عادت المخيمات الفلسطينية في لبنان الى واجهة الاهتمام السياسي من عنوانها الامني، واصبحت «المبادرة الفلسطينية الموحدة» التي أطلقتها القوى والفصائل الفلسطينية لحماية المخيمات والمحافظة على العلاقات اللبنانية - الفلسطينية قبل اسبوعين على المحك، بين بدء تطبيق بنودها والفشل والعودة الى المربع الاول من التوتير الأمني في كل الاتجاهات.اولى الملاحظات في الاحداث الامنية التي وقعت في مخيميْ «المية ومية» و«عين الحلوة» انها ترسم بانوراما مشهد جديد، اللافت فيه انه بينما كان الوضع الامني في المناطق اللبنانية يأخذ منحى الاستقرار مع تطبيق الخطة الامنية في الشمال ووقف الاقتتال بين جبل محسن وباب التبانة مرورا بعرسال البقاعية وصولا الى بريتال (البقاع)، اهتزّ الوضع الامني في المخيمات فجأة في ما بدا محاولة لإبقائها في دائرة التوتر في انعكاس واضح للازمة السورية على لبنان ومخيماته.وثاني الملاحظات تقاطُع «المصالح» في اشتباك «المية ومية» الذي اصطدم فيه تنظيم «انصار الله» (القريب من «حزب الله») بـ «كتائب العودة» بزعامة احمد رشيد، بين طرفين: الاول القوى الفاعلة وتحديداً حركة «فتح» التي اعتبرت انه بالقضاء على رشيد ازالة لـ «دمل» دحلاني (نسبة الى دعم العقيد المفصول من الحركة محمد دحلان لرشيد) في جسم المية ومية الفلسطيني بعدما بدأت ظاهرة رشيد تكبر وتتوسع لتوازي قوتها. والطرف الثاني هو «حزب الله» الذي اعتبر انه بسيطرة حليفه «انصار الله» يجعل المخيم آمناً وهادئاً ولا يعود يشكل مصدر قلق له، وسط معطيات عن ان الحزب وفر الغطاء السياسي والقضائي والامني لـ «انصار الله» في عملية مدبرة ولم تكن وليدة صدفة بل نتيجة تراكم خلافات على سيطرة النفوذ وان كانت قد اتخذت بجانب منها الطابع الشخصي او الفردي.ورغم ان «انصار الله» اعاد بسط سيطرته على المية ومية، مؤكدا انه «لاعب اساسي في قراره وأمنه واستقراره، فان اللافت هو قيام عناصر التنظيم بتدريبات مكثفة خلال الفترة الاخيرة في المخيم وقد نشرت صور لعناصره وهم يجرون مناورة وتدريب بالسلاح الحي على مواقع التواصل الاجتماعي للمرة الاولى في رسالة اننا هنا... واقوياء».وثالث الملاحظات، ان الخاسر هو رشيد نفسه الذي تمت تصفيته مع اشقائه والمقربين منه حتى لا تعود ظاهرته مجدداً، ومن ورائه المؤيدين للدحلان وإن كان الاخير نفى اي علاقة له بقائد كتائب «العودة»، فيما بعض المصادر الفلسطينية قرات ما حصل على انه «رسالة» غير مباشرة الى العميد الفتحاوي المتمرد محمود عبد الحميد عيسى «اللينو» الذي كان زار الامارات والتقى دحلان، من دون ان يعلن الى الان اي انشقاق عن فتح بسبب «فيتو» لبناني حاسم بعدم اضعاف حركة «فتح» او سيطرة دحلان على قرار المخيمات.وترجح مصادر فلسطينية، ان محاولة اغتيال رئيس جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية (الأحباش) في عين الحلوة الشيخ عرسان سليمان كانت متعددة الاهداف، اولاً لضرب المبادرة الفلسطينية الموحدة التي اطلقت من عين الحلوة تحديداً لما يمثل من رمزية، وثانياً لحرف الانظار عما جرى في مخيم المية ومية، وثالثا لايقاع الفتنة بين «الاحباش» ـ الناشطين الاسلاميين المعتدلين، وبين «الشباب المسلم» وهي التسمية التي تطلق على الناشطين الاسلاميين المتشددين وهم من بقايا «جند الشام» و«فتح الاسلام»، على اعتبار ان المنطقة التي استُهدف فيها تابعة لنفوذهم، وهي نفس المنطقة التي اغتيل فيها قبل شهر ونيف العميد في حركة فتح جميل زيدان دون اي مبرر وفقط بهدف التوتير الامني.وكشفت مصادر فلسطينية لـ «الراي» ان التحقيقات الجارية في محاولة اغتيال الشيخ سليمان الذي يُعتبر الحادث الامني الاخطر على مستوى الاستهداف السياسي والديني، لم تتوصل الى اي خيوط تقود الى معرفة الجناة، موضحة ان «لجنة التحقيق” التي شكلت استمعت الى افادات عدد من شهود العيان ومرافقي الشيخ عرسان الذي كان يقوم بتقديم واجب العزاء لعائلة الصفدي بعد مقتل ولدها المسعف طارق الصفدي خطأ في اشتباكات مخيم المية ومية، وان الرواية شبه النهائية تؤكد ان شخصا هو الذي اطلق النار مباشرة على الشيخ عرسان وسط عدد من مرافقيه، وفر في احد الازقة المحاذية بسرعة جداً ولم يتم التعرف على اوصافه الى الان.في موازاة ذلك، دق المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم ناقوس الخطر من استمرار تدهور الوضع الامني في المخيمات الفلسطينية وتحديداً في عين الحلوة، وهو أبلغ وفدا من الفصائل الفلسطينية في لبنان الذي التقاه ضرورة العمل الفوري على دعم القوة الامنية الفلسطينية المشتركة لتصبح «قوة ضاربة» تعتقل المخلين بالامن والمتهمين بجرائم الاغتيال، معتبراً انها «الورقة الاخيرة لحماية المخيمات قبل ان تتجه الامور الى الاسوأ». واعرب ابراهيم وفق ما نقل مسؤول فلسطيني شارك في اللقاء، ان «الدولة اللبنانية على استعداد لتغطية الخطوة سياسيا وامنيا، وانه يجب حماية المبادرة الفلسطينية الموحدة ووضع آليات بنودها موضع التطبيق الفوري، لان ما يجري في المخيمات بات ينبىء بالخطر الشديد في ظل المساعي اللبنانية والتوافق السياسي على ضبط الوضع الامني في الاماكن التي كانت تشهد توتيرا، وان الامن واحد».
خارجيات
قراءة «على البارد» لأحداث «المية ومية» و«عين الحلوة»
اللواء إبراهيم للفصائل الفلسطينية: احموا المخيمات قبل الأسوأ
09:55 م