انشدّت كل الأنظار والاهتمامات في لبنان امس الى مجلس النواب الذي عقد جلسة مخصصة لحسم ملف سلسلة الرتب والرواتب للموظفين في القطاع العام والمعلّمين وسط أجواء لم يسبق ان شهد لبنان مثيلاً لها بسخونتها وتوتّرها بعدما حرّك هذا الملف أوسع اضطراب اجتماعي ونقابي ووظيفي واقتصادي نظراً الى تشابُك مواقف الافرقاء المعنيين به وتَضارُبها بل وتصادُمها.وفيما كانت الاهتمامات امس مركّزة على هذه الجلسة التي عقدت على مرحلتين صباحية ومسائية وواكبتها هيئة التنسيق النقابية باعتصام واضراب عام ملوّحة بـ «ثورة» اجتماعية ابتداء من اليوم ما لم يتمّ اقرار السلسلة وفق شروطها التي كانت لا تزال تصطدم بالمخاوف من ان عدم التوازن الدقيق بين الايرادات والنفقات ووضع خطة اصلاحية توقف الهدر يمكن ان يؤدي إلى الانهيار المالي والاقتصادي في لحظة سياسية داخلية وإقليمية شديدة التعقيد، فان الجانب الآخر من المشهد السياسي شهد بداية تحمية وتسخين لأجواء الاستحقاق الرئاسي الذي من المنتظر ان يحتلّ صدارة الواقع اللبناني بقوة بعد عطلة عيد الفصح اي اعتباراً من الثلثاء المقبل.وأعربت أوساط معنية بمواكبة المشاورات السياسية الجارية بعيداً عن الاضواء استعداداً لانخراط القوى السياسية والكتل النيابية في الاستحقاق الرئاسي، ان اشارة انطلاق العدّ العكسي لمرحلة الدخول في الاستحقاق ستبدأ فعلاً مع توجيه رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة الى الجلسة الانتخابية الاولى بعد عطلة الفصح والتي لم يستكمل بري بعد المشاورات في شأنها مع الكتل في انتظار ان يفرغ البرلمان من بتّ ملف سلسلة الرتب والرواتب.ولكن الواضح في رأي هذه الاوساط ان توجيه الدعوة لن يعني حتماً أن أوان بلورة صورة الرئيس العتيد للجمهورية قد حان ونضج وخصوصاً ان ليس هناك اي عامل واقعي، داخلي او خارجي، حتى الآن يبعث على توقّع اتضاح آفاق الاستحقاق الرئاسي على رغم اقتراب المهلة الدستورية للانتخاب الرئاسي من استهلاك نصفها الاول في 25 ابريل.ولكن الاوساط ابرزت عبر «الراي» اهمية انطلاق المشاورات على محور فريق 14 اذار في الساعات الاخيرة والتي باشرها رئيس كتلة المستقبل الرئيس فؤاد السنيورة باجتماعات مع الرئيس امين الجميل ونواب من فريق 14 اذار فيما زار مدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري الزعيم الدرزي وليد جنبلاط.واشارت الاوساط الى ان هذه الحركة انطلقت عشية اعلان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع اليوم برنامجه الذي يخوض على أساسه معركته الرئاسية. وبدا واضحاً ان كتلة «المستقبل» لم تتسرع في اتخاذ موقفها بعد من ترشيح جعجع او شخصية سواه من فريق 14 آذار وتركت الامر لمزيد من المشاورات قبل اتخاذ الموقف النهائي وخصوصاً انها ترى ان الوقت لا يزال متاحاً ولا داعي تالياً للاستعجال. ويبدو ان المشاورات الجارية تهدف الى حمل الافرقاء المسيحيين ضمن قوى 14 آذار على توحيد موقفهم من ترشيح جعجع اولاً ومن ثم التحسب للمراحل التالية اذا لم تؤد الجلسة او الجلسات الانتخابية الاولى لأيّ نتائج.وفي المقابل تلاحظ الاوساط نفسها ان البرودة الظاهرية تغلب على فريق 8 آذار الذي لا يبدو في وارد إشاحة الأنظار المركزة حالياً على معسكر خصومه من منطلق السعي الى تحصيل مكاسب معنوية وسياسية يطمح فريق 8 آذار الى تحصيلها في حال برزت خلافات معلنة بين صفوف 14 آذار حول الترشيحات وظروف المعركة.وقالت الاوساط نفسها ان مجمل هذه المعطيات باتت تعكس بما لا يقبل الجدل ان الاستحقاق الرئاسي يواجه ظروفاً شديدة التعقيد والغموض وان الحركة الداخلية المتواضعة حياله تترجم برودة واسعة خارجية مما لا يشجع على توقّع اتضاح اي أفق للاحتمالات التي تواكب الاستحقاق في موعده.وأدرجت هذه الاوساط مجمل الحركة الداخلية وما يساق عن تعويم أسماء مرشحين او فرض فيتوات على آخرين، في سياق ملء الفراغ لا اكثر ولا اقل. ولفتت الى ان هذه الاجواء تتسم بسلبيات كبيرة اذ من شأنها ان ترفع نسبة الفراغ المحتمل في الرئاسة الى حدود كبيرة ولو ان الامر لا يزال مبكراً لخوض هذا النوع من السيناريوات قبل انقشاع الرؤية اقليمياً وتلمّس امكانات تفاهم ايراني - سعودي يتيح إمرار «رئاسية» لبنان عل قاعدة «مواصفات» تشبه التي حكمت تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام.واستوقف الدوائر السياسية في بيروت اللقاء الذي جمع اول من امس الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود ولي ولي العهد السعودي النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء المستشار والمبعوث الخاص لخادم الحرمين الشريفين مع الرئيس سعد الحريري. ورغم ان المعلومات الرسمية التي وُزعت عن اللقاء اشارت الى ان الحريري «قَدِم للسلام على سموه وتهنئته بالثقة الملكية الكريمة بمناسبة اختياره وليا لولي العهد» وان الامير مقرن أعرب «عن شكره للحريري على ما أبداه من مشاعر طيبة كما جرى تبادل الأحاديث الودية»، فان اوساطاً مراقبة في بيروت توقفت عند توقيت الاجتماع الذي من غير المستبعد ان يكون تطرق الى الاستحقاق الرئاسي في لبنان ولا سيما انه جاء بعد ايام قليلة من المشاورات التي اجراها الحريري مع قادة في تكتله النيابي وتياره السياسي تناولت الانتخابات الرئاسية وسبل مقاربتها.
خارجيات
كرّ وفرّ بين الشارع ومجلس النواب حول المطالب النقابية
«المستقبل» تتريّث في إعلان دعمها جعجع للرئاسة اللبنانية
10:07 م