لا يزال الوضع الداخلي في لبنان تحت وطأة عودة المخاوف من استهدافات إرهابية في ظلّ ما أعقب الانفجار الذي حصل الجمعة الماضية في منطقة ضهر البيدر البقاعية والحملة الواسعة من الإجراءات المشددة التي تتخذها الأجهزة الأمنية في حين لم تتكشف التحقيقات الجارية مع بعض الموقوفين عن تفاصيل دقيقة وافية في شأن كل ما أثير من اشاعات وسيناريوات وجنسيات متعدّدة لبعض المشبوهين.وفيما قام رئيس الحكومة تمام سلام أمس بزيارة للكويت يرافقه وفد وزاري كبير بعد زيارة مماثلة قبل فترة للمملكة العربية السعودية، بدا واضحاً ان هاجس التداعيات السلبية لعودة الأخطار الأمنية على عودة الرعايا الخليجيين الى لبنان تقدّم الأولويات في زيارة سلام للكويت التي صودف موعدها المقرر سلفاً مع عودة المخاوف الأمنية الى لبنان الذي كان موعوداً بموسم اصطياف زاهر يشكل دعماً لاقتصاده المنهك بأثقال كبيرة من بينها العبء الثقيل للاجئين السوريين على أرضه. غير ان مضي سلام في تحركه ترك انعكاساً مريحاً لجهة الإيحاء بأن الوضع ليس على المستوى المضخم من المخاوف الذي ساد عقب أحداث الجمعة كما ان ثمة مؤشرات أخرى من شأنها ان تبلور صورة مبرّدة نسبياً للمشهد الداخلي في الايام الطالعة.ذلك ان مصادر وزارية واسعة الاطلاع  قالت لـ «الراي» أمس انه يصعب في اللحظة الحالية إطلاق أحكام قاطعة وتقديرات مسبقة حيال ما اذا كان لبنان مقبلاً فعلاً على تداعيات أمنية من الحجم الذي خشي الجميع منه في الأيام الأخيرة. وإذ تبدي المصادر اعتقادها بأن الأجهزة اللبنانية أثبتت قدرتها على مواجهة هذه التحديات ما دامت بهذا الحجم، ترى ان شوائب كثيرة رافقت «جمعة الذعر» ولا يمكن التنكر لها ولكن الحصيلة العامة تبدو ايجابية اذ ان اي بلد من البلدان المتقدمة كان ليشهد تنافسات او تباينات مماثلة في تصرّفات الأجهزة لو تعرض لما يتعرض له لبنان، فكيف ببلد يشهد أزمات بهذا الحجم وفي مقدمها أزمة الفراغ الرئاسي التي تضع جميع المؤسسات السياسية والأمنية امام اختبارات يومية صعبة؟ولكن المصادر الوزارية أعربت ولو بحذر عن تفاؤلها بالتسوية التي أمكن التوصل اليها قبل ايام وحتى قبل التفجير الذي حصل الجمعة في شأن آلية عمل مجلس الوزراء والتي ستكفل في رأيها عودة الحكومة الى الإمساك الفعال بالمبادرة ومواجهة التحديات التي تشهدها البلاد. وإذ يتوقع ان يدعو الرئيس سلام اليوم الى جلسة يعقدها مجلس الوزراء الخميس المقبل أكدت المصادر الوزارية ان الاتفاق على الآلية يلحظ توجيه الدعوة الى الجلسات من جانب رئيس الحكومة قبل ثلاثة ايام وسحب المواضيع الخلافية من جدول اعمال الجلسة قبل 48 ساعة من موعد الجلسة الى جانب توقيع وزراء أساسيين من كل كتلة نيابية ممثلة في الحكومة القرارات والمراسيم الى جانب توقيع رئيس الحكومة والوزير المختص كي تحظى بالتغطية السياسية اللازمة. ولكن المصادر لم تخف ان هذه التسوية قد تثير ملاحظات وتحفظات عن دستوريتها لجهة مسّها بصلاحيات رئاستيْ الجمهورية والحكومة لمصلحة اجتهادات جديدة طارئة لم تُتبع مسبقاً ولم يلحظها الدستور.وهذه الآلية أمكن التوصل اليها بعد نحو شهر من انتقال الصلاحيات الرئاسية الى مجلس الوزراء عقب انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان (في 25 مايو الماضي)، وتُبرِز المصادر بعداً مهماً لها، اذ انها أعادت تثبيت التفاهم العريض الذي قامت عليه الحكومة بما يعني ان القوى الأساسية لا تزال ماضية في هذا التفاهم وتَجاوُز كل العقبات التي اعترضته وهو الامر الذي يحظى ايضاً بغطاء خارجي واسع للحكومة في هذه المرحلة الانتقالية الحرجة وسيساعد حكماً على ضبط الوضع ومنع الأخطار المحتملة من هزّ الواقع الحكومي والسياسي ضمن الستاتيكو الراهن حتى التوصل الى تسوية لأزمة الفراغ الرئاسي.اما في ملف الأزمة الرئاسية، فان المصادر أكدت ان اي شيء جديد لا يبدو وارداً الآن، ويتّجه الوضع نحو مزيد من الجمود بعدما تَقدّم الهاجس الأمني مجدداً الى الواجهة. ولمحت الى خشية بدأت تتصاعد من إمكان افتقاد ايّ أفق زمني واضح لوضع حدّ للفراغ الرئاسي ما دام الأفرقاء الذين يعطّلون الانتخابات الرئاسية يربطون الاستحقاق بالأوضاع الاقليمية وتطوراتها المخيفة وهو الأمر الذي يقضي تماماً على أيّ رهان بانتخابات قريبة.