طغى التفجير الانتحاري الذي ضرب منطقة شاتيلا عند مدخل الضاحية الجنوبية لبيروت قبيل منتصف ليل الاثنين - الثلاثاء وأدى الى سقوط شهيد من الأمن العام اللبناني ونحو عشرين جريحاً مدنياً على المشهد الأمني والسياسي اللبناني الذي بدا على جانب كبير من التوجس والقلق حيال عودة منهجية  للاستهدافات الارهابية رغم ان كثراً من الرسميين والسياسيين كانوا يستبعدون هذه العودة في شكل منهجي على الأقلّ.وشكّل حصول تفجيرين في غضون ثلاثة ايام (بعد تفجير ضهر البيدر يوم الجمعة) ما يشبه «كابوساً» جديداً اقتحم لبنان، ولم تقلل من خطورته ووقْعه محدودية الضحايا والأضرار التي خلفها التفجيران. بل ان اوساطاً وزارية لبنانية أبدت خشيتها عبر «الراي» من ان تكون البلاد امام فصل جديد من العمليات الإرهابية التي قد يكون ظاهرها مختلفاً عن السابق بحجم العمليات المحدودة ولكن مع تخوّف من وتيرة أسرع وأشدّ قدرة لدى الجهات الإرهابية على نقل المتفجرات وتنفيذ العمليات الانتحارية بنمط متغيّر عن السابق.وتشير الاوساط الوزارية الى ان الاستنفار الأمني والعسكري في البلاد وصل الى ذروته أمس، كما طلبت الجهات الأمنية المختصة من عدد كبير من المسؤولين والوزراء والقادة المعنيين في الأجهزة اتخاذ كل وسائل الحيطة والحماية والامتناع عن التنقل الا في الحالات الطارئة نظراً الى ارتفاع خطر الاستهدافات الإرهابية.وأضافت الأوساط نفسها ان هذا المناخ الملبّد فاقم الخشية من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للوضع الأمني وخصوصاً بعدما أمِلت الحكومة بإمكان احتواء الانعكاسات التي تركتها توقيفات واسعة الجمعة الماضي في منطقة الحمراء ومن ثم التحذيرات التي وجهتها دول خليجية مثل الإمارات العربية المتحدة ودول غربية الى رعاياها لتجنب السفر الى لبنان.ولكن التفجير الجديد جاء ليحبط المساعي التي أطلقها رئيس الحكومة تمام سلام وتحديداً من الكويت من اجل طمأنة الرعايا الخليجيين حول قدرة لبنان على مواجهة الاستهدافات الارهابية في ظل الخطة الأمنية الجارية والغطاء السياسي المتوافر من سائر الأطراف اللبنانية للقوى العسكرية والأمنية.ولم تكتم الاوساط خشيتها من ان يكون ثمة مخطط لاتباع نمط عمليات محدودة ولكن مركزة وكثيفة ومتنقلة، وهو الامر الذي وضعته الجهات الأمنية والحكومية في حساباتها في الساعات الاخيرة في ظل تفجير شاتيلا. وتعتقد هذه الاوساط ان الأجهزة والقوى الامنية والعسكرية أظهرت قدرة واسعة في المجال الاستباقي للعمليات الارهابية عبر توقيف رؤوس كبيرة في تنظيمات إرهابية، ولكن ذلك لا يحجب خطورة التحديات الجديدة التي ظهرت في اعتماد الإرهابيين وسائل مختلفة بما يجعل ساحة المواجهة مفتوحة على مزيد من المفاجآت والتفجيرات الإضافية.وكانت الساعة تقارب الثانية عشرة الا عشرة دقائق من ليل الاثنين حين دوى الانفجار عند مدخل منطقة الشياح بين مستديرتيْ الطيونة وشاتيلا، قرب حاجز للجيش ومقهى مكتظ بشبان كانوا يتابعون مباراة البرازيل وكاميرون في اطار كأس العالم لكرة القدم.وفيما اعلن الجيش اللبناني ان العملية نفذها «أحد الانتحاريين وهو يقود سيارة نوع مرسيدس 300 لون أبيض مفخخة بنحو 25 كيلوغراماً من المتفجرات (...)» وان الانفجار «أسفر عن إصابة عدد من المواطنين بجروح مختلفة وفقدان مفتش من المديرية العامة للأمن العام»، عاد مصدر امني ليوضح «ان المفتش الثاني في الامن العام عبد الكريم حدرج هو الذي اسُشهد في التفجير»، الا ان الإعلان رسمياً عن وفاته «ينتظر انجاز فحوص الحمض النووي لأننا لم نعثر على جثة كاملة له، بل أشلاء».وكانت «الوكالة الوطنية للاعلام» الرسمية افادت اثر التفجير عن سقوط جرحى دون تسجيل وقوع اي قتلى. إلا ان الانباء عن احتمال مقتل حدرج بدأت بالتواتر فجر امس بعد تصريحات ادلى بها زميله في الامن العام علي جابر الذي اصيب في الانفجار، قائلاً انه كان برفقته لحظة وقوعه.واكد المصدر الأمني ان حدرج وجابر «كانا يمران في المنطقة التي وقع فيها الانفجار، واشتبها بسيارة تتقدم بعكس السير قبل ان تتوقف في منتصف الطريق، ويترجل منها شخص، فأوقفاه وسألاه عن سبب توقفه بهذا الشكل، فأجابهما ان مفتاح السيارة انكسر ولم يعد قادراً على تشغيلها».وفيما اشار المصدر الى ان الاشتباه بالشخص دفع جابر للتوجه نحو حاجز الجيش لإبلاغ عناصره، «بينما بقي حدرج بجانب الانتحاري ليحول دون هروبه»، تحدثت معلومات عن انه وضع المسدس في رأس الانتحاري الذي عمد الى تفجير نفسه ولم يكن جابر ابتعد عن السيارة اكثر من 30 متراً.واوضح المصدر الامني ان حدرج «افتدى» سكان المنطقة، معتبراً انه «لو اتيح للانتحاري ان يصل الى اي تجمع عسكري او سكاني، لوقعت كارثة».وقد استوقف الدوائر المراقبة في بيروت ان تفجير منتصف الليل الذي وقع على بُعد حوالي 25 متراً من مقهى «أبو عساف» هو الاول الذي يقترب من الضاحية الجنوبية التي كانت شهدت آخر تفجير انتحاري في 19 فبراير باستهداف المستشارية الثقافية الايرانية في بئر حسن علماً انها استُهدفت قبله ايضاً بخمسة تفجيرات بسيارات مفخخة او عمليات انتحارية طاول احدها السفارة الايرانية (بئر حسن في نوفمبر الماضي).كما ان تفجير شاتيلا هو الاول الذي يضرب ليلاً وهو ما فُسر على انه محاولة من الارهابيين لتفادي الاجراءت المشددة واستغلال «لحظة المونديال» إما لاستهداف تجمعات تتابع المباريات، حيث تردد ان الهدف كان مقهى «ابو عساف»، او لإدخال سيارة الى قلب الضاحية وركنها ليلاً لتنفجر صباحاً.وكانت ترددت اولاً معلومات عن ان امرأة كانت تقود السيارة المفخخة قبل ان تتبدد هذه المعلومات ليتبين لاحقاً ان انتحارياً نفذها وهو شاب ثلاثيني قيل ان لكنته سورية.من ناحيته، أعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق ان الانفجار بالطريقة التي تم فيها «يدل على ارتباك الانتحاري، وهو دليل على ان الوضع الامني بالاجراءات المتخذة ممسوك».وأشار المشنوق في تصريح صحافي الى ان «كل الاجراءات متخذة من الاجهزة الامنية والعسكرية، ولو لم تكن كذلك لما جاءت السيارة عكس السير، ولما انفجرت بطريقة عشوائية على غرار ما حصل في ضهر البيدر».