من الطبيعي جداً أن يترقّب الإعلاميون والناس بعامة نتاجات الفنانين والأدباء في ظل الأحداث العاصفة التي تشهدها بلدان الربيع العربي. ومن الطبيعي جداً أيضاً أن يحاذر المبدعون الحقيقيون من الانحراف بأدبهم وفنهم إلى حقل العمل في الصحافة والإعلام.والمحاذرة ليست من باب أفضلية حقل على حقل، بل لخصوصية وسمات كل حقل على حدة. وهذا معروف ومحسوم، غير أن الأحداث الجسام التي تجري منذ أعوام إلى اليوم تدفع إلى المطالبة بزجّ كل الإمكانات والطاقات (ومن بينها الأدب والفن) لدعم الربيع العربي وتصويب مساراته والكشف عن آفاقه المستقبلية وإلى ما هنالك.أحقية المطالبة ونبل دوافع أصحابها لا تلغي خصوصية الميادين والحقول والأصعدة. المسارعة إلى كتابة رواية أو مجموعة قصص أو قصائد شعر أو إنجاز لوحات من شأن ذلك على الأغلب إذا ما تمّ الآن أن يكون انفعالياً حدثياً أو خطابياً فجّاً يخرج عن جنسه الأدبي ولونه الفني.فما يجري أشدّ هولاً من أي تعبير أدبي أو فني. وهو سريع، متغير، مليء بالمفاجآت مما يحيِّر أمر الساسة والناشطين والصحافيين. ما يجري الآن أشبه بتصدعات جبال الجليد الضخمة وانهياراتها. أشبه بقوة تسونامي وآثاره.في لجّة الأحداث وأتونها وعنف تغيراتها وانعطافات اتجاهاتها وتوالدها اليومي يستحيل في اعتقادي كتابة أدب يرقى في تعبيره إلى مستوى الأحداث، ويعبّر عنها. يستحيل الآن كما يستحيل غداً أيضاً. نحتاج إلى زمن يمر لننتج أدباً يستحق اسمه ولننتج فناً يستحق اسمه.هل يعني ذلك أن على المبدع النأي بنفسه عمّا يجري والاعتكاف في عزلة تامّة بانتظار الوحي وبانتظار الوقت المناسب؟قول كهذا هو الوجه الآخر لمغالطة مطالبة الكتّاب والفنانين إنتاج أعمال إبداعية مواكبة للأحداث الجارية. فالتريث الذي يقتضيه إنتاج الأعمال الإبداعية لا يعني بحال نأي المبدع عن الحدث، ولا يعني بحال عدم مشاركته الفعّالة به.ثمة عشرات الطرائق والسبل، وعشرات الأشكال والمجالات للمشاركة الفعّالة من قِبل الأدباء والفنانين غير إنتاج الأعمال الأدبية والفنية. نشاطات ومجالات لا حاجة لذكرها وتعدادها لأن المتاح منها أمام المبدع أكثر من أن يُعدّ، وليس على الراغب بالمشاركة سوى أن يتلفّت حوله ليجد الكثير الكثير.وفضلاً عن ذلك، فالكاتب أو الفنان ليس عاجزاً عن تقديم الكثير من غير اختصاصه. فهو من أبناء البلد قبل أن يكون كاتباً أو فناناً وأمامه من السبل ما أمامهم، وفي داخله من الحميّة ما في دواخلهم.فلماذا نضيّق دائرة الإمكانات لدى المبدع ونحصرها في إنتاج الأعمال الأدبية والفنية فحسب؟هو كاتب، وما يجيده لا يجيده غيره، هذا صحيح. وهو فنان ما يمتلكه من موهبة ليست لدى غيره، وهذا صحيح أيضاً. ولكن، ما يفوت المطالبين أن لدى المبدع الكثير جداً كما لدى غير المبدع. فلماذا لا تتم الإفادة من إمكاناته الأخرى بالغة الأهمية، مغلقين بذلك باب الإلحاح على ضرورة المشاركة في كتاب أو لوحة.إن الكاتب ليس آلة إنتاج أدبي فقط، والفنان ليس آلة إنتاج أعمال فنية فقط. ولو فكرنا بذلك لكنّا أرحناه من المطالبة والإلحاح ولكان الحراك استفاد بما هو أكبر.
محليات - ثقافة
مقال
وهو إبداع أيضاً!
09:00 م