مع إسدال ستارة الموت معلنة نهاية هادئة لمسيرة صاخبة بالفن والابداع، رفع نزيه خاطر، «ذو الكاسكيت» الشهيرة قبّعته ملقياً تحية الوداع.الناقد التشكيلي والمسرحي، ابن الكاتب والمؤرخ اللبناني لحد خاطر، رحل عن عمر ناهز الأربعة وثمانين عاماً، تاركاً أوراقا ثكلى وقلماً يتيماً فجعه المصاب.بيروت، المدينة التي أحبها وقيل انه حارس زمنها الجميل بكته، ووصفته الفنانة المسرحية نضال الأشقر بـ «الصديق، العدو، الناقد، الشجاع، الدارس والممحص والعارف بكل مداخل المسرح ومخارجه والمؤرخ للأعمال الكبيرة والصغيرة».خاطر ورغم سعة معرفته وعمق نظرته النقدية، الا انه لم يخصّ المكتبة الفكرية بمجلدات تخلّد آراءه وقراءاته في المسرح والأدب والفن التشكيلي. فقد آثر للغاليريات التي ارتادها والمسارح التي لم يخلف موعده معها أن تخطّ له سيرة حياته في كل لوحة تفحّصها أو مسرحية ترقّبها وراقب فصولها.ويقول الأديب بول شاوول عن الراحل: «أكثر من ثلاثة أرباع قرن، حضر نزيه خاطر في كل زوايا المدينة ومساحاتها وفي كل مسائل الثقافة وتجلياتها، بقلم شفاف يعرف كيف يخترق الظواهر والنصوص واللوحات والعروض والحالات!».ولأنه كان الأعتى والأشد اخلاصاً لمهمته النقدية، أكد الشاعر شوقي أبو شقرا أن «نزيه لم يكن الا الشرس في ميدانه، في ساح الكلمة. ولم يكن أيضاً الا الحنون في بطانته في حاشيته وفي من حواليه». لذا وفي تحية وداع أخير توجه الشاعر عباس بيضون من نزيه خاطر راثياً: «نودع فيك أحد مؤسسي الثقافة اللبنانية المعاصرة، في بلد قد لا يكون فيه ما يُعتد به سوى الثقافة».«الراي» بدورها، تزوّدت بشهادات آخرين كان لهم مع نقد نزيه خاطر أمثولة معلّم.الصحافي والناقد يقظان التقي: «نزيه خاطر أستاذ في المهنة، وأنا من الجيل الذي تتلمذ على كتاباته، فالرجل ظاهرة علمية في النقد، بمقاربات ولغة وخلفية علمية وأكاديمية وثقافية عالية. معرفتي به تعود الى المرحلة التي بدأتُ فيها كتابة النقد المسرحي التشكيلي والموسيقي حتى، فما كنت يوماً أقصد خشبة مسرحية الا وألتقيه على السلالم هابطاً بقبعته وطوله الفارع وحركة التواء جسمه. وكنت ألتقيه أيضاً في المعارض التشكيلية والغاليريات، والمهرجانات الموسيقية.واضاف: «كنت أعوده في مرضه، وفي الفترة الأخيرة أزعجتني الصورة الأخيرة قليلاَ، لأنها أشعرتني بأن هناك ما يتداعى منا كلنا.. العمل الصحافي الذي لا يرحم، فما يأتي مع الجرائد يذهب معها، في اشارة الى صعوبة ومتاعب هذه المهنة فهي تخلق أعداء وأصدقاء وتفرض عليك الموازنة بينهما».وذكرت الفنانة عايدة صبرا: «فاجأني خبر رحيله كثيراً، وما يزيد حزننا هو خسارة لبنان في هذا العام للعديد من القامات الكبيرة. الأستاذ نزيه كان صديقاً، ولطالما كان يعطيني رأيه في أعمالي ويشجعني، حين نلتقي في الحمراء بعد كل عمل مسرحي أقدمه، على ضرورة المتابعة في هذا المجال. فهو كان له فضل لناحية تطور العمل، اذ كان محرضاً على الاستمرار. وأنا أعتبره أهمّ ناقد في لبنان، وأعرف بأي هدف كان ينقد أعمالي، فرأيه يصب في مصلحتي دون شك. ولذلك كنت أحرص في غالبية أعمالي المسرحية، على معرفة رأيه الدقيق مع التفاصيل، فأتعمد لقاءه لأستمع الى ملاحظاته لأطور عملي».وقال الفنان التشكيلي جميل ملاعب: «نزيه خاطر شاهد ضروري وحقيقي على الحياة الثقافية اللبنانية من كل جوانبها، فهو ضمير بيروت الثقافي من الستينات وحتى اليوم؛ هو الركن الأساسي للنقد التشكيلي والفني خلال أربعين عاماً في جريدة «النهار».. خاطر لم يكل ولا يمل، وهو يبحث ويكتشف ويسافر ويمدح الحركات الجديدة ويدعم المبادرات الفنية الحقيقية. كنا نتقاسم معاً الهموم الوطنية والتشكيلية والثقافية والعربية والتراثية والحضارية، كنا نتناقش خلال 35 سنة، نترافق ونختلف، ونرى المشاهد معاً لا بالكلام فقط بل بالمشاهدة المباشرة أيضاً».