عمدت دولة الكويت في السنوات الخمس الأخيرة إلى إصدار عدد من القوانين التي تنظم مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص (وهو ما يعرف بالانكليزية بـ Public Partnership Projects أو PPP).وبالرغم من حداثة هذه القوانين، يبدو أن دولة الكويت قررت اعتماد هذا النظام كما يدل على ذلك عدد المشاريع التي تم إطلاقها أو تلك الجاري الإعداد لها. وتشمل هذه المشاريع مختلف القطاعات الاقتصادية بما في ذلك، الطاقة، والنقل، والصحة، والاتصالات (مثل مشروع محطة الزور الشمالية المرحلة الأولى والمرحلة الثانية، ومشروع محطة خيران، ومشروع الصرف الصحي في منطقة أم الهيمان، ومشروع بناء وتأهيل مستشفى الطب الطبيعي، الخ).إلا أن التطبيق العملي لهذه القوانين أظهر الشوائب وأوجه القصور التي تعاني منها هذه القوانين.إن القانون الأساسي الذي ينظم مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، هو القانون رقم 7 لسنة 2008 (بشأن تنظيم عمليات البناء والتشغيل والتحويل والأنظمة المشابهة وتعديل بعض أحكام المرسوم بالقانون رقم 105 لسنة 1980 في شأن نظام أملاك الدولة (القانون 7 لسنة 2008)، والمرسوم رقم 256 لسنة 2008 بشأن إصدار اللائحة التنفيذية للقانون رقم 7 لسنة 2008. ويتضمن هذا القانون المبادئ والقواعد العامة التي تنظم عمليات الشراكة بين القطاعين العام والخاص التي يتم تنفيذها على أملاك الدولة.ومن أجل تسهيل وتوضيح آلية تطبيق القانون المذكور وبالتالي كيفية عمل مشاريع الشراكة هذه، أصدر الجهاز الفني لدراسة المشروعات التنموية والمبادرات (الجهاز الفني) الدليل الإرشادي الخاص بتنفيذ مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وقد تم إنشاء الجهاز الفني بموجب المادة 12 من القانون رقم 7 لسنة 2008 من أجل معاونة اللجنة العليا للمشروعات (اللجنة العليا) التي تقام على أملاك الدولة العقارية، والمنشأة بموجب المادة 11 من القانون رقم 7 لسنة 2008، والتي تختص من بين أمور أخرى بمراقبة تطوير مشاريع الشراكة بشكل عام ووضع السياسات العامة الخاصة بهذه المشاريع.وقد أصدرت دولة الكويت، بالإضافة إلى القانون رقم 7 لسنة 2008 قوانين أخرى تنظم عمليات الشراكة بين القطاعين العام والخاص في بعض القطاعات المحددة، نذكر منها:- القانون رقم 39 لسنة 2010 (المعدل بموجب القانون رقم 28 لسنة 2012) والمتعلق بتأسيس شركات كويتية مساهمة تتولى بناء وتنفيذ محطات القوى الكهربائية وتحلية المياه في دولة الكويت،- القانون رقم 40 لسنة 2010 بتأسيس شركات مساهمة كويتية تتولى وفقاً لنظام البناء والتشغيل والتحويل للدولة القيام بتصميم وتنفيذ وتشغيل وصيانة مدن العمال،- القانون رقم 5 لسنة 2008 بتأسيس شركات كويتية لتطوير تنفيذ المشروعات العامة والمنافذ الحدودية.إن السمة الرئيسية المشتركة لهذه القوانين تكمن في أنها تستوجب تأسيس شركة مساهمة عامة تضطلع بتنفيذ المشروع. كما تنص كافة هذه القوانين على وجوب تخصيص حصة من أسهم الشركة إلى المواطنين الكويتيين. ويتم تأسيس هذه الشركة وفقاً لأحكام قانون الشركات رقم 25 لسنة 2012 (والشروط والأحكام الخاصة المنصوص عليها في القانون رقم 7 لسنة 2008 أو قانون الشراكة ذات الصلة المشار إليها أعلاه).شركة المشروعينص القانون رقم 7 لسنة 2008 على أن تقوم شركة مساهمة عامة بتنفيذ كافة المشاريع التي ستقام على أملاك الدولة وفقاً لنظام البناء والتشغيل والتحويل (BOT)، أو البناء والتملك والتشغيل والتحويل (BOOT) أو أي أنظمة أخرى مشابهة والتي تقدر قيمتها بـ60 مليون دينار كويتي، وذلك عوضاً عن طرح هذه المشاريع وفقاً لنظام المناقصات العامة. أما المشاريع التي لا تتجاوز قيمتها 60 مليون دينار كويتي فإنه يمكن طرحها وفقاً لنظام المنافسة للشركات المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية والشركات الأخرى المؤهلة والموافق عليها من قبل الهيئة العليا.وقد اعتمد أيضاً القانون رقم 39 لسنة 2010 والقانون رقم 40 لسنة 2010 المشار إليهما أعلاه مبدأ تأسيس الشركة العامة. و يتم تأسيس هذه الشركات العامة وفقاً لأحكام قانون الشركات رقم 25 لسنة 2012، وهي تستوجب طرح الأسهم المخصصة للمواطنين الكويتيين للاكتتاب العام وذلك قبل تأسيس الشركة بشكل نهائي.بعض التعديلات المقترحةعلى القانون 7 لسنة 2008:لقد أثار القانون رقم 7 لسنة 2008 الكثير من الانتقادات والتعليقات. فمن جهة، تم الترحيب بصدور هذا القانون كونه يشكل قفزة نوعية في التشريعات التي تنظم المشاريع التي هي عادة من اختصاصات الدولة؛ إلا أنه أغفل من جهة أخرى الكثير من المسائل التي اعتمدت عليها بعض الدول المتقدمة لتنظيم عمل هذه المشاريع.وبالفعل، ونظراً للشوائب التي لحقت بالقانون رقم 7 لسنة 2008 والتي ظهرت أثناء تطبيقه، خاصة بعد البدء بطرح المشاريع من قبل الجهاز الفني، حيث تبين عدم ملاءمة أحكام القانون رقم 7 لسنة 2008 لبعض المشاريع المطروحة كالمشاريع المتعلقة بالطاقة، صدر القانون رقم 39 لسنة 2010 المتعلق بتأسيس شركات كويتية مساهمة تتولى تنفيذ محطات القوى الكهربائية وتحلية المياه في دولة الكويت. وقد تم تعديل القانون المذكور بموجب القانون رقم 28 لسنة 2012. وقد نجح هذا القانون في تفادي بعض أوجه القصور التي عانى منها القانون رقم 7 لسنة 2008، فحدد الأسس التي يتم بموجبها اختيار الطرف الفائز بالمشروع (على أساس التعرفة الأقل كلفة مقابل أعلى سعر للسهم فوق قيمته الاسمية)، كما أوضح نسبة ملكية الفائز بالمشروع في أسهم الشركة (إذ حدد هذه النسبة بما لا يقل عن 26 في المئة وعلى أن لا تتجاوز الحصة العائدة للدولة عن 24 في المئة)، كما سمح للجهة الحكومية المعنية بتأسيس الشركة بالاكتتاب موقتاً بالأسهم المخصصة للمواطنين الكويتي وذلك لتسهيل إجراءات تأسيس الشركة وتفادي إجراءات الاكتتاب العام الطويلة والمتشعبة)، وكذلك عالج مدة المشروعات فحددها بأربعين سنة.إلا أن صدور هذه القوانين الخاصة لم يكن كافياً لمعالجة كافة أوجه القصور والشوائب التي طالت القانون رقم 7 لسنة 2008. لذلك، تقدمت الحكومة بمشروع تعديل للقانون رقم 7 لسنة 2008، أثار هو أيضاً العديد من الانتقادات لعدم معالجته بعض المسائل الأساسية التي عانى منها القانون رقم 7 لسنة 2008.وبما أن العديد من المقالات صدرت وناقشت التعديلات المقترحة، فإننا سنعمد في هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على بعض المشاكل التي نشأت من خلال التطبيق العملي لهذا القانون.1) وجوب الفصل بين التعديلات على القانون رقم 105 لسنة 1980 بشأن أملاك الدولة والقانون المتعلق بتنظيم عمليات الشراكة بين القطاعين العام والخاصتتعلق المادتان الأولى والثانية من القانون رقم 7 لسنة 2008 بالتعديلات التي يقتضي إدخالها على القانون رقم 105 لسنة 1980 والمتعلق بأملاك الدولة. ولئن كانت مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص أو المشاريع المشابهة تقام بأغلبيتها على أراضٍ تعود ملكيتها للدولة، فإننا نرى أن يتم الفصل بين هاتين المسألتين وبحيث يصدر قانون مستقل وخاص بتنظيم عمليات البناء والتشغيل والتحويل والأنظمة المشابهة، خاصة وأنه يمكن استغلال أملاك الدولة بطرق أخرى لا علاقة لها بمشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص.2) حق الانتفاع على أرض المشروعإن الصياغة الحالية للقانون رقم 7 لسنة 2008 يجعل من الصعوبة تحديد الحقوق التي تمنح للشركة التي تضطلع بالمشروع على أرض المشروع، وما إذا كان حق انتفاع، أم عقد إيجار أو امتياز. ويقتضي التذكير بأن العرف المتبع عالمياً في هذا الخصوص هو القيام بتخصيص الأرض إلى الشركة التي تقوم بتنفيذ المشروع وذلك بموجب عقد الامتياز الممنوح لها للاضطلاع بالمشروع ودون الحاجة لتوقيع عقد إيجار مستقل على الأرض.وفي هذا الإطار نشير إلى أن المادة 17 من القانون رقم 105 لسنة 1980 تحدد مدة إيجار الأراضي العائدة ملكيتها للدولة بعشرين سنة في حين أن المادة السادسة من القانون رقم 7 لسنة 2008 حددت مدة التعاقد لمشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص بثلاثين سنة، الأمر الذي يقتضي معه تبديد هذا التناقض لجهة مدة الإيجار.وعليه، فإنه من الأنسب أن يحدد القانون رقم 7 لسنة 2008 حقوق الشركة التي رسا عليها المشروع على الأرض وأن يمنح حق الانتفاع هذا بموجب العقد الخاص بتنفيذ المشروع أو عقد الامتياز وبحيث تحدد مدة هذه الحقوق بمدة المشروع أي بما لا يتجاوز 40 سنة وفقاً للمادة السادسة من القانون رقم 7 لسنة 2008.3) تأسيس الشركة التي ستضطلع بالمشروعتلحظ المادة الخامسة من القانون رقم 7 لسنة 2008 وجوب تأسيس شركة مساهمة عامة في حال كانت قيمة المشروع تزيد على 60 مليون دينار، وذلك وفقاً لشروط وأحكام قانون الشركات رقم 25 لسنة 2012.وغني عن التذكير بأن إجراءات تأسيس الشركة العامة (حتى في ظل قانون الشركات الجديد) تتراوح غالباً ما بين شهرين وخمسة أشهر. وبما أن الشركة الجاري تأسيسها هي التي ستقوم بتنفيذ المشروع وتوقيع العقود الخاصة بالمشروع، فإن تشعب وتأخير إجراءات تأسيس الشركة سيؤدي إلى تأخير عملية ترسية المشروع وبدء تنفيذه، خصوصاً وأنه سيتوجب تأخير تاريخ التوقيع على العقود لمدة خمسة أشهر اعتباراً من اختيار مقدم العرض الأفضل، وذلك لحين الانتهاء من تأسيس الشركة.وعليه، فإنه من الضروري أن يعمد المشرع إلى تعديل القانون رقم 7 لسنة 2008 (بشكل مشابه للقانون رقم 39 لسنة 2010 والقانون 40 لسنة 2010)، وبحيث يسمح للدولة أن تكتتب في الأسهم العائدة للمواطنين الكويتيين (أي بنسبة الـ50 في المئة) خلال فترة التأسيس، الأمر الذي سيسهل ويسرع في إجراءات تأسيس الشركة والتوقيع على الاتفاقيات المتعلقة بالمشروع، وبالتالي البدء بتنفيذ المشروع بشكل مبكر. ويمكن تحديد التاريخ الذي سيدعى فيه المواطنون الكويتيون للاكتتاب في أسهم الشركة في وقت لاحق (والذي من الأنسب أن يكون بعد بدء الشركة في تشغيل المشروع وليس أثناء بنائه).* إبراهيم ستوت هو محام شريك في مكتب ASAR - «الرويح وشركاه للمحاماة»، يتمتع بخبرة تزيد على 21 سنة في قطاع المصارف والتمويل ومشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص وعمليات الاستحواذ (بالإضافة إلى خبراته الواسعة في القانون التجاري والشركات والتحكيم الدولي)، وقدم المشورة القانونية أخيراً للعديد من الشركات الأجنبية والكويتية والمكتب الفني لدراسة المشروعات التنموية.* أكوسا بتوالا هي مستشارة قانونية أولى في مكتب ASAR، وهي تقدم المشورة القانونية في مجال القانون التجاري والعقود المبرمة مع الدولة والوكالات التجارية وعقود التوزيع و«الفرنشايز» ومشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص والاتصالات والتأمين وقانون العمل. وقد شاركت في تقديم المشورة القانونية للدولة الكويتية والشركات الأجنبية في العديد من المشاريع المتعلقة بالبنى التحتية، لاسيما مشروع محطة الزور الشمالية بمرحلتيه الأولى والثانية.