52 ورقة بيضاء، و48 صوتاً لسمير جعجع، و16 صوتاً لهنري حلو، وصوت واحد لامين الجميل، و7 اوراق ملغاة.هذا بالارقام «حصاد» الجلسة الاولى التي عقدها البرلمان اللبناني امس لانتخاب الرئيس الـ 13 للجمهورية منذ الاستقلال في العام 1943.انتهى الفرز، وطار النصاب، فحدد رئيس البرلمان نبيه بري الاربعاء المقبل موعداً لجلسة ثانية لن تنعقد حتى على الارجح اشعار آخر.فبيروت امس كانت على موعد مع انتخابات رئاسية نتيجتها لا رئيس. وقد عكست جلسة الانتخاب، التي شكلت صافرة انطلاق السباق لاختيار رئيس قبل انتهاء المهلة الدستورية في 25 مايو، مشهدية لديموقراطية لبنانية مصابة بالتشوه. فرغم مظاهر «الانتخاب» التي تنافس فيها رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع باسم تحالف «14 آذار» والنائب هنري حلو باسم «الوسطيين» بقيادة النائب وليد جنبلاط، و«الورقة البيضاء» التي رشحتها قوى «8 آذار»، فان خلاصة الجلسة شكلت دلالة على «الديموقراطية المعلقة» على تفاهمات داخلية تتكئ على تقاطعات اقليمية - دولية تبقى هي المفتاح لـ«صناعة» الرئيس الجديد للجمهورية.ولم تحمل الجلسة التي شارك فيها 124 نائباً من اصل 128 اي مفاجآت، فالنتيجة التي آلت اليها كانت محسوبة سلفاً صوتاً صوتاً، وخلاصتها الاهم انها حققت الغاية المطلوبة منها عبر فرز الاحجام ووضع الاوراق على الطاولة تمهيداً لبدء المعركة الجدية التي تتجه نحو احتمالين لا ثالث لهما، فإما تعطيل الانتخابات عبر جلسات متتالية في انتظار التوصل الى مرشح تسوية بين 8 و 14 آذار بمظلة من حلفائهما الاقليميين ولا سيما السعودية وايران، واما تعطيل الاستحقاق برمته والذهاب الى «الفراغ» ريثما تنضج «الطبخة الخارجية» وتمر استحقاقات انتخابية مماثلة في اكثر من ساحة في المنطقة، لا سيما في سورية والعراق ومصر.فرغم تحديد رئيس البرلمان نبيه بري موعداً لجلسة انتخاب جديدة، فان كل المعطيات تؤشر الى ان اي جلسة مقبلة لن يتأمن النصاب الضروري لانعقادها (86 نائباً) قبل ان يكون تم التوافق على اسم «رئيس التسوية» لان اياً من فريقي الصراع «8 و 14 آذار» ليس قادراً لوحده ولا حتى بمؤازرة النائب وليد جنبلاط على تأمين نصاب انعقاد الجلسة، كما لن يكون اي من الفريقين في وارد المشاركة في تأمين نصاب جلسة ينتخب فيها الرئيس بالنصف زائد واحد (65 صوتاً)، لان الامر ينطوي على مخاطرة كبيرة ما لم يكن جرى التوصل الى تفاهم مسبق و«مضمون».ولم تكد عملية فرز الاصوات في البرلمان تنتهي حتى بدأت القراءة السياسية في الارقام التي انبثقت من «الصندوقة الزجاجية» وفي هذا الاطار امكن التوقف عند الاتي:* نجحت قوى «14 آذار» في حفظ وحدتها كتحالف سياسي وفي ان تعكس الوجه «الملبنن» للاستحقاق الرئاسي في وقت بدت وضعية الانتظار سيدة الموقف لدى «8 آذار»، ريثما تتبلور التوافقات الاقليمية والدولية.* تمكن جعجع من الفوز في معركة الترشح التي خرج منها مرشحاً قوياً ووازناً بـ48 صوتاً رغم غياب 3 اصوات مضمونة من «14 آذار» تعود للرئيس سعد الحريري والنائب عقاب صقر والنائب خالد الضاهر.* حققت قوى «14 آذار» نقطة لمصلحتها في مسار الاستحقاق عبر التقدم بمرشح معلن (جعجع) وحجزت لنفسها تالياً موقعاً متقدماً في التسوية على اي رئيس، وان كانت اعلنت ان جعجع هو مرشح كل الدورات الانتخابية.* نجحت «8 آذار» في تظهير كتلة بيضاء وازنة من الاوراق التي «رشحتها» وكرست عبرها التوازن السلبي مع «14 آذار».* رغم ان قوى «8 آذار» اختارت ان تواجه مرشح «14 آذار» بـ «مرشح شبح» هو الورقة البيضاء، فان اصواتها الـ 52، اضافة الى بعض الاوراق الـ7 الملغاة، اعتبرت تصويتاً ضمنياً لزعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون.* الاعتقاد بان «اختباء» قوى «8 آذار» وراء «الاوراق البيضاء» يخفي عدم قدرتها على حسم اسم مرشحها بعد، وعدم رغبة اطراف منها ضمنها في ترشيح عون، وعزم هؤلاء على الانخراط في هندسة مرشح تسوية، وفي مقدمتهم الرئيس بري وربما سواه في الاطراف المؤثرة في «8 آذار».* استخدام قوى «8 آذار» اسلحة سياسية «محرمة» في جلسة الانتخاب في عملية تشويه متعمد لمرشح «14 آذار» عبر نكء جراح الحرب من خلال اسقاط 6 اوراق حملت اسماء بعض الذين اغتيلوا في الحرب الاهلية وصدرت احكام بحق جعجع في ملفاتهم، وهو الامر الذي كان طوي في صدور عفو في البرلمان في العام 2005 عن جعجع الذي لطالما اعتبر هذه الاحكام سياسية لصدورها ابان عهد الوصاية السورية على لبنان.* تكريس جنبلاط نفسه كـ «بيضة القبان» في الاستحقاق الرئاسي من خلال نيل مرشحه هنري حلو 16 صوتاً، 10 منها تعود لاعضاء كتلته البرلمانية التي عادت مكتملة بانضمام النواب مروان حمادة، فؤاد السعد، وانطوان سعد اليها، و6 صوتوا لحلو بعدما شكل لهم ملاذاً من احراجات سياسية او مناطقية.ولانه كما قد يميل جنبلاط يميل الاستحقاق الرئاسي، فان الزعيم الدرزي القابض على «الصوت المرجح» لن يجازف بترجيح كفة مرشح من «8 و 14 آذار» بل سيعمد وبـ «تواطؤ ايجابي» مع اطراف الصراع لاجتراح اسم توافقي بعد ان تكون جلسات «اللانصاب» انهكت الجميع ورسمت حائطاً مسدوداً، وإلا يبقى «فخامة الفراغ» بانتظار لبنان بعد 25 مايو المقبل.* تطيير «8 آذار» نصاب الجلسة بعد انتهاء الدورة الاولى من الاقتراع، تجنباً لدورة ثانية يحتاج فيها اي مرشح للنصف زائد واحد، ومن المرجح ان تستمر في تعطيل نصاب الجلسات المقبلة اذا لم تنجح في امرار مرشح تكون لها «حصة الاسد» فيه.* الانطباع بانه ما دام للطرفين الرئيسيين قدرة على تعطيل جلسات الانتخاب، فان لبنان لن ينجح في انتخاب رئيس للجمهورية وسيذهب تالياً الى «فراغ مديد» تحكمه موازين القوى المحلية والاقليمية، الامر الذي يجعل البلاد في مهب سيناريوات غامضة غير معروفة النتائج.