تُفتح اليوم في لبنان الصفحة الاولى من صفحات الاستحقاق الدستوري الاول لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد وسط وقائع ومعطيات تجمع على استبعاد اي مفاجأة انتخابية، بما يجعل الجلسة الاولى بمثابة الفرز الاولي للسباق الى قصر بعبدا.ولا يبدو من المغالاة القول ان نجم الجولة الاولى من السباق الرئاسي هو رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع بلا منازع حتى لو كانت حظوظ انتخابه رئيساً ضئيلة وربما مستحيلة، ولكنه مع ذلك حقّق مكاسب بارزة عشية الجلسة تمثل أهمها بإجماع قوى 14 آذار على الذهاب الى الجلسة الانتخابية اليوم بتبنيه مرشحاً وحيداً لهذه القوى. وهو تطور لا يمكن التقليل من اهميته نظراً الى ان تبني فريق 14 آذار هذا الترشيح أنقذ اولاً وحدة صفوفه من خطر الانفراط تحت وطأة تعدُّد المرشحين بين صفوفه وخصوصاً بعدما وافق رئيس حزب الكتائب الرئيس امين الجميل على تبني رئيس «القوات» اقله في الجلسة الاولى الانتخابية للحفاظ على وحدة 14 آذار والمضي من هناك في تنسيق الأدوار بعد هذه الجلسة.كما ان البعد الذي اكتسبه تبني 14 آذار لترشح جعجع برز أكثر في اضطرار الخصوم والوسطيين سواء بسواء الى تشكيل جبهاتهم في مواجهته مما أبرز بُعداً سياسياً للمعركة افتقدته في الاسابيع التي سبقت موعد الجلسة الانتخابية اليوم.فقوى 8 آذار التي تذرعت في عدم اعلان مرشحها بانتظار موقف زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون بعد اجتماع تكتله مساء امس بدّلت تكتيكها الذي كان يقضي بالتصويت للنائب اميل رحمة كمرشح مناورة لـ «تهشيم» جعجع واتجهت نحو التصويت بأوراق بيضاء على ما بات مرجحا ما لم تتخذ قرارا آخر في اللحظة الاخيرة. والزعيم الدرزي وليد جنبلاط اختار ان يكون لاعب ترشيح بدل ان تصوّت كتلته بالاوراق البيضاء فاتجه الى ترشيح عضو كتلته النائب هنري حلو.مفاد ذلك بالحاصل الرقمي ان جعجع سينال أصوات 14 آذار التي تبلغ 55 صوتاً نظراً الى غياب الرئيس سعد الحريري والنائب عقاب صقر في الخارج. ولكن ثمة اشكالية طرحت امس تتعلق بأصوات ثلاثة نواب كانوا سابقاً في كتلة جنبلاط وتخلوا عنها وهم النواب مروان حمادة وانطون سعد وفؤاد السعد الذين اتجهوا الى تأييد مرشح الكتلة الجنبلاطية بما ينقص الاصوات التي يفترض ان ينالها جعجع الى زهاء 51 او 52 صوتاً في مقابل نحو 57 ورقة بيضاء لقوى 8 آذار و11 صوتاً محتملا لهنري حلو ويبقى مصير تصويت ثلاثة من نواب طرابلس هم الرئيس نجيب ميقاتي ومحمد الصفدي واحمد كرامي مجهولاً.وفي اي حال هذه الارقام الاولية المفترضة ظلّت عرضة لتبديلات من هنا وهناك وسط حمى كبيرة في الاتصالات والاجتماعات العلنية والسرية التي جرت على امتداد الساعات الـ 24 الماضية بما يرسم العناوين العريضة الآتية للمشهد الانتخابي في يومه الاول:* اولاً ان عدم انتخاب جعجع لن يسقط المكسب السياسي والمعنوي والاعلامي الذي حققه عبر تبني 14 آذار لترشيحه والتصويت له بما جعل الاستحقاق الرئاسي ينطلق من عنوان سياسي كبير للمعركة سيلزم الآخرين مهما تنوّعت أساليبهم اليوم بالاتجاه بسرعة الى اعلان مرشحهم سواء كان العماد عون او سواه.* ثانياً ان فريق 8 آذار سيجد نفسه ولو أسقط فرصة جعجع في الرئاسة امام استحقاقه الحتمي للخروج من مرحلة الغموض والتستر وكشف الاوراق العلنية سريعاً وإلا اتُهم بالعمل على إجهاض الانتخابات ضمن مهلتها الدستورية.* ثالثاً ان العماد عون لن يتمكن بدوره بعد اليوم من الاستمرار في اعتماد موقع عدم المشاركة شخصياً في الحضور الى جلسات الانتخاب الا مرشحاً توافقياً كما يقول نوابه لان هذا التوصيف يسقط عملياً ورسمياً وواقعياً مع تصويت كتلة 14 آذار لجعجع وكتلة جنبلاط لمرشحها.* رابعاً ان جنبلاط قد يغامر بترشيحه نائباً من كتلته بإثارة حالة عدم رضى عليه من سائر التيارات المسيحية الكبيرة لانه اختار الهروب من التصويت لجعجع ومن ثم حتماً لعون اذا ترشح باعتماد مرشّح من كتلته في وقت كانت التيارات المسيحية الكبرى ترفع عنواناً واحداً للاستحقاق هو المرشح القوي من بيئته. ولكن جنبلاط يحجز لنفسه مع الوسطيين الآخرين موقع الكتلة المرجحة في حال الوصول الى مرحلة التوافق على مرشح مستقلّ او وسطي من خارج فريقي 8 و 14 آذار. وبهذا المعنى فان جنبلاط وجد مخرجاً لتفادي المفاضلة بين مرشح 14 آذار وبين الاوراق البيض لـ 8 آذار.ووسط هذه الوقائع، يرتقب ان تشهد جلسة اليوم السيناريو الآتي: يحضر الى البرلمان ما لا يقل عن ثلثي اعضائه الـ 128 فيتأمن نصاب افتتاح دورة الانتخاب الاولى التي يحتاج الفائز فيها الى اكثرية الثلثين. وبعد ان تدور الصندوقة الزجاجية على النواب في اطار الاقتراع السري فيضعون فيها اصواتهم (داخل مظاريف)، يتم فرز الاصوات فلا ينال جعجع الـ 86 صوتاً الضرورية لفوزه فيما سيعبّر عدد الاوراق البيض المرتقبة بدوره عن عدم قدرة فريق 8 آذار على ايصال اي مرشح له بأكثرية الثلثين.وبعد اعلان النتيجة يُتوقّع ألا يتم الانتقال الى الدورة الثانية التي يحتاج الفائز فيها الى اكثرية النصف زائد واحد اذ يرتقب ان يعمد فريق 8 آذار الى تطيير النصاب لتُرفع الجلسة الى موعد لاحق فتبدأ «معركة الرئاسة» فعلياً اقليمياً ودولياً، وسط توقعات بأن جلسة اليوم ستكون الوحيدة التي يتأمن لها نصاب الالتئام في حين ان الجلسات المقبلة سيرتبط توفير النصاب لها بتفاهم مسبق على اسم الرئيس بين طرفي الصراع الداخليين باعتبار ان اياً منهما اولاً ليس قادراً لوحده ولا مع كتلة جنبلاط على توفير اكثرية الثلثين للنصاب، ثم لان ايا منهما، ولا سيما 8 آذار، لن يكون في وارد المخاطرة بدخول جلسة يمكن لكتلة جنبلاط تأمين الاصوات اللازمة فيها لإكمال اكثرية النصف زائد واحد لأي مرشح فيخرج من الجلسة رئيساً.
خارجيات
«14 آذار» أنقذت وحدتها بشبه الإجماع عليه... و«8 آذار» تربكها الأوراق البيض
الانتخابات اللبنانية اليوم... تكرّس جعجع «مرشحاً قوياً»
البرلمان اللبناني وصندوق الاقتراع عشية جلسة الانتخابات اليوم (ا ف ب)
01:17 ص