لا يخشى «شكري» الذي امتهن زراعة الحشيشة منذ أن ترك المدرسة طفلاً، خروجه عن القوانين اللبنانية التي تحرّم زراعتها، بل يجهر ويفاخر بذلك. فابن السبعين عاماً، ليس لديه ما يخسره بعدما «نهش» الفقر سنوات عمره فيما الوعود التي يتلقاها وأبناء البقاع والهرمل كل عام «بالفرج» تذهب أدراج الريح لتتدهور الأحوال الاقتصادية أكثر فأكثر.الحديث عن حشيشة الكيف أو«المبروكة»، وهي الكنية التي يطلقها عليها المزارعون نظراً لما تدرّه عليهم من أموال تفوق بكثير أي زراعة أخرى، كان يُعتبر من المحرمات، أما اليوم فيبدو خطراً جديداً حين أصبحت المطالبة بتشريعها على ألسنة بعض السياسيين والإعلاميين والاقتصاديين.فبين زراعتها من جهة وتلْفها من الدولة أو غضّ النظر عنها من جهة أخرى، ظهرت فكرة كسرت «التابو» القائم حول هذه النبتة، تمثّلت بطرح وزير السياحة اللبناني السابق فادي عبود «تشريع» زراعتها للاستعمالات الطبية والتصدير، وتأييد الخبير الاقتصادي مروان اسكندر لذلك نظراً لدورها في المساعدة على نمو الاقتصاد، قبل أن يطرح رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط معادلة «الحشيشة أم الكبتاغون؟»، ليخلص إلى نتيجة مفادها أن لا خوف من تشريع زراعة الحشيشة «لدواع طبية وشخصية على ألا تصل إلى الإدمان».بغض النظر عما ستسفر عنه هذه الطروحات، «يجد المواطن البقاعي نفسه أمام زراعة هذه النبتة، بفعل الضغوط الاقتصادية المتزايدة عليه وثقل همومه المعيشية وغياب البديل الفعلي لهذه الزراعة المُربحة»، بحسب ما يقول رئيس تجمع مزارعي البقاع إبراهيم ترشيشي في حديثه لـ «الراي».نساء ورجال يعملون معاً، يزرعونها في الربيع ويحصدونها في سبتمبر، ليتم بعد ذلك تجفيفها تحت أشعة الشمس ثلاثة أيام، قبل أن تدخل إلى الهنغارات لتبرد، ثم يتم دقّها أو طحنها لتتحول إلى بودرة. استمرّت هذه الآلية تحكم «مسار الحشيشة» وتحت عيون «الدولة» التي كانت تغضّ الطرف، إلى أن اتخذت حكومة الرئيس الراحل رفيق الحريري في العام 1990 قرار مكافحة المخدرات بضغط أميركي، واضعة مقابلاً لذلك هو برنامج الزراعات البديلة الذي لم يطبّق لعدم وصول المساعدات المالية من أجل وقف زراعتها والتي قدّرت بـ 300 مليون دولار. ولكن البرنامج فشل، فعادت الحشيشة إلى سابق عهدها وعادت حملات مكافحتها بحيث تتلف القوى الأمنية سنوياً ما بين ألف و6500 هكتار في قرى بعلبك - الهرمل من أصل 50 ألف هكتار، تبدأ من شمال رياق باتجاه الحدود السورية شمالاً، شرقاً وغرباً.انتشار زراعة الحشيشة اللبنانية، التي تُعتبر من أفضل الأنواع عالمياً حيث تتميز بلونها الأخضر اللامع، يعود إلى كلفتها المنخفضة، فهي لا تحتاج جهداً كبيراً ولا مواداً كيماوية، كما توجد أنواع منها بعلية لا تحتاج إلى ماء، وهو ما يلائم تلك المنطقة البقاعية التي تعاني أصلاً من شح المياه. كما تساعد التربة الخصبة والمناخ القاري لتلك المنطقة على زراعة الحشيشة.وفي ما يتعلق بمردودها، اعتبر ترشيشي «أن التاجر الذي يبيعها للمصدّرين هو المستفيد الأول، إذ يتوقف الأمر على مدى قدرته ومعرفته بتسويقها، أما المزارع فمردوده أقل بكثير، حيث يقدر الدونم الواحد بين 600 دولار إلى ألف دولار حسب نوعية الحشيشة».المزارع يبيع النبتة، للتاجر الأول بألف دولار، الذي يقوم بإعادة تصنيعها، فيبيع «الهقّة» ـ كلمة تُستخدم للإشارة إلى وزن نبتة حشيشة الكيف، وهي تعادل 1200 غرام - لتاجر آخر بأربعة آلاف دولار، وتصل إلى بيروت بخمسة آلاف، لتعود وتُصدّر إلى الخارج بقيمة 25000 دولار. ووجهة التصريف هي الدول المجاورة، فمن تركيا إلى التجار في أوروبا، ومن العراق والأردن إلى دول الخليج.واذ يؤكد ترشيشي أن تجمع المزارعين في منطقة البقاع ضد زراعة المخدرات والعمل والاتجار بها واستعمالها محلياً، يرى أن تشريعها أمر يعود إلى الدولة: «أنا مع كل شيء ضمن القانون، ولذلك أنا مع تشريعها، ولا أقول بالاستعجال ومعالجة الموضوع بشكل فوضوي، لكن اعتبر أن المشروبات التي تحتوي على الكحول المتوافرة في جميع المحلات ليست أقل خطورة من الحشيشة، كما أن لبنان لن يشكل سابقة في التشريع، فهناك العديد من الدول المتقدمة كتركيا وبعض الدول الأوروبية شرّعت زراعتها ليس للاتجار بها بل للاستعمال الشخصي».لبنان، الذي كان خلال فترة الحرب الأهلية المصدر الرئيسي للمخدرات في منطقة الشرق الأوسط حيث كان ينتج سنوياً ألف طن من الحشيشة وما بين 30 و50 طناً من الأفيون المكون الأساسي للهيرويين، بحسب مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة، يقف حائراً بين مؤيدي ومعارضي تشريع زراعة الحشيشة. وبعدما دعا بعض الخبراء الاقتصاديين إلى «قوْننتها» نظراً لمردوها على خزينة الدولة، رفض الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة في حديثه لـ «الراي» هذا الأمر جملة وتفصيلاً وقال: «أكيد أنا ضد تشريع زراعة المخدرات لخطورة استعمالها أولاً ولوجود مجالات عديدة يمكن من خلالها زيادة الدخل ثانياً، كما ان ليس لديّ ثقة بقدرة الدولة اللبنانية على ضبط زراعتها للتصدير، فكيف ستضبطها إذا سُوّقت داخلياً، والخوف أن نصبح سوقاً مستهلكة للمخدرات وليس فقط سوقاً منتجة ومصدّرة».المزارعون يرون أن آلية تشريع الحشيشة تكون بإصدار رخص لزراعتها شبيهة بتلك الخاصة بالتبغ، لتسليمها للدولة التي من الممكن أن تسعى إلى تصديرها وفق اتفاقيات دوليّة، بالإضافة إلى إنشاء مصانع أو معامل للإفادة من ساق النبتة الغنية بالألياف المرنة والقوية حيث بالإمكان صناعة حبال الليف المتينة بدلاً من استيرادها، بالإضافة إلى الألبسة وبعض أنواع الحقائب والأدوات التي تستخدم للزينة.إلا أن حبيقة اعتبر «أنه مهما كان مردودها فإن الكلفة ستكون أكبر، سواء كان ملياراً أو ملياري دولار كما يتوقع البعض، فإن تأثيراتها السلبية على إنتاجية الشباب والصحة والأجيال الجديدة أكبر بكثير، لذلك أنا ضد هذه الفكرة ليس فقط من الناحية الأخلاقية والدينية وغيرها، لكن من الناحية الاقتصادية كذلك، فحتى اقتصادياً تشريعها مشروع خاسر، فإنتاج لبنان منها قليل جداً بالنسبة للانتاج العالمي. أما اذا أصبح تسويقها داخل البلد فستنخفض أسعارها ويزيد استعمالها من قبل الشباب... عندها سلام على الأجيال».وضمّ رئيس جمعية «جاد» - شبيبة ضدّ المخدرات جوزيف حواط صوته إلى حبيقة رافضاً شرعنة هذه النبتة، التي رغم أن عقوبة الاتجار بها تصل إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، يتوارث زراعتها العديد من العائلات البقاعية.وقال حواط لـ «الراي»: «بالتأكيد نحن كجمعية ضد تشريع زراعة الحشيشة، أولاً لأن لبنان لديه مشكلة كبيرة تتمثل بارتفاع نسبة المدمنين فيه لا سيما صغار السن، كما أن الأمر لن يتوقف على الحشيشة بل سيتطور إلى أبعد من ذلك، فإذا اتينا بمئة شخص يتعاطون هيرويين، سنجد أن 90 بالمئة منهم بدأوا بسيجارة الحشيشة، سبب آخر هو ان سبعين في المئة ممن هم داخل السجون لهم علاقة بتجارة وترويج المخدرات، فماذا سنقول لهم؟ نعتذر منكم! كنتم تقومون بعمل قانوني، نأسف على سجنكم؟... هذا ليس منطقياً».يبقى السؤال معلقاً على المفاضلة بين ما يعتبره البعض تدعيماً للاقتصاد اللبناني، وما يراه البعض الآخر قضاءً على الشباب اللبناني.
فنون
«الراي» سألت معنيين وخبراء في الاقتصاد ومكافحة الإدمان
«تشريع» زراعة الحشيشة في لبنان... خطر يهدد حياة الشباب
02:47 ص