حرَكة بلا برَكة. هكذا يمكن وصف ما شهده لبنان في الساعات الماضية من محاولات لتنظيم مرحلة الشغور الرئاسي التي لا تشي بأنها امام نهاية وشيكة في ظل استمرار انعدام التوافق المسيحي الذي يبقى العامل الرئيسي الذي يتيح «لبْننة» الاستحقاق وعدم انطلاق عملية «ترسيم النفوذ» في المنطقة بين السعودية وايران بما يسمح بتكوين «حاضنة» اقليمية تخرج «رئاسية لبنان» من دائرة الفراغ.واذا كانت زيارة وزير الخارجية الاميركي جون كيري لبيروت وما اثارته من «غبار» والتباسات عكست عدم وجود «خريطة طريق» دولية لإنقاذ لبنان من الفراغ الرئاسي ورمت كرة الحلّ في ملعب اللبنانيين، فان أطراف الصراع في بيروت أثبتوا انهم غير جاهزين لاجتراح اي تسوية داخلية يبقى المدخل اليها إما التفاهم على مرشح توافقي للرئاسة او ترك اللعبة للآليات الديموقراطية.ورغم الحرص الذي أبداه كيري على محض «الحكومة الرئاسية» التي يقودها الرئيس تمام سلام بالدعم «المعنوي» وتشديده على استقرار المؤسسات، فان لا مؤشرات في بيروت الى ان ثغرة حقيقية حصلت في جدر الازمة المزدوجة على خطيْ تعطيل جلسات مجلس النواب التشريعية بحجة رفض التشريع في ظل الفراغ الرئاسي وفرْملة عمل الحكومة بانتظار التفاهم على آلية العمل في ظل غياب رئيس للبلاد.وفيما عبّر عدم تحديد الرئيس سلام موعدا لجلسة جديدة لحكومته عن ان الاتصالات لم تفض بعد الى حسم الجدل الدستوري حول صلاحيات الحكومة الرئاسية وآلية اصدار المراسيم عنها، فان مصير الجلسة التشريعية المقررة الثلاثاء يبدو بدوره رهينة غياب التوافق اولاً على أرقام سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام والاستاذة والمعلمين وثانياً على التسليم بامكان مواصلة التشريع في البرلمان «وكأن شيئاً لم يكن» بالنسبة الى الفراغ الرئاسي.وما يعزز المخاوف من ان يمتدّ تعطيل عمل البرلمان والحكومة هو ان جلسة الانتخاب الرئاسية الجديدة المحددة بعد غد الاثنين ستنتهي الى ما خلصت اليه سابقاتها لجهة عدم توافر النصاب الضروري (86 نائباً) الذي يتيح للبرلمان افتتاح دورة انتخابية جديدة، وسط ممارسة زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون سياسة الانتظار من جهة لجواب الرئيس سعد الحريري على امكان السير به مرشحاً توافقياً، و«الهجوم» من حهة أخرى على خط الدفع نحو اعتبار الإنتخابات النيابية (موعدها بين سبتمبر ونوفمبر المقبلين) اولوية مع تحديده 20 اغسطس (موعد توجيه الدعوة للهيئات الناخبة) كمهلة أخيرة للحصول على الرد المنتظر من الحريري.وما يجعل موضوع الانتخابات النيابية ضاغطا ان عون ابدى استعداداً للارتداد على معارضته الشرسة لقانون الستين الانتخابي والسير به، وهو ما يلتقي فيه مع موقف النائب وليد جنبلاط، مع مفارقة ان الرئيس نبيه بري ابدى بدوره عدم ممانعة لاعتماده وهو ما ينسحب كذلك في المبدأ على «حزب الله» و«تيار المستقبل».الا ان دوائر سياسية في بيروت تبدي اقتناعاً لان جعل الاستحقاق النيابي في مقدمة الأجندة الداخلية هو على طريقة «وضع العربة امام الحصان» وان مثل هذا الطرح لن يمرّ ولا سيما ان المعترضين على التشريع وتوسيع عمل الحكومة في ظل فراغ رئاسي سيكون من الصعب عليهم التسليم بإجراء انتخابات نيابية في غياب رأس للدولة وان مثل هذا الطرح لن يفضي سوى الى ربط الاستحقاقين الرئاسي والنيابي في «سلة واحدة» عندما تحين لحظة التسوية. وإزاء هذا الواقع، تكثر الاشارات في بيروت الى ان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي كان التقى كيري خلال زيارة الاخير لبيروت الاربعاء، يتجه الى «الضرب على الطاولة» في اطار الضغط لإنجاز الاستحقاق الرئاسي وسط معلومات عن انه أبلغ الى المشاركين في اجتماع المؤسسات المارونية اول من أمس، أنه لن يتردد في في اتخاذ خطوات ضغط جديدة بعد جلسة التاسع من الجاري ترواح الخيارات فيها بين الاعتصامات والتحركات امام منازل النواب معطّلي نصاب الجلسات الانتخابية. وكانت تقارير كشفت ان الراعي سلّم وزير الخارجية الأميركي ورقة مكتوبة تعبّر عن هواجس بكركي كي يتولى نقلها إلى الإدارة الأميركية وان تعمل الولايات المتحدة مع إيران والسعودية لتسهيل إنجاز الاستحقاق الرئاسي بغض النظر عن اسم أو مواصفات الرئيس العتيد، قوياً كان أم غير ذلك، موضحة ان أنّ كيري وعد البطريرك بالمساعدة قدر المستطاع في هذا الموضوع مع تأكيده أنّ واشنطن لا تتدخّل في التفاصيل وكل ما يهمها هو تحصين الاستقرار في لبنان.وقد اكد الراعي امام زواره امس انه قال امام وزير الخارجية الاميركي ان «إجراء الإستحقاق الرئاسي ليس ترفاً او عملاً سياسياً يومياً يجوز الإستخفاف به، بل هو أمر يتعلق بمصير الناس وحياتهم اليومية ومستقبلهم، فالسياسة التي اعتُمدت وادت الى عدم اجراء الإستحقاق الرئاسي تستهدف شعباً بمقومات حياته وحضوره حاضراً ومستقبلاً، وهي تقود هذا الشعب الى الإفقار والتقهقر المعيشي والإقتصادي، وتدفعه الى هجرة أرض لبنان مع ما تحمله هذه الهجرة من أخطار مصيرية».
خارجيات
جلسة الـ «لا انتخاب» الرئاسية الإثنين ولا جلسة قريبة للحكومة
عون يضع «العربة أمام الحصان» والراعي يتجه إلى «الضرب على الطاولة»
05:31 ص