لم تعد الجلسات التي يدعو اليها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري اسبوعياً بوتيرة ثابتة مرّة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ومرّة ثانية لاستكمال مناقشة ملف سلسلة الرتب والرواتب الا بمثابة تذكير دوري لتعاظُم الأزمة الرئاسية والسياسية التي يتخبّط بها لبنان والمرشحة لمزيد من الانسداد والتعقيدات.وباتت بعض الجهات السياسية في بيروت تطرح تساؤلات عما اذا كان التمدُّد الآخذ في الاتساع للأزمة بمفاعيلها التي تعطّل كل دورة المؤسسات الدستورية اللبنانية يجري عن تعمّد واضح لإحداث أمرٍ واقعٍ قسري ما ومحاولة فرضه تدريجياً من دون وسائل عنفية ولكن بوسائل التعطيل الزاحف على سائر أنحاء الحياة الدستورية والمؤسساتية، مع إبدائها الخشية من انعكاسات خطيرة لهذا المنحى.وقد حضرت هذه المخاوف بقوة غداة الـ «لا جلسة» للبرلمان الذي كان مدعواً الاربعاء وللمرة السابعة لانتخاب رئيس للجمهورية، كما من خلال ما شهدهيوم امس من تكرار للمشهد الرتيب نفسه الذي يعيشه اللبنانيون منذ ثلاثة اشهر مع تطيير نصاب الجلسة النيابية المخصصة لموضوع سلسلة الرتب والرواتب. وهي دوامة تقول الجهات السياسية نفسها لـ «الراي» انها لن تقف عند حدود قريبة ما دام مصير الأزمة الرئاسية صار أشدّ غموضاً من اي وقت في ظل التطورات الطارئة في العراق في وقت كانت غالبية الرهانات اللبنانية لانتخاب رئيس جديد معلقة على حوارات او مفاوضات او تسويات اقليمية أطاحت بها أخيراً الأحداث العراقية.وبحسب الجهات المطلعة نفسها، فان ثمة عاملاً جديداً بدأ يمكن تلمُّسه بقوة في المناخ اللبناني وهو يتمثّل في الإرباك الواسع الذي يضرب حسابات القوى السياسية واختلال حساباتها السابقة على وهج الحدَث العراقي. وتبعاً لذلك بدت الضجة التي أثارها زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون في تصريحاته الاخيرة التي فُهم منها انه يقايض الرئيس سعد الحريري بتوفير أمنه السياسي والشخصي مقابل موافقته على انتخاب عون رئيساً للجمهورية انعكاساً للبلبلة التي تسود فريق 8 آذار في ظل صدمة الحدَث العراقي. ذلك ان «حزب الله» عاد يغرق في اولويات الامن وانعكاسات تورّطه في الحرب السورية بعدما أشعلت الأحداث العراقية احتمالات تعرض مناطق الحزب لاستهدافات ارهابية من منظمات اصولية سنية يقاتلها في سورية. يضاف الى ذلك ان الانهيار الخيالي لسلطة نوري المالكي في العراق شكلت هزيمة قاسية ولو ظرفية لايران تحديداً. وهو الامر الذي يرسم علامات استفهام واسعة حول مسار الحزب وخياراته الحقيقية حيال الأزمة الداخلية في لبنان وما اذا كان من مصلحته المضي بلا حدود في تغطية التعطيل الحاصل والى اي مدى؟ وفي المقابل فان قوى 14 آذار لا تبدو في وضع متفوّق ولو أفادت واقعياً من إرباك خصومها حلفاء ايران والنظام السوري تجاه التطورات العراقية.ولا تخفي هذه الجهات خشيتها في ظل ميزان القوى السلبي هذا ان تكون الأزمة الرئاسية مرشحة لان تطول أكثر بكثير من التقديرات التي كانت سائدة قبل أسابيع قليلة. وهو احتمال يرتّب توقّعات قاتمة لان حالة تعطيل المؤسسات ستدفع بلبنان الى الغرق في انعكاسات الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وربما نشوء مخاوف جدية جديدة على الاستقرار الأمني السائد بحدوده المعقولة حالياً. ولعل أكثر ما يثير الخشية لدى هذه الجهات هو تعطيل الحكومة وتحويل واقعها الى حالة أقرب ما تكون الى تصريف أعمال مقنّع بعد تعذُّر الاتفاق على آلية لعمل مجلس الوزراء وقراراته بما يشلّ المجلس تماماً.وفي غضون ذلك، تلفت هذه الجهات الى ان عاملاً اضافياً واساسياً آخر من شأنه ان يزيد تعقيدات الأزمة وهو تصاعُد التوترات بين ايران والدول الخليجية بعد أحداث العراق. وتعتقد ان ثمة اختباراً صعباً سيضع الافرقاء اللبنانيين ولا سيما منهم «حزب الله» وتيار «المستقبل» امام مرحلة حرجة جديدة بما ينعكس بقوّة على الواقع الحكومي الذي يُعدّ الخيط الواهي الوحيد الذي يجمع الفريقين ضمن الحكومة. غير ان التداعيات لا تقف هنا فقط بل تطاول مجمل الوضع اللبناني اذ ان التوتر المتصاعد من التطورات العراقية قد يدفع الجميع الى التمسّك بمواقف وحسابات جامدة متصلبة الى أمد بعيد، هذا في حال انتفاء احتمالات التدهور الأمني في لبنان وهو الأمر الذي لا يمكن واقعياً استبعاده في ظل الظروف الناشئة اقليمياً. علماً ان الدوائر السياسية تلقفت امس باهتمام كلام نائب الامين العام للامم المتحدة السفير الاميركي سابقاً في لبنان جيفري فيلتمان عن استبعاده «ان يواجه لبنان ثانية» ما واجهه في تجربة الفراغ السابقة عام 2008. واضاف: «اعتقد ان الجميع في لبنان تعلموا اولا من درس مايو 2008 (العملية العسكرية لحزب الله) وثانيا يدرك الجميع مدى الخطورة اذا جرت محاولة فرض قرار بالقوة في لبنان اليوم».وفي موازاة المخاوف التي عادت تعمّ الضاحية الجنوبية لبيروت (معقل حزب الله) من تفجيرات مرتبطة هذه المرة بالحدث العراقي وتستهدف منشآت حيوية مثل مستشفيات المنطقة وهو ما ترافق مع رفع مستوى الاستنفار الامني من الجيش اللبناني او من «حزب الله»، أكد وزير الداخلية نهاد المشنوق أن «لا وجود لخلايا داعش في لبنان»، معبّرا عن قلقه من امكان دخول هذه الخلايا عبر سورية.واذ لفت المشنوق إلى «اننا مستنفرون بالنسبة إلى هذا الموضوع، وحتى الآن كل الامور تحت السيطرة»، اوضح رداً على سؤال حول ما تردد عن إحباط مخطط إرهابي في الضاحية الجنوبية انه «كانت هناك معلومات عن متفجرة، ولكن لم يحصل شيء. كانت لدينا معلومات ولكن أحدا لم يظهر، كنا نتصرف على أساس إحتمال حدوث شيء، ولكن شيئا لم يحصل». وشدد على ان «السلطات اللبنانية اتخذت اجراءات وقائية، وقال: «نعتقد انه توجد نقطتا ضعف، واحدة في الجنوب واخرى في بيروت الكبرى ولكنهما تحت السيطرة».
خارجيات
فيلتمان يستبعد «7 مايو» جديداً والمشنوق نفى وجود «داعش» ولم يستبعد تسلّله
الشظايا الإقليمية لـ «الانفجار» العراقي تضع المهادنة بين «حزب الله» و«المستقبل» على المحكّ
المفوض السامي للاجئين انطونيو غوتيرس يتحدث إلى عائلات سورية لاجئة خلال زيارة إلى بيروت امس (رويترز)
07:42 ص