يتجه لبنان، المزهوّ بعودة مهرجانات الفرح الى ربوعه بـ «سحر ساحر»، نحو مسار مجهول - معلوم، الامرة فيه لمَن يملك الارض وقدرة «التحكم والسيطرة»، في الشارع والسياسة، في الداخل وفي «بعض الخارج» المتكئ على منظومة متعددة الالقاب يطاول «وهجها» ساحات وملفات ومصالح على مدّ المنطقة.وبعد اسبوع على «رحيل» الرئاسة اللبنانية الى دنيا الفراغ، تبدو عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية مجرّد معركة محسوبة النتائج في اطار «الحرب» الاقليمية المتعددة الساحة، رغم كل الضوضاء السياسية والدستورية التي تلهو بها بيروت كـ «تقطيع الوقت» في انتظار السيناريو المرسوم للافراج عن «رأس الدولة» في اللحظة المؤاتية.وتتكرّس مؤشرات استبعاد انتخاب رئيس جديد للجمهورية في وقت قريب... فالداخل يتّجه نحو عناوين سياسيّة ودستوريّة ومطلبيّة توحي بتراجُع مساعي انتخاب رئيس الى المقاعد الخلفية، فيما الخارج مشغول بأولويّاته التي يبدو ان لا مكان فيها للملف اللبناني إلا من باب الحرص على الاستقرار سواء من زاويته الأمنية او لجهة ضمان انتظام عمل المؤسسات من خلال تفادي تفجير «الحكومة الرئاسية».ويسود انطباع في بيروت بأن الملفّ الرئاسي صار أسير لعبة انتظار مزدوجة اولاً لسلوك التقارب الايراني - السعودي طريقه وعلى الأرجح في اجتماع وزراء خارجية الدول الاعضاء في منظمة التعاون الاسلامي الذي ينعقد في 18 و19 يونيو المقبل في جدة وتلمُّس «ملفات التفاوض» بين الجانبين التي تضع طهران لبنان كما العراق خارجها، وثانياً لاقتناع الاطراف المحليين بان لا خروج من دوامة الفراغ الرئاسي الا بتسوية إما تحصل سريعاً و«على البارد» بأقل تكلفة بتوافق المسيحيين على مرشح من خارج الاصطفافات والاستقطابات الحادة وإما تأتي نتيجة إنهاك الأطراف الداخليين وبلوغ الواقع مرحلة خطر الفراغ المؤسساتي بتعطيل «الحكومة الرئاسية» والبرلمان بالكامل فيكون الحلّ «على الحامي» وتحت ضغط إنقاذ البلد من الانهيار.ورغم تسليم الجميع في لبنان بأن ايّ انفراج في علاقة السعودية ودول الخليج عموماً بايران لابد ان يوفّر مناخاً يستظلّه ايّ حلّ للأزمة الرئاسية، فان دوائر سياسية في بيروت تتوجّس من المرحلة المقبلة في لبنان والتي تشي بتعقيدات بدأت طلائعها عبر وضع الحكومة امام اختبارات تتصل بمدى قدرتها على ضبط التوازن السياسي وحماية الانتظام العام.وشكّلت اول جلسة عقدتها الحكومة في «عهد الفراغ» اول من امس اختباراً فعلياً للمرحلة المقبلة، وقد عكست مناقشاتها أجواء التعقيدات التي ترافق مرحلة التكيف الحكومي مع الفراغ والتي عبّر عنها تخصيص جلسة اضافية غدا لمجلس الوزراء من اجل التوافق على الآليات التنفيذية والتفصيلية لاتخاذ القرارات ولا سيما من يحق له دستورياً دعوة الحكومة للانعقاد وبالتالي تحديد جدول أعمالها وتوقيع المراسيم، وسط انقسام في الآراء بين داع لتوقيع المراسيم من جميع الوزراء، وبين مطالب بأن يوقع عليها ثلثهم أو نصفهم زائداً واحداً، من دون أن تحسم النتيجة. علماً ان الرئيس تمام سلام اكد ان دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد «حق دستوري لرئيس الحكومة». اما في ما يتعلق بجدول الاعمال، فالامر منوط برئيس الحكومة على ان يبادر الى توزيعه قبل وقت أطول من المعتاد كي يتم التشاور في شأنه والتوافق على ادراج ما يجب ادراجه من بنود، ثم يتم اقرار البنود بالتوافق، واذا كان لا بد من التصويت فيجب ان يكون ذلك استثناء.الى ذلك برزت المعلومات عن ان الحوار الجاري بين العماد ميشال عون و»تيار المستقبل» انتقل من استحقاق الرئاسة الاولى الى ملف الانتخابات النيابية التي ذهب «الجنرال» الى حد التلويح باعتبارها اولوية على الاستحقاق الرئاسي اعتباراً من 20 اغسطس وذلك في محاولة للضغط باتجاه التوافق عليه كمرشح توافقي.وثمة من يعتقد في بيروت ان العماد عون يمارس، في رهانه على الحوار مع الحريري وفي نقل المعركة الى ملف الانتخابات النيابية، سياسة «الهروب الى الامام»، وكأنه يتفادى تجرع حقيقة لا مفر منها وهي استحالة وصولة الى الرئاسة، لا كمرشح وفاقي ولا كمرشح تحد.وفي تقدير اوساط مراقبة في بيروت ان الكلام الجدي عن الرئاسة سيبدأ بعد 18 الجاري حين تتبلغ السعودية «ممانعة» ايرانية في التفاوض حيال الملف اللبناني، وسط تقديرات في «8 آذار» بانه لن يعود في امكان الرياض الا اسداء النصح لحلفائها في بيروت (تيار المستقبل) بالذهاب للتفاهم مع «حزب الله» لانهاء المأزق الرئاسي في لبنان.وفي استشراف للمرحلة المقبلة تبدي هذه الدوائر ميلاً للقول ان المسيحيين المصابين بالتعب نتيجة معاركهم على موقع الرئاسة وتعذر توافقهم وتجنباً لتطويل امد الفراغ سيكونون اكثر استعداداً للمشاركة في تسوية تنتج رئيساً جديداً بقوة التفاهم بين قطبي «8 و14 آذار»، اي «حزب الله» و«تيار المستقبل».
خارجيات
عون يمضي في «قفزه» إلى الانتخابات النيابية
الحكومة اللبنانية «تدوْزن» تكيّفها مع الفراغ الرئاسي
05:27 ص