لم تحمل الجلسة الثانية التي عقدها البرلمان اللبناني أمس لانتخاب رئيس جديد للجمهورية أي مفاجآت على شاكلة استيلاد خلَف للرئيس ميشال سليمان الذي تنتهي ولايته في 25 مايو الجاري، بل سارت كما هو «مرسوم لها» إذ «طارت» قبل ان تلتئم ليحُدد موعد جديد في «مسلسل» الجلسات الانتخابية في السابع من مايو الجاري.فـ «الطبعة الاولى» من المسار الذي سلكته دورة الانتخاب الثانية الاسبوع الماضي تكرّر امس اي اعتماد لعبة تطيير النصاب بحيث لم يوفّر فريق «8 آذار» أكثرية الـ 86 نائباً (من أصل 128) الضرورية لافتتاح الجلسة التي يكفي حصول أي مرشح فيها على غالبية النصف زائد واحد (65 صوتاً) للفوز.وقد تقاسَم «ساحة النجمة» (مقر البرلمان) مشهدان:* الاول حضور 76 نائباً جاؤوا لإعلان نعم للانتخاب وفق الآلية الديموقراطية وقد دخلوا الى القاعة العامة بعد «قرع الجرس» وهم نواب «14 آذار» الداعمون لمرشح هذا الفريق رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع (وغاب عنهم اربعة نواب بداعي السفر بينهم النائبة ستريدا سمير جعجع) وكتلة النائب وليد جنبلاط المؤيدة لمرشحها النائب هنري حلو اضافة الى كتلة الرئيس نبيه بري (من «8 آذار») التي شاركت دعماً لموقع الأخير على رأس السلطة التشريعية ودوره في الاستحقاق الرئاسي.* والثاني مشهد نواب من «8 آذار» حضروا يتقدّمهم رئيس لجنة الإعلام والاتصالات البرلمانية نائب «حزب الله» حسن فضل الله لتزخيم المعركة المتجددة ضد المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تحت قبة البرلمان وذلك على خلفية اتهامها رئيس تحرير جريدة «الاخبار» ابراهيم الأمين ونائبة مديرة الأخبار في قناة «الجديد» كرمى خياط بـ «تحقير المحكمة وعرقلة سير العدالة» من خلال نشر مواد حول شهود سريين مزعومين واستدعائهما للمثول أمامها في 13 مايو.وانتهت جلسة اللا انتخاب الرئاسية الى تكريس التوازن السلبي بين فريقيْ «8 و14 آذار»، علماً ان نواب تحالف «ثورة الأرز» حمّلوا «8 آذار» ولا سيما كتلة العماد ميشال عون الطامح الى ان يكون «مرشحاً توفيقياً» مسؤولية تعطيل النصاب وإخراج الاستحقاق الرئاسي من دائرة «اللبْننة» وفتحه على لعبة موازين القوى والمصالح الخارجية فيما اعتبر نواب 8 آذار ان تعطيل النصاب حق مشروع ومكرّس في الدستور.ورغم ان محطة امس تخللتها مشاورات جانبية أبرزها بين بري والنائب جنبلاط وبين الاول ونائب «القوات اللبنانية» جورج عدوان، فان المهل الضاغطة الفاصلة عن 25 مايو لا تتيح هامشاً كبيراً من التحرك، وهذا ما حدا برئيس البرلمان الى الحديث عن انه بعد 7 مايو لن يكمل بـ «الطريقة الكلاسيكية» بل سيعتمد مقاربة اخرى من التشاور المباشر مع الاطراف المعنية، علماً ان البرلمان يتحول ابتداء من 15 مايو هيئة ناخبة حكماً.واذا كانت جلسة امس ظهّرت كما في 23 ابريل الماضي وجود أكثرية جاهزة للانتخاب في هذا الاتجاه او ذاك وقادرة مع اي خلط اوراق مفاجئ على ترجيح كفة مرشّح ما، فان هذه الغالبية تبقى رهينة نصاب الثلثين الضروري لالتئام الجلسة وهو النصاب الذي يبدو واضحاً انه يحتاج الى توافقات اقليمية - دولية.ورغم توقف البعض عند رمزية توقيت انعقاد الجلسة الرئاسية المقبلة في الذكرى السادسة لأحداث 7 مايو 2008 (العملية العسكرية لـ «حزب الله» في بيروت والجبل) والتي أفضت الى اتفاق الدوحة الذي أنهى فراغاً رئاسياً استمر ستة اشهر بعد انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود وتالياً الى انتخاب الرئيس ميشل سليمان، فان 7 مايو 2014 لا يشي بامكان ان يحمل اي عناصر من شأنها «قلب التوقعات» بـ «انقلاب ناعم» في التموْضعات الداخلية تتيح وحدها تمرير الاستحقاق في مواعيده الدستورية، فيما تبدو آفاق اي «اختراقات بالقوة» اي «بالذراع العسكرية» غير واردة في ظل المناخ الاقليمي والدولي وبدايات «الكلام» السعودي - الايراني الذي يحصل في عُمان ويتناول ملفات شائكة في المنطقة أبرزها اليمن وسورية والبحرين والعراق، إضافة الى لبنان الذي يبقى «ساحة المهادنة» بين طهران والرياض.وفيما يبدو واضحاً من سياق جلسة امس، التي حاصرها تحرك للاتحاد العمالي (الاداة التي استُخدمت للتمهيد لأحداث 7 مايو 2008) امام البرلمان احتجاجاً على السياسة الضريبية، كما الجلسة التي سبقتها ان وصول رئيس من «8 او 14» آذار خيار ساقِط، وان الطريق الى رئيس «مقبول من الجميع» لا تزال محفوفة بتعقيدات كبيرة يتبقى تجاوُزها رهناً بالأفق الخارجي، فان 14 آذار نزلت الى البرلمان داعمة جعجع كمرشح متوافَق عليه بين مكونات تحالف «ثورة الارز»، في حين ظهر ان «8 آذار» ولا سيما «حزب الله» يريد حشْر «14 آذار» في زاوية تحميلها مسؤولية تطيير النصاب على خلفية تمسّكها بجعجع الذي قوبل ترشحه هذه المرة بتظاهرة قرب البرلمان شارك فيها بضع عشرات تحت السقف نفسه الذي كان اعتمده نواب «8 آذار» في جلسة الانتخاب الاولى اي «نبش القبور» واستحضار ذاكرة الحرب الاهلية.وتشير معطيات في هذا السياق الى ان جعجع ليس في وارد الانسحاب قبل ان يعلن عون ترشحه فـ «يحترق»، علماً ان «الجنرال» لن يجاهر بترشحه ما لم يحصل على دعم الرئيس سعد الحريري اي ما لم يضمن فوزه، فيما تلاحظ دوائر سياسية ان «حزب الله» الذي يحاول رسم معادلة «إما الفراغ او رئيس التسوية» يختبئ وراء عون الذي يطرح نفسه «مرشح التسوية» ويُبقي على مرشحه الفعلي «ورقة مستورة» لكشفها عندما تحين «ساعة الحقيقة».
خارجيات
نواب «14 آذار» حضروا مع «نعم» للاقتراع وأعضاء «8 آذار» جاؤوا لقول «لا» للمحكمة الدولية
فشل جلسة انتخاب رئيس لبنان لعدم توافر النصاب
01:11 ص