تدافعتْ مجموعة عوامل ومؤشرات عقب إخفاق الجلسة الثانية لمجلس النواب اللبناني في انتخاب رئيس جديد للجمهورية اول من امس لتشيع مزيداً من الانسداد السياسي الداخلي حول مصير الاستحقاق الرئاسي وترسم أفقاً متشائماً حول هاجس الفراغ المتسارع في منصب الرئاسة ما لم تحصل مفاجأة ليست في الحسبان في اللحظة الاخيرة.وتتلخص هذه العوامل وفق المعطيات الجدية المتوافرة حتى الساعة بالآتي:* رسْم فريق «8 آذار» معادلة ثابتة عبر تعطيل النصاب القانوني للجلستين (86 نائباً) مفادها ضمناً ان لا انتخاب الا لمرشحه المضمر حتى الآن زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون او التوافق الواسع على مرشح آخر في حال تعذّر انتخاب عون، علماً ان «8 آذار» لا تزال حالياً عند المرحلة الاولى من استعمال سلاح التعطيل للدفع بترشيح عون قدماً ولم تلوّح بالورقة التوافقية على اي اسم آخر سواه. وهو امر قد يكون الرجل الثاني في «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أفضل مَنْ عبّر عنه علناً بإعلانه عقب الجلسة الثانية الانتخابية اول من امس صراحة ان لا انتخاب لرئيس للجمهورية وسط المعطيات القائمة متوقعاً من دون اي مواربة تعطيل مزيد من الجلسات.* اتسمت الأجواء المسرّبة عن لقاءات زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري في باريس مع كل من وزير الخارجية جبران باسيل ووزير التربية الياس ابو صعب ممثل العماد عون ومن ثم مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بكثير من الغموض والضبابية وحتى الإرباك. ذلك ان القول باستمرار الحوار الحريري - العوني قوبل في بيروت بكثير من الشكوك من جانب الجهات المتوجّسة من إمكان ان يقبل الحريري في نهاية المطاف بوصول عون الى الرئاسة، كما قوبل من جانب الجهات الدافعة لانتخاب عون بكثير من المبالغات الدعائية. وفي كلا الحالين فان اي شيء واضح لم يخرج بعد الى حيّز الترجمة، الامر الذي سيضع الطرفين في الاسابيع الثلاثة المقبلة المتبقية من المهلة الدستورية على محكٍّ حاسم نهائي حيال كل حلفائهما. حتى ان بعض الأوساط المطلعة  تقول انه في حال كان الحوار مجدياً ومنتجاً فعلاً، فانه يفترض حصول تطورات وشيكة على المستوى المسيحي - المسيحي قريباً في ظل ما نُسب الى الحريري من دعوته عون الى التوافق مع القوى المسيحية الأخرى في 14 آذار اذا أراد ان يصبح رئيساً. اما اذا لم يحصل اي شيء من تحريك قنوات التواصل بين عون والقوى المسيحية الاخرى اي «القوات اللبنانية» و«الكتائب» و«الأحرار» في شكل رئيسي فان ذلك سيوازي الدوران في المأزق والاتجاه نحو واحد من احتمالين: إما التحرك نحو مرشح توافقي من خارج فريقيْ «8 و 14 آذار» وإما الفراغ الرئاسي. أما إمكان انتخاب عون في اللحظة الاخيرة كما تشيع اوساط مؤيدة له فدونه الكثير من التساؤلات والشكوك المتعلقة بعوامل خارجية وداخلية معاً، ولا يزال الامر مستبعداً تماماً اقلّه في ظل المعطيات والظروف الحالية.* رغم بروز بعض الاهتمام الفرنسي بالاستحقاق اللبناني عبّر عنه اتصال الرئيس فرنسوا هولاند بالزعيم الدرزي وليد جنبلاط اول من امس فان الاهتمامات الغربية تحديداً بالاستحقاق الرئاسي لا ترقى الى مستوى يمكن معه الرهان على دفعٍ قوي نحو الاتفاق الداخلي على مرشح معيّن. لا بل ثمة مطلعون يؤكدون ان احد ابرز العوامل المثيرة للمخاوف من الفراغ الرئاسي في 25 مايو الجاري هو العجز الداخلي المرجح عن توظيف غياب التدخلات الخارجية المؤثرة وعن لبْننة الانتخاب في موعده.وفي حين بات مسلَّماً به ان جلسة الانتخاب الثالثة في 7 مايو الجاري لن يكون مصيرها افضل حالاً من سابقتيها اي ان فريق 8 مارس لم يؤمن النصاب الضروري لانعقادها، انشغلت بيروت بالحِراك الذي تشهده باريس حيث التقى الحريري مساء اول من امس البطريرك الراعي وسط تقديرات بان زعيم «المستقبل» يمكن ان يجتمع في العاصمة الفرنسي بالرئيس هولاند.وقد لفت البطريرك الراعي بعد لقائه الحريري الى «ضرورة الخروج بانتخاب رئيس جديد للبنان يكون على مستوى حاجات لبنان وتطلعات شعبه»، لافتاً الى ان «البحث تناول مواصفات الرئيس الذي يجب ان يجمع اللبنانيين ويخفف من انقساماتهم وشرذمتهم، ويتمتع بشخصية تتمكن من جمع اللبنانيين حول الدولة ومؤسساتها وحول كرامة الوطن». وقال: «نحن ضد الفراغ فهو جرم وطني كبير بحق لبنان، ولا يحق للنائب الغياب عن جلسات الانتخاب ولا يستطيع التصرف بوكالة الشعب وكأنها ملك له».اما الحريري فأكد للراعي «رفضه المطلق لحصول الفراغ في منصب الرئاسة الأولى»، مشدداً على «ضرورة تضافر الجهود المطلوبة بين جميع اللبنانيين لإجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري»، ومضيفاً: «إذا كان صحيحا ما تؤكده كل القوى السياسية من رفضها للفراغ وحرصها على إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري، فهذا يعني أن ينجز الاستحقاق الرئاسي وأنه بإمكان لبنان واللبنانيين تفادي الوقوع بالفراغ».