... اذا أردتَ معرفة ماذا يجري في بيروت، ربما عليك ان تعرف ماذا يجري في نينوى... فعلى وقع الانفلاش «المريع والمريب» لـ«الظاهرة الداعشية» وتوسُّع ميدانها العسكري في سورية والعراق، أطلّ سريعاً الرئيس السوري بشار الاسد على لبنان عبر إعلان ترشيح زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية.وشكّل دخول الاسد وبالمباشر على الاستحقاق الرئاسي اللبناني بعد ايام من فوزه بولاية ثالثة، وعلى وهج سقوط الموصل في «قبضة» تنظيم «داعش»، نتيجة واحدة لقراءتين متناقضتين واحدة لخصوم النظام السوري الذين يعتبرون «الدولة الاسلامية في العراق والشام» مجرّد «اختراع» من دمشق وحلفائها لإحداث فوضى في المنطقة تتيح للأسد استرداد نفوذه في لبنان، وثانية لمؤيّدي النظام الذين يعتقدون ان الأسد سيصبح حاجة اقليمية ودولية للتصدي لـ«داعش» وأخواتها، الامر الذي يمكّنه من استعادة نفوذه في لبنان.ورغم هذا التباين في مغزى القراءتين اللتين تتقاطعان حول التسليم بان «الأسد الجديد» سيكون أكثر ارتياحاً لمكانته، فان ثمة أسئلة أثارها توقيت تبني الرئيس السوري ترشيح عون في خطوةٍ أعادت الى الأذهان ما كان درج عليه والده الرئيس الراحل حافظ الأسد في فترة الوصاية السورية على لبنان.ومن هذه الأسئلة: هل استعجل الأسد قطف ثمار المناخ الجديد الناشئ عن انفلاش «داعش» من دون ان يحسب الأضرار التي يمكن ان يتسبب بها على صعيد المساعي التي ما زال زعيم «التيار الحر» يقوم بها مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري لإقناعه بالسير به كمرشح وفاقي للرئاسة؟ ام ان ترشيح الأسد لعون جاء رداً على مناخ سلبي غربي وعربي قيل ان زعيم «التيار الوطني الحر» تبلّغه حيال امكان اعتماده مرشحاً توافقياً؟ ام ان إشادة الرئيس السوري بعون كمرشّح رئاسي ستسرّع عملية «حرق أوراقه» ايذاناً بانتقال حلفاء النظام في لبنان الى «الخطة ب» حيال الاستحقاق الرئاسي؟وفي مطلق الأحوال، فان هذا التطور يشي بان الانتخابات الرئاسية في لبنان دخلت منعطفاً جديداً عكسته اشارات عودة التوتر بين عون وتيار «المستقبل» عقب «هدنة الرئاسة» وهو ما عبّرت عنه ثلاثة تطورات:* اوّلها استعادة تلفزيون عون الهجوم على الحريري وتياره من البوابة الاقتصادية والخلاف حول ملف سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام والاساتذة والمعلّمين والذي أعاد الاستقطاب الحاد بين «8 و14 آذار» في البرلمان الى ما كان عليه قبل «المناورة المتبادلة» بين عون والحريري في شأن الملف الرئاسي.* ثانيها حرص العماد عون على استعادة تموْضعه كاملاً ضمن «8 آذار» عبر «نصف التسوية» التي تمت في شأن ملف الامتحانات الرسمية عبر تفاهم مشترك مع شريكيْه في «8 آذار» اي «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري.* وثالثها الزيارة اللافتة للنائب سليمان فرنجية (صديق الأسد) للعماد عون امس، وايحائه ان زعيم «التيار الوطني الحر» غير واهم حيال آفاق الحوار مع الحريري، محذراً من ان وصول رئيس مسيحي قوي يمكن ان يحصل «إما بعد مشكل وأزمة كبرى وإما بالتوافق»، داعياً الى التوافق تفادياً لما هو أسوأ.وكانت صحيفة «الاخبار» نقلت عن الأسد ان الجنرال عون هو الأقرب الى قلبه وذهنه في معركة الانتخابات الرئاسية، لافتة الى روايات تنعش ذاكرة الاسد في الحديث عن عون، بينها موقف الجنرال حين جاء معزياً بشقيق الرئيس، «وكيف صالح احد اكبر الضباط السوريين الذي كان مسؤولاً في لبنان اثناء انتفاضة عون ضد سورية». وقال الأسد: «مذاك كشف عون عن طينة رجل نزيه وشريف خاصم بشرف وتصالح بشرف وبقي وفياً لموقفه حيالنا، رغم كل العواصف والإغراءات. نحن لا نتدخل في شأن اي دولة عربية، لكننا نرحب بانتخاب عون رئيساً لما فيه مصلحة لبنان اولاً ومصالح علاقات الأخوة. ونعرف عنه انه وطني لا طائفي ومؤمن بالمقاومة والعروبة».ولم تحجب مواقف الرئيس السوري الانظار عن ملف سلسلة الرتب والرواتب الذي شهد كباشاً على خلفيته بين بري وعون وتحديداً على خلفية اصرار وزير التربية الياس بو صعب (من فريق عون) على اجراء الامتحانات الرسمية في مواعيدها ابتداء من اليوم بمعزل عن رفض عيئة التنسيق النقابية ذلك، وذلك حرصا من الوزير على عدم إبقاء 108 آلاف طالب رهينة الخلاف حول السلسلة. وقد استدعى هذا «الكباش» اتصالات ماراتونية أفضت الى إنقاذ التحالف السياسي بين رئيس البرلمان وزعيم «التيار الحر» حرصاً على عدم تصدُّعه عشية الاستعدادات الجارية لعقد جلسة جديدة لانتخاب رئيس الجمهورية في 18 الجاري. وخلصت التسوية في هذا الملف الى ابقاء «ربْط النزاع» على قاعدة موافقة هيئة التنسيق على مراقبة الامتحانات ووضع الاسئلة مع تأجيل موعد بدئها للشهادة المتوسط (24 ساعة) مع تعهد من وزير التربية بعد الضغط على الاساتذة لتصحيح الامتحانات واعلان النتائج وهو ما يُبقي ورقة ضغط قوية في يدهم لجلسة البرلمان التشريعية الجديدة في 19 الجاري لبت سلسلة الرتب التي تعرتض قوى «14 آذار» على أرقامها الضخمة وعدم التوازن فيها بين النفقات والايرادات محذرة من تداعياتها الكارثية على الاقتصاد اللبناني.ويُنتظر ان يكون لشدّ الحبال بين «8 و14 آذار» حول هذا الملف الذي استدعى تعطيلاً من «14 آذار» لنصاب الجلسة التشريعية تداعيات على عمل الحكومة التي ىتعقد اليوم اجتماعا في محاولة للتوافق على آلية العمل فيها في ظل الشغور الرئاسي، وسط تصاعد التوقعات بان يقابل فريق «8 آذار» تعطيل العمل التشريعي في البرلمان بتعطيل عجلة الحكومة وهو ما اشار اليه بري الذي تخوّف من انسحاب تعطيل جلسات مجلس النواب على الحكومة، فيتعطّل عندئذٍ كلّ شيء معتبراً «أنّ ما حصل في مجلس النواب يشكّل خطراً على النظام».
خارجيات
«الكباش» حول «ملف السلسلة» في البرلمان ينذر بـ «ردّ الصاع» عبر تعطيل الحكومة
هل يعيد المناخ «الداعشي» نفوذ الأسد إلى لبنان؟
05:30 ص