قبل يوميْن من موعد انعقاد البرلمان اللبناني كهيئة انتخابيّة في اولى جلساته لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد بعد غد، بدا لافتا ان الاستحقاق الرئاسي الراهن يمضي في اتجاهات مختلفة تماماً عن سابق التجارب الحديثة والقديمة في سجلّ الاستحقاقات الرئاسية.ومن هنا تقف البلاد عشية الجلسة الانتخابية وسط مناخ يغلب عليه التشكيك الواسع في ان تتجاوز سيناريواتها حدود جلسة اختبارية لا احد يجزم سلفاً بما يمكن ان تشهده من مجريات، ولكن احداً لا يخالف الخلاصة المسبقة التي تبدو الجلسة محكومة بها وهي انها لن تفضي الى انتخاب رئيس جديد وأقصى ما يمكن توقعه منها في حال اكتمال نصاب الثلثيْن القانوني لها (86 نائباً) هو بداية فرز اولي للمرشحين الجديين الذين سيخوضون السباق الرئاسي.وفي هذا السياق غلب على الاستعدادات الجارية للجلسة طابع السرية المطبقة الذي يعكس توجساً كبيراً لدى كل القوى والكتل والمرشحين من مناورات ومفاجآت قد يتّبعها أفرقاء معنيون بقصد حرْق مرشّح او تهيئة الظروف لمرشّح آخر. وطبعت الايام الاخيرة التي شهدت مشاورات محمومة بعيدة عن الأضواء وسط عطلة عيد الفصح حالة من الشكوك الواسعة برزت بقوّة خصوصاً إزاء ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي ظلّ حتى الآن المرشح العلني الوحيد الأمر الذي يرتّب ترقّبا ثقيلا لما سيُواجَه به هذا الترشح من خصوم جعجع ومن بعض حلفائه ايضاً، ذلك ان جعجع واجه عقبتيْن اساسيتيْن في ترشّحه: الاولى ان خصمه الطبيعي زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون امتنع حتى الساعة عن اعتبار نفسه مرشحا في مواجهته مشترطاً لحضور الجلسة وإعلان ترشّحه التفاهم عليه كمرشح توافقي، وهو الأمر الذي يعكس عدم تحقق هذا الامر حتى الآن وصعوبة تحقُّقه واقعياً. والثانية ان رئيس حزب الكتائب امين الجميّل (احد قادة 14 آذار) كان أبلغ الى كلّ مراجعيه انه يعتبر نفسه مرشّحاً وان النواب الأربعة من حزبه سيصوّتون له الاربعاء فيما النائب الخامس في كتلة الكتائب نديم الجميل وهو ابن الرئيس الراحل بشير الجميل (شقيق امين الجميل) سيصوت لجعجع. وبعدما ارخى موقف امين الجميّل بمضيّه في الترشّح من دون التراجع لمصلحة جعجع مزيداً من الاحراج والتمزق داخل فريق 14 آذار، فان الاتصالات التي تولاها زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري والتواصل المباشر بين «القوات» و»الكتائب» قطعت شوطاً كبيراً في اتجاه تفاهم يفترض ان يرسو على صيغة يصوّت من خلالها نواب الكتائب لجعجع في دورة التصويت الأولى، على أن يبتّ لاحقا اتجاه التصويت في الدورة الثانية وما بعدها. وما عزز هذا التوجه اطلاق «المستقبل» اشارات متقدمة الى ان جلسة الاربعاء ستشهد وقوفه بجانب ترشيح جعجع وهو ما كان مدار بحث بين رئيس «القوات» ونادر الحريري مدير مكتب زعيم «المستقبل»، قبل ان يعلن جعجع في مقابلة مع قناة «الجزيرة» أن الحريري أبلغه دعمه لترشيحه والتصويت له في جلسة 23 ابريل.اما على صعيد موقف فريق 8 آذار فان التباساً واسعاً أحاطه في ظل مؤشرات متضاربة غير ثابتة حول الموقف الذي سيتخذه والذي يتكتّم عنه بشدّة. واللافت في هذا السياق ان اليوميْن الاخيريْن تميّزا بشنّ «حزب الله» حملة عنيفة على جعجع رفضاً لمبدأ ترشّحه أصلاَ وليس لانتخابه فقط عبر خطاب غلبت عليه العدوانيّة التي فاجأت كثيرين. فمع ان الخصومة الشديدة بين جعجع والحزب لا تستدعي التفاجؤ برفض الحزب وسائر قوى 8 آذار لانتخاب جعجع، فان ما استدعى الاهتمام هو ارتفاع نبرة الهجمات العنيفة من مسؤولي الحزب ونوابه على رئيس «القوات اللبنانية» عشية الجلسة الانتخابية بما يشي بتحضيرات لموقف سري يزمع الحزب وحلفاؤه اتخاذه في الجلسة. وتراوح الاحتمالات بين تعطيل نصاب الجلسة او ترشيح النائب في دائرة بعلبك اميل رحمة لوضع أصوات قوى 8 آذار لمصحلته تشفياً من ترشّح جعجع وتعطيلاً لفرصته في منازلة العماد عون او إسقاط أوراق بيضاء. وفي كل الأحوال فان ثمة استحالة وفق المناخ الحالي لانتخاب اي مرشح لا باكثرية الثلثين في الدورة الاولى ولا بالاكثرية المطلقة (65 نائباً) في الدورة الثانية اذا حصلت.وشن وزير «حزب الله» محمد فنيش هجوما ضمنيا على جعجع، اذ قال أن اختيار رئيس الجمهورية يكون من قبل البرلمان «فليس المهم أن يقدم البعض نفسه مرشحاً، بل المهم أن يعرف مدى امكاناته وكفاءته وما يتمتع به من مقبولية ليكون فعلاً على مستوى هذا الموقع»، مشيراً إلى «أن هذا يحتاج إلى أشخاص تاريخهم ناصع بالوطنية وليس فيه شائبة، وحاضرهم يشير إلى إمكان أن يكون محلاً للتوافق ومقبولاً من اللبنانيين، ولافتاً إلى «أن مَن يشهر العداء للمقاومة ولا يملك أي تاريخ من الوطنية فإن ترشّحه هو مجرد سبب لإثارة الخلاف والإنقسام وبالتأكيد هو لا يتوقع أن يصل أو أن ينجح».وتقول المصادر المواكبة للاستعدادات الجارية للجلسة ان الساعات الثماني والاربعين المقبلة ستشهد حمى غير مسبوقة في الاتصالات والمشاورات على كل المستويات لبلورة الاتجاهات الواضحة للجلسة ولكن شيئاً لا يضمن انقشاع الرؤية حتى ساعة انعقاد الجلسة. علماً ان سلاح النصاب القانوني يبقى اقوى الاوراق بيد اي فريق ولو ان الجميع يجمعون كلامياً على أهمية توفير النصاب.سليمان يصف برنامج جعجع بـ «الوطني والسيادي»
خارجيات
«حزب الله» يشنّ هجوماً ضمنياً عنيفاً على جعجع
«14 آذار» تقترب من ترتيب أوراقها «الرئاسية»
01:11 ص