|القاهرة - من سمر سعد|

بعد غياب «10» سنوات.. يعود المخرج المصري عادل أديب بفيلم «ليلة البيبي دول»، والذي نجح من خلال إكمال مسيرة والده شيخ الكتاب والسيناريست المصريين، الأديب الراحل عبدالحي أديب، وتحقيق أمنيته الأخيرة.. حيث يرى أن الفيلم يتبنى العديد من وجهات النظر، ويمثل دعوة للحوار ومعرفة الآخر، وبالرغم من ضخامة العمل وعرضه في سوق مهرجان «كان».. إلا أنه تعرض للكثير من الانتقادات.«الراي» التقت بعادل أديب، وكان معه هذا الحوار:• بعد غياب «10» سنوات لماذا اخترت تحديدا «ليلة البيبي دول» لتعود به إلى الإخراج السينمائى؟- ابتعدت عن الإخراج منذ آخر أفلامي «هيستريا»، لأنني لم أجد الموضوع الذي أتحمس لإخراجه، لكنني وجدت الرسالة التي أريدها في فيلم «ليلة البيبي دول» الذي عكفت على كتابته مع والدي طوال «20» عاما متواصلة، وهو ما شجعني على العودة.• هل كان يحتاج الفيلم إلى رؤية أكثر معاصرة لأنه كتب منذ فترة طويلة؟-  لا أرى أن الفيلم يحتاج لرؤية معاصرة، لأننا عكفنا عليه منذ «20» عاما لإيماننا بالقضايا التي يطرحها، وكنا نتابع كل ما يحدث في العالم في هذه الفترة.. لأن الفيلم قائم على مجموعة من القضايا المتعددة المتشابكة، والعودة إلى الماضي أفادت الشباب الحالي لأنهم أصبحوا أكثر فهما للعديد مما يسمعونه، مثل «الهولوكست». أما الجيل الأكبر ففي رأيي أننا قدمنا شهادة حق للتاريخ.• لماذا لم تتبن وجهة نظر محددة في فيلمك، واكتفيت بطرح آراء متباينة مع وضد السياسة الأميركية تجاه الدول العربية؟- طرحت الرأيين بالفيلم، لكني أكدت على وجهة النظر القائلة.. بأنه لابد من اتباع أسلوب الحوار والمناقشة مع الآخر، لأن العالم العربي متهم بالإرهاب، ونحن نتهم الغرب بالمعاداة والاضطهاد، وهذا الأمر الأخير غير حقيقي لأنه مثلا في أحداث سجن أبوغريب الشهيرة كان هناك من نشر صورهم وفضحهم، فالفيلم يتبنى وجهة نظر الحوار والتواصل والعيش في عالم واحد، ويمثل دعوة عالمية للتفكير.. فنحن طوال عمرنا نتحدث مع أنفسنا فقط.• عاب عليك الكثيرون انفعالك في أحد البرامج الفضائية وقولك جملة «أميركا على حذائي» عقب سؤالك حول رد الفعل الأميركي على الفيلم؟- أنا رجل انفعالي وخاصة مع هذا الرجل «بوش» مدعي الديموقراطية، والذي يفرض رأيه على العالم كأنه زعيم أوحد، ويحاول أن يتدخل فيما لا يعنيه، ويفرض ديموقراطية فاسدة علينا، وأنا أحترم الشعب الأميركي والإسرائيلي ولكني لا أحترم حكوماتهما.• هاجم النقاد فيلمك لأنه يتناول أكثر من قضية متشعبة.. فما ردك؟- أنا سعيد بهذا الهجوم، وأحترم آراء النقاد مهما كانت، وأعتقد أنه نجاح لي وللفيلم لأنني جعلتهم يفكرون، ولو في قضية واحدة من هذه القضايا الكثيرة، وقد تعلمت من والدي أننا نعمل في مهنة نتحول فيها إلى «فتارين» نعرض فيها بضاعتنا. وهناك من تعجبه السلعة، وهناك من يرفضها، وكلاهما حر في رأيه، ومن يرد أن ينقدني فهو حر، ويكفيني رأي أهم ناقدة عالمية «ديبي رايان» التي أكدت أنها لأول مرة تشاهد فيلما سلسا وجيدا هكذا.• ولماذا خرج الحوار شديد المباشرة في فيلمك؟- يوجد العديد من الأشياء لا يصح فيها الرمز، والفيلم مقسم إلى «4» فصول، منها اثنان أعبر فيهما بالصورة أما المباشرة في الحوار فتوجد في «3» مشاهد فقط، عبرت عن جميع أفكاري في باقي المشاهد بالرقص والأغنيتين الأجنبيتين، وأغاني ياسر عبد الرحمن.• وماذا عن ضرورة مشاهد الهولوكست؟- استدعاء مشاهد «الهولوكست» كان ضروريا.. لأني تعمدت الإشارة إلى أن «الأم اليهودية» والدة ليلى علوي تربي في أبنائها فكرة التوريث في الألم، والتوريث في الحق، وهي أم شديدة الإلحاح، وسيظل اليهود ينقلون ما حدث لهم، لأولادهم على مدار السنوات ليتاجروا به عالميا.• لكن الفيلم تحول إلى ما يشبه نشرة الأخبار؟- تعمدت ذلك لأننا في عالم متناقضات.. فنحن نعيش في عالم شديد الجنون وشديد الضغط، كل ما حولنا أصبح مضغوطا، والفيلم يحاكم العالم كله في يوم واحد، ولقد أردت أن أعبر عن يومنا بشكله المضغوط وبأحداثه العديدة، والبناء الدرامي للعلم له تسلسل مختلف عن الموجود في السوق السينمائية.• ألا ترى أن مدة الفيلم طويلة وهو ما دفع البعض للهروب من العرض؟- الفيلم الذي أخذ جائزة مهرجان «كان» هذا العام مدته «4» ساعات، وطول الفيلم غير مرتبط بالوقت، وإنما بالمساحة الزمنية التي أحسسنا بها، وهذا هو المهم، إننا أحسسنا بأحداث الفيلم وجعلتنا نستشعر طوله داخليا لأننا أحسسنا بالزمن الذي نحيا فيه وقضايانا، وأريد أن أقول: إنني عندما شاهدت الفيلم قبل نزوله السوق تجاريا قلت لنفسي.. لن يدخله أحد ووضعت في اعتباري ذلك إلا أن المفاجأة أن إيراداته جاءت جيدة.• هل فعلا نجحت في تكريم والدك عبدالحي أديب؟- عندما عرض فيلم «باب الحديد» بدور العرض السينمائية خرج الجمهور من السينما غاضبا، ولم يعجبه الفيلم، ولكن بعد «20» عاما من عرض الفيلم اعتبره النقاد من أعظم «100» فيلم في مصر ووضع والدي خبرة «60» عاما في الكتابة بفيلم «ليلة البيبي دول» لكي يغير في شكل وبناء السيناريو بشهادة أغلب النقاد في العالم، وأعلى مساحة كبيرة للشكل السردي للسيناريو، ووالدي كان يضع التصور الإخراجي للعمل، ولا أستطيع أن أفسد عمل والدي وأضيف لمستي على الفيلم فنقلته كما يريد ويحب، وأعتقد أنني نجحت في تكريم والدي.• كيف استطعت أن توفق في العمل بين هذا الحشد الكبير من الأبطال، وبالأخص محمود عبدالعزيز، الذي غاب «7» سنوات عن السينما؟- السيناريو كتب جيدا، واختياري للأبطال كان موفقا، وخاصة محمود عبدالعزيز الذي أضاف روح البهجة والفكاهة على الفيلم، كما جاء دور سولاف فواخرجي.. أكثر من رائع فهي صورة للمرأة العربية الرقيقة.. كذلك غادة عبدالرازق التي تعاطف معها الجمهور بالرغم من أنها تقوم بدور يهودية داخل الفيلم، ونور الشريف.. الذي أعتقد أنه كُره في هذا الدور لأنه كان شديد الانتقام من صديق عمره الذي جسده جمال سليمان وقتله، أما أحمد مكي فدائما اعتدنا عليه في الكوميديا وفي الفيلم مزج بين الكوميدي والتراجيدي وهذا صعب جدا. كما أن هناك مشاهد صامتة لن تتعدى الثواني ولكنها أثرت كثيرا مثل دور علا غانم.. التي قدمته ببراعة فصورتها في صورة العراق التي تنهار شيئا بعد الآخر وهي مستسلمة، وكذلك نيكول سابا أو «سهيلة» زوجة محمود عبدالعزيز الأولى، والتي شُوه وجهها على يد اليهود، ودور ليلى علوي، والذي قدمته بعمق وبساطة.. فجميع الأدوار نادى عليها أصحابها وقدموها جيدا.• ألا ترى أنكم بالغتم في الدعاية والميزانية والإبهار والسجادة الحمراء في مهرجان «كان»، وجميع الأموال التي تم صرفها على الفيلم؟- أي فيلم في العالم تخصص ثلث ميزانيته للدعاية، وكانوا قديما يتهمون صناع السينما بالبخل على الصناعة، ونحن هنا نؤسس لتطوير صناعة السينما على مستوى الكتابة، أو على مستوى الشكل والصورة وهذا ليس عيبا، ومن يقول إننا استأجرنا «السجادة الحمراء» في «كان» فهو يتهمنا ويتهم مسؤولي المهرجان بالرشوة، وهذا لم يحدث ولا نقبل به، كما أن جزءا من دعايتنا جاءت عن طريق الصحف مجانا مثلما حدث في مهرجان «كان» عندما وضعوا على لساني أحاديث تؤكد أن «ليلة البيبي دول» رُفض من أجل قضيته السياسية، وهذا حقيقي ولكني لا أستطيع إثباته.• ولماذا لم تحذف المشهدين لتدخل «كان»؟.- لن أدخل «كان» بالزيف فتلك رؤيتي التي قدمتها، وإن حذفت حرفا من السيناريو ضاع بناء السيناريو، والمشهدان كان وجودهما ضروريا وهو مشهد خاص بنور الشريف..  أو «عوضين» وتعذيبه في سجن أبوغريب ومشهد آخر لليلى علوي عندما تذكرت ما حدث لجدتها أثناء «الهولوكست».• ألم يحزنك عدم المشاركة في مهرجان «كان»؟- لا، ولكنني في الأساس لم ألحق بعملية الطبع، وسعدت عندما رفعت أعلام مصر بالخارج والجميع انبهر بالفيلم وشجعونا واستغربوا كثيرا من التقنيات العالمية والجرافيك والقصة والإخراج، وهذا شرف لكل مصري.• يبدو حديثك غير منطقي، ألا يجب أن نهتم برفضنا من مهرجان «كان»؟- هذا عندما يكون هناك شيء ملموس نستطيع الإمساك به، ولكننا للأسف نحيا في عالم يجب أن نكون أكثر ذكاء في إدراكنا لأسباب ما يحدث لنا، ومشكلة الصحافة أنها تقول على ألسنتنا ويصدقها الناس وتتحول الأشياء الصغيرة إلى فيل، ونحن لم نكذب أبدا في دعايتنا على أحد، ونحن كشركة جميع تعاملاتنا واضحة مع جميع الفنانين مثلنا مثل الجميع.• لماذا تقاضت علا غانم أجر فيلم كامل في مشهد واحد، وتقاضى نور الشريف «2» مليون جنيه، وأحمد مكي وصل أجره إلى 400 ألف جنيه في مشهد واحد؟- لست رجلا ساذجا لأضيع أموالي، فكل ممثل أخذ ما يستحقه، وكل ما نشر كذب.وهذا يشبه ما كانوا يقولونه بأن أحمد زكي في فيلم «حليم» لم يمثل إلا مشهدين بالرغم من توزيعنا لشريط فيديو سجل للراحل أحمد زكي يؤكد فيه أنه صور مشاهده كاملة، والإعلام يريد أن يسمع ويشاهد ما يريده فقط، وهذا يشبه اتهامنا بأننا ممولون من قبل اليهود.• من أين تعوضون تكاليف أفلامكم الكبيرة، خاصة أنها لا تحقق داخل السوق المصرية نصف أو ربع ما ينفق عليها؟- عن طريق بيع الأفلام خارجيا في الدول العربية والأجنبية، فمثلا فيلم عادل إمام «مرجان أحمد مرجان» تم بيعه بمليون و«250» ألف دولار، ويرجع ذلك لتكلفة أفلامنا الكبيرة.• هل حرصتم على عرض فيلم «حسن ومرقص» بعد «3» أسابيع من فيلم «ليلة البيبي دول» لتعويض الخسارة المادية؟- لا.. لأننا حددنا موعد عرض الفيلمين منذ فترة طويلة.• وما حقيقة المشاهد التي سرقت من الفيلم؟- لا أعرف، فحتى الآن الموضوع قيد التحقيق.

محمود عبدالعزيز وجمال سليمان في فيلم «ليلة البيبي دول»