كثيرا ما رأى النقاد، أن إشكالية المسرح العربي بدأت حينما تراجع الخديوي اسماعيل (1830– 1895)، عن مشروع مؤسس مصر الحديثة وحاكمها ما بين عامي 1805 و1848 محمد علي باشا لتحديث مصر.سعى الخديوي اسماعيل لاستكمال مظاهر قشور المدنية، فأمر بحسب ما ذكر المستشرق والباحث الأدبي الروسي سكالوفسكي بإنشاء «... مسرح جميل في القاهرة، تم بناؤه خلال فترة زمنية قصيرة على أرض الأزبكية وعرف هذا المسرح بالكوميدي، وفي الوقت نفسه تقريباً، أمر– الخديوي– ببناء دار أوبرا، كلف بناؤها 800 ألف روبل، ثم تم في العام نفسه– 1869– بناء مسرح السيرك على طراز فرنسي، يتسع إلى 950 متفرجا، وكانت هذه الدور وقفاً على الفرق الأجنبية التي تفد إلى مصر لتقدم عليها مسرحياتها بغية امتاع الملك وبطانته». (انظر عبدالرحمن الرافعي- عصر اسماعيل– دار المعارف- الجزء الأول ).والحق، أن ما دفعني إلى هذا الاستحضار التاريخي، هو موافقة مجلس الوزراء المعروفة قبل مدة على إنشاء دار أوبرا، في مدينة الكويت العاصمة، وذلك على نحو سبعين ألف متر مربع، حيث عُدل اسم المشروع اخيراً إلى «المركز الثقافي والاجتماعي»... ارضاء لتيارات معينة...وكنت قد وددت أن أشير إلى قضية مهمة متعلقة بالمشروع، بعد أن أصبح حقيقة واقعة، لا مجرد حبر على ورق، ومن المهم أن يكون تشييده وسيلة لا هدفا!ولما كان ما تقدم، فإن إنشاء أي دار عرض مسرحي/ أوبرا، كان دوما في وطننا العربي الكبير خطوة مباركة، رغم أنه– في رأي معظم النقاد– يعد في حقيقة الأمر، عملا ناقصا، لا يكتمل أبداً، إذا كان مجرد اقتباس لتمظهرات التمدن والتقدم الغربي؛ حيث ان نسخ الحضارات، لا يولد– من وجهة نظرنا– حضارات شابة، وإنما محاكاة تحتضر لحضارات قائمة!وقد لا يمارني أحد بالقول، بأن التجارب الكويتية الرامية إلى تمثل معارف الحضارات الأخرى، التي أحرزت مخزونا من المعارف أتاح لها التقدم (تعليم– اقتصاد– ثقافة– مجتمع ) لا تبعث كثيراً على الأمل، باعتبارها قامت دوما على النسخ، لا التمثل، وهو ما ساهم بشكل كبير في أن سعينا لإنجاز تقدمنا المستقل، أو ما اصطلحنا على تسميته بــ « تحضرنا»، تحلل/ تفسخ قبل أن يكون!أعني أنه... بمجرد أن نتأمل علاقتنا بالتمدن، سنلحظ أننا نعيش وسط منطقة مفتتنة بالآخر؛ التطاول في البنيان يمثل المعيار الأهم لقياس تقدم الإنسان وتمدنه وتقدمه.ولا يفوتني التذكير، في الوقت عينه، أن ثقافة «نقد الآخر» التي تعد ركيزة من ركائز تحقيق التقدم الخاص، تعتبر شبه غائبة في مجتمعاتنا التي لا تؤمن إلا بالمحاكاة والتقليد.وحينما أقول «نقد الآخر»، فإنني أقصد– من دون مماحكات عقيمة– تفادي محاولات التقليد الأعمى، وفي كثير من الأحيان التماهي!ومن هنا، وجب التأكيد، على أننا في أمس الحاجة إلى عدم الوقوع في فخ التقليد والتماهي، لدى بناء دار الأوبرا الكويتية.وإن هذه الدار الأوبرالية، ما شيدت أساساً، إلا لبناء الإنسان الكويتي، الذي يسير الآن في طريق شائك، بعيدا عن الحضارة والمدنية التي لم يأخذ منها إلا القشور.ونحن في حاجة ملحة ونحن نشيد دار الأوبرا، لتذكر حاجتنا لترفيه يرمي إلى التنوير، وكلنا أمل أن تكون دار أوبرا الكويتية مشروعا مسرحيا، أو لنقل أداة فعالة لإعادة قطار التنوير الكويتي إلى السكة، بإسناد إدارتها إلى المؤمنين بأن الحضارات «تقدم خاص» لا «محاكاة وتقليد وتماه»!* أستاذ النقد والأدبaliali2222@hotmail.com
محليات - ثقافة
نحو ألق ثقافي / دار الأوبرا الكويتية
| د. علي العنزي |
04:34 م