كيف يمكننا أن نحسّن صورتنا لدى دول العالم والرأي العام العالمي، ونحن أنفسنا نعاني من واقع سوئها؟! وما فائدة إنشاء الهيئات وبذل الجهود الديبلوماسية والإعلامية وإنفاق الأموال الهائلة لإقناع الغرب بحقوقنا ونحن لمّا نتفق عليها بعد؟ وكيف يمكن إظهار الظلم الواقع علينا، ونحن نوغل في ظلم بعضنا للبعض الآخر؟ألم يملّ المتحدثون والمنظّرون من الكلام عن ضرورة تحسين صورتنا لدى الغرب، وواقع حالنا يتردى على نحو يفقأ العيون؟ هل الأمر يكمن في حقيقة حالنا أم في صورته كما تبدو من الخارج؟كلنا نعلم أن لدينا من العلماء والخبراء وأصحاب العقول ما لدى الدول الأخرى المتقدّمة، ولدينا من المبدعين في الآداب والفنون ما لديهم وربما أكثر إبداعاً. غير أن المسألة ليست هنا. مربط الفرس ليس في أن يكون لدينا أو لا يكون، بل في كيفية تعاملنا نحن أنفسنا مع علمائنا وخبرائنا والمبدعين منا.مشكلتنا ليست في أن يفهمنا الغرب. فهمه لنا، واستيعابه لحقوقنا، وتقديره للظلم الواقع علينا لا يغير من أحوالنا إنْ لم نقم نحن بتغييرها. حين يتاح للغرب الإفادة من ثرواتنا سيستفيد، بل وحين نسمح له بنهبها سينهبها. لم يفقد الغرب عقله ليكفّ عن الإفادة من المعروض عليه أو المهمل، ثروة كان أو عقولاً أم خبرات!هل سوء الفهم، والتباس الصورة هما ما أضاع فرصتنا في التقدم أو في احترامنا لحقوق إنساننا، أو في تداولنا للسلطة، أو في تعميم العدل والديموقراطية في مجتمعاتنا؟ هل العلة في فهمهم وتفهّمهم أم في ممارستنا إزاء أنفسنا؟على مدار نصف قرن ويزيد ونحن نراوح في المكان. هل حَالَ الغربُ بيننا وبين أن نخطو إلى الأمام؟ ثمة ما يتعلق بالغرب ويتصل به، ولكن ماذا عمّا لا علاقة له به ولا صلة؟ ندور ونداور همّنا إظهار معوقات افتراضية لنبرر ما نحن عليه.كل ما سبق قوله بداهات ونوافل نكررها ونحن ندرك حقيقة الإجابة عنها، بيد أننا لا نريد أن نعترف، وإذا ما اعترفنا فلا نريد أن نغيّر ولا أن نطوّر. تلك آفة أحوالنا التي لا يدري المرء كيف السبيل للشفاء منها، ولم يدرِ المفكرون العرب كذلك الذين لو جمعنا ما كتبوه في هذا الشأن لدخلت كتاباتهم في موسوعة غينيس لكثرتها!كان الأمل القديم الجديد أن ينهض الناس لاسترداد حقوقهم. كان الحلم في مختلف أجناس وألوان الفن والأدب أن يتصدّع الإذعان والخوف والتردّد لينبلج ضوء في عتمتنا. كان الرجاء في أن تثور شعوبنا وتضحي، وها قد حلّ الربيع العربي ونهض الناس وضحّوا، غير أن المشهد اليوم يبدو خريفياً بامتياز!هل عدنا إلى ما كنا عليه، أم نحن لم نغادره أساساً؟ هل الأمر يتعلق بالغرب ـ ثانية ـ وبصورتنا المشوّهة في عيونه؟ أم أن الربيع لا يتفتّح ولا يثمر من دون آلام مخاض عسير؟ عادت التساؤلات هامسة ثم راحت تعلو شيئاً فشيئاً حتى بات يُقال: ليت الذي حدث لم يحدث!وهو قول لا يجاريه في الرداءة قول آخر، إذ ليس من شأن عقود من الاستبداد أن تُمحى آثاره إلا عبر عقود مماثلة في العدد أو هي تزيد عليها. أما صورة حالنا لدى الغرب فليست هي الأهم. فمهما كانت عليه حالنا فإن الغرب سيرى ما يريد أن يراه. ما نعاود الأمل فيه، ونرقبه، وننتظره هو أن نعبر المرحلة الانتقالية هذه، ونضع أقدامنا على أول الطريق الصحيحة، ثم لا يهمّ كثيراً يومذاك في كيف ينظر الغرب إلينا لأن واقع حالنا هو الأساس قبل وبعد كل شيء!.
محليات - ثقافة
مقال / في ما يريدون... وما نريد!
08:03 م