بدأت طلائع التداعيات الدستورية والسياسية للفراغ الرئاسي في لبنان تتخذ أبعادها العملية في رسم الخط البياني لأزمةٍ يعرف الجميع متى بدأت ولا يعرف احد متى تنتهي وكيف، ومع ذلك لا يبدو ان هناك ذعراً او مخاوف كبيرة، اقلّه حتى الآن، من المرحلة الطالعة.وتمثلت التداعيات الاولية بتعذر انعقاد جلسة لمجلس النواب أمس كانت مقررة لاستكمال مناقشة ملف سلسلة الرتب والرواتب بعدما أجمعت الكتل النيابية المسيحية على رفض حضور الجلسات التشريعية للبرلمان في ظل الفراغ الرئاسي الا في حالات قصوى استثنائية بما يعني ان هذا الموقف سيسري بمقدار مماثل على الأرجح على صلاحيات مجلس الوزراء في ظل هذا الفراغ والدفع المسيحي لتحديدها وعدم التوسع فيها.واستناداً الى أوساط سياسية بارزة شاركت في اتصالات أُجريت بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والكتل المسيحية لا سيما في 14 آذار وتكتل العماد ميشال عون، فإن موقف الامتناع عن حضور الجلسات التشريعية لم يثر توتراً لانه كان متوقّعاً اساساً. ولكن الاتصالات بدأت تركز على محاولة إقناع هذه الكتل بالحضور الى جلسة تشريعية تتعلق حصراً بسلسلة الرتب والرواتب لانها ملف حيوي ولأن عدم إقرار السلسلة ينذر بفتح البلاد على موجة جديدة من الإضرابات بدأت واقعياً أمس، والأخطر من ذلك تعطيل الامتحانات الرسمية في ظل اتجاه النقابات التعليمية الى الاضراب المفتوح عن إجراء الامتحانات وتصحيح المسابقات. ويجري العمل الآن على الدفع نحو استكمال توافق نيابي واسع مسبق على كامل مشروع السلسلة كشرط يمكن معه النواب المسيحيون ان يحضروا هذه الجلسة استثنائياً اذا توافرت ظروف اقرارها بسرعة من دون عوائق اضافية علماً ان مسيحيي 8 و14 آذار تلاقوا عند رفض التشريع إلا في حالتيْ «إعادة تكوين السلطة» (مثل اقرار قانون للانتخاب) و«المصلحة العليا للدولة» مع اعتبار ملف السلسلة من «الاستثناءات الضرورية» التي تعهّدوا ببتّها ولكن بعد التفاهم اولاً على نقاطها العالقة والوصول الى أرقام تحقق التوازن بين التكلفة والايرادات، وهو ما سيجري العمل على تحقيقه في الفترة الفاصلة عن 10 يونيو المقبل الموعد الجديد الذي حدده رئيس البرلمان نبيه بري للجلسة التشريعية غداة الجلسة المقررة للانتخابات الرئاسية في التاسع من الشهر المقبل.وأشارت الأوساط السياسية عبر «الراي» الى حالة فريدة بدأت تظهر تباعاً منذ انتهاء عهد الرئيس ميشال سليمان منتصف ليل السبت - الأحد وهي ان المراجع الإسلامية في الدولة كبرّي والرئيس تمام سلام يحرصان على إعطاء الانطباع بأنهما لن يُقْدما على اي شيء يساعد في تطبيع مرحلة الفراغ الرئاسي خصوصاً في ظل تصاعد الضغط المسيحي العام الرافض لهذا التطبيع بأيّ شكل، متوقّفة ايضاً عند البيان الذي صدر عن «كتلة المستقبل» البرلمانية واعتبرت فيه أنه «لا يمكن التسليم بقبول الشغور في موقع رئاسة الجمهورية والتصرف كأن الأمر طبيعي وعادي»، لافتة الى ان «المهمة الأساسية الأولى والوحيدة للمجلس النيابي في الظروف الراهنة هي انتخاب رئيس جديد للبنان مع تأكيد الحرص على رعاية شؤون المواطنين ومتابعتها والاهتمام بها».وبحسب الاوساط نفسها، فان الاسبوع الحالي سيشهد الكثير من المشاورات الخاصة بهذا المنحى بما يشكل ضمانات الحد الأدنى لحصر العمل الحكومي بالإطار الضروري لإدارة الوضع اللبناني من دون إعطاء الانطباع عن امكان الاستعاضة طويلاً بمجلس الوزراء عن الفراغ الرئاسي.اما على المستوى السياسي، فيبدو ان ثمة دوامة طويلة من الغموض والانتظار والمناورات ستكون العنوان الاساسي لمرحلة ما بعد الشغور الرئاسي من دون اي بارقة واقعية حيال إمكان التوصل الى مخرج قريب المدى لحالة الفراغ القائمة.ووفق المؤشرات التي أعقبت انتهاء العهد بعد 25 مايو يبدو الوسط السياسي برمّته كأنه ينتظر جهة او جهات عدة لتحريك جسور التواصل بين القوى الاساسية على خلفية بلورة اتجاهات توافقية على الرئيس العتيد. ولكن أوساطاً بارزة في فريق 14 آذار الذي عقد اجتماعاً مساء الاثنين، نظرت بتوجس الى طرح العماد ميشال عون ولو بالتباس حيال امكان تقديم الانتخابات النيابية (تنتهي ولاية البرلمان في 20 نوفمبر) على الرئاسية معتبرة انه قد ينطوي على تعجيز اضافي للأزمة على خلفية مضيّ فريق 8 آذار في التعطيل ما دام لا يضمن انتخاب عون او مرشح آخر يريده «حزب الله» تحديداً.وفي المقابل، بدأ التلويح بورقة انتخابية جديدة على خلفية الايحاء بإمكان استبعاد مرشحي 8 آذار و 14 آذار لمصلحة مرشحين من المستقلين. وتقول أوساط سياسية معنية بهذا الاتجاه ان فئتين من المرشحين ستبرزان في المرحلة الطالعة انطلاقاً من هذا الاتجاه. الفئة الاولى تضم اسماء كل من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقائد الجيش العماد جان قهوجي والوزير السابق جان عبيد. والفئة الثانية تضم اسماء كل من الوزراء السابقين زياد بارود وروجيه ديب ودميانوس قطار والسفير اللبناني في الفاتيكان جورج خوري وهي أسماء بات يصطلح على إعتبارها قريبة من الكنيسة المارونية.وتعتقد الاوساط نفسها ان اي تحريك داخلي للبحث في هذه الأسماء وسواها ربما لن يبدأ واقعياً قبل عودة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من زيارته المثيرة للجدل للأراضي المقدسة في فلسطين المحتلة بعد ايام قليلة.
خارجيات
بري وسلام يلاقيان الضغوط المسيحية بالطمأنة: «لا تطبيع للفراغ الرئاسي»
«14 آذار» متوجّسة من تلويح عون بتقديم الانتخابات النيابية على الرئاسية
02:57 ص