بدا لبنان المترنّح فوق مأزق سياسي - دستوري من جهة وفوق صفيح امني ساخن من جهة ثانية، وكأنه انتقل الى «غرفة عناية» ديبلوماسية، دولية واقليمية، عكستها حركة حثيثة تشي بوجود محاولات جدية من الخارج لتمكين اللبنانيين من إحداث كوة في الأزمة الناجمة عن تعطيل عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية منذ شهر بالتمام والكمال، الامر الذي يفقد البلاد مناعة وطنية في ظل تطاير شظايا الانفجار السوري والعراقي، والذي ترجم اخيراً بعودة مسلسل التفجيرات المتنقّلة الى البلاد.ورغم تعاظم المخاوف في بيروت من محاولات داخلية لاستغلال الحماوة الأمنية في سياق المعركة على رئاسة الجمهورية عبر الضغط في اتجاه فرض مرشحين بقوة الامر الواقع، فان التقارير الديبلوماسية التي تلقتها العاصمة اللبنانية تؤشر الى قلق خارجي على الواقع اللبناني بعدما صار استقراره الهشّ عرضة لاختبارات أمنية قاسية، والاتجاه تالياً نحو تحصين الحماية السياسية لهذا الاستقرار من خلال الدفع في اتجاه ملء الفراغ الرئاسي.وتجلّى الاهتمام الخارجي بالواقع اللبناني من خلال المؤشرات الآتية:* استدعاء باريس سفيرها في بيروت باتريس باولي تحضيراً لمشاورات ثنائية ينُتظر ان تبدأ بين فرنسا والولايات المتحدة في شأن ملف الرئاسة في لبنان، وسط معلومات كشفتها صحيفة «النهار» عن أن مساعد الأمين العام للامم المتحدة للشؤون السياسية الديبلوماسي الاميركي الضليع في الشؤون اللبنانية جيفري فيلتمان طلب من المستشارة السياسية والاعلامية للرئيس السوري بثينة شعبان خلال لقائه اياها في اوسلو ألا تعرقل دمشق انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان.* اللقاءان المرتقبان في الساعات المقبلة في باريس بين الرئيس السابق للحكومة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري وكل من وزير الخارجية الاميركي جون كيري ووزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس حيث سيتركّز البحث على الوضع اللبناني في ضوء التطورات المقلقة في المنطقة.* التقارير عن لقاء خلال الايام القليلة المقبلة في العاصمة الفرنسية بين الرئيس فرانسوا هولاند ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط.غير ان الاكثر إثارة في هذا الحِراك الدولي هو المعلومات عن تحرك بدأته موسكو على خط الملف الرئاسي اللبناني انطلاقاً من رغبة فاتيكانية تم التعبير عنها خلال لقاء بين وفد روسي رفيع ومسؤولين فاتيكانيين تركّز البحث فيه على مسألة المسيحيين في الشرق الاوسط وفي الدول التي تشهد نزاعات مسلحة تهدد الوجود المسيحي في هذه البقعة من العالم.وأشارت تقارير في هذا السياق الى ان الفاتيكان يعتبر لبنان مدخلاً لبناء الثقة مع روسيا ولتعزيز ثقة المسيحيين وتجذير وجودهم في المنطقة، وهو ما جعل المسؤولين فيه يطلبون من موسكو استخدام علاقاتهم مع سورية وايران من اجل تسهيل انتخاب رئيس لبناني.وفي حين زار السفير الروسي الكسندر زاسبكين زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون اول من امس، جرى التداول امس بمعلومات عن مسعى دولي سيجري في محاولة لإقناع عون بعزوفه عن ترشيح نفسه للرئاسة وترشيح اسم يتوافق عليه جميع اللبنانيين وذلك لتقصير فترة الفراغ الرئاسي الزاخرة بأشد المخاطر على البلاد في غمرة ما تشهده المنطقة.الا ان اوساطاً مطلعة لا تبدي تفاؤلاً بإمكان النجاح في هذا المسعى اقله في المدى المنظور، وهو ما عبّر عنه امس مرشح قوى 14 آذار للرئاسة الدكتور سمير جعجع بعد زيارته البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي للمرة الاولى بعد طرح رئيس حزب «القوات اللبنانية» مبادرته القائمة على طرح مرشحيْن آخريْن بالتفاهم مع عون والنزول الى مجلس النواب لانتخاب أحدهما.وأعلن جعجع ان البطريرك وضعه في أجواء لقائه مع عون «وغبطته لم يتمكن من إقناع الجنرال بحضور جلسات الانتخاب»، مؤكداً في اشارة الى عون «أننا في حرب الغاء على موقع الرئاسة ولا أحد يحق له تعطيل البلاد في سبيل زيادة حظوظه الرئاسية»، متمنياً «على حزب الله والتيار الوطني الحر تغيير استراتيجيتهم السابقة والمشاركة والدخول الى الجلسة الانتخابية المقبلة»، مضيفاً: «لا أرى نوراً في النفق الذي نحن فيه، علماً ان هذا النفق من صنع أيدينا».وفي موازاة ذلك، استمرت مساعي «تصفيح» الواقع المؤسساتي من خلال معاودة تسيير عجلة العمل الحكومي واستئناف دورة التشريع في البرلمان وإن «على القِطعة».وفي هذا السياق أبلغت مصادر مطلعة الى «الراي» ان الاتصالات التي يجريها رئيس الحكومة تمام سلام تركّز على تثبيت التفاهم الذي رُسمت خطوطه العريضة بينه وبين الأفرقاء في الحكومة حول آلية عمل مجلس الوزراء في ظل الشغور الرئاسي علماً ان سلام دعا المجلس الى عقد جلسة يوم غد سيُطرح فيها الملف الأمني كأولوية أساسية الى جانب اختبار آلية التفاهم الجديدة رغم صدور دعوات الى سلام لرفضها بينها من الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي الذي اعترض على الآلية المقترحة لتوقيع قرارات الحكومة والمراسيم الرئاسية والتي تقضي بأن يقوم بالتوقيع كل من رئيس الحكومة ونائبه ووزراء يمثلون الكتل النيابية الكبرى الممثلة في الحكومة، معتبراً «ان ما يجري التداول به راهنا يؤسسان لأعراف ربما يعتبرها البعض مبرراً للمطالبة بعقد مؤتمر تأسيسي يعيد تكوين المؤسسات الدستورية على قواعد جديدة».
خارجيات
ميقاتي يحذّر من آلية عمل حكومية «يعتبرها البعض مبرراً للمطالبة بمؤتمر تأسيسي»
حِراك أميركي - فرنسي - روسي وفاتيكاني لإنقاذ لبنان من الفراغ الرئاسي
07:25 ص