتها بالمراكز الامنية الاساسية لتحديد هوية الداخلــــــين والخارجيـــن الى لبنان.