بدا ملف الاستحقاق الرئاسي في لبنان في سباق فعلي مع التحركات المطلبية والنقابية التي «انفلشت» فجأة على شكل اعتصامات واضرابات فجّرت «صراعاً طبقياً» غير مسبوق بين العمال وموظفي القطاع العام وبين الهيئات الاقتصادية بلغ حدّ اعلان مصارف لبنان «انتفاضة» بوجه البرلمان ترجمتها امس بإضراب - سابقة احتجاجاً على اقتراح اللجان النيابية رفع الضريبة على فوائد الودائع المصرفية من 5 الى 7 في المئة، وفرض ضريبة على اكتتابات المصارف بسندات الخزينة، من أجل تمويل كلفة سلسلة الرتب والرواتب الجديدة (لموظفي القطاع العام العاملين والمتقاعدين والمعلّمين).وفيما كانت المحاولات جارية لسكب مياه «باردة» على الملفات المعيشية والاجتماعية التي «انفجرت» دفعة واحدة، جاءت «المواجهة» بين مجلس النواب وجمعية مصارف لبنان والتي احتدمت امس مع رفض رئيس البرلمان نبيه بري استقبال وفد منها قبل ان يعتذر رئيسها فرنسوا باسيل الذي اتّهم السياسيين جميعاً بإفلاس البلد والحروب علناً عن الهجوم الذي شنه على النواب والبرلمان ثم تقديم النائب في كتلته هاني قبيسي شكوى ضد باسيل بتهمة القدح والذم والتحقير، ليرفع مستوى الريبة لدى دوائر سياسية من مشارب مختلفة من محاولات لإبقاء هذه العناوين، على أهميّتها، سيفاً مصلتاً على الاستحقاق الرئاسي بما يؤمن عوامل ضغط في هذا الاتجاه او ذاك، اي لتشكيل «مناخ» يحفز تزكية هذا الاسم على ذاك، او للحفاظ على «مَنفذ» اذا اقتضت الضرورات «الطارئة» تأخير الانتخابات الرئاسية.وجاء بت مسائل اجتماعية مثل قضية سلسلة الرتب والرواتب التي يرجح حسمها في البرلمان بحلول الاثنين كحد اقصى وتوفير سبل تمويلها بما لا يرتب اعباء ضريبية على ذوي الدخل المحدود ويجنّب الخزينة «كارثة محققة» ما لم تتأمن مداخيل توازي كلفة السلسلة (نحو ملياريْ دولار) ليشعل سجالات حول الخيارات الاقتصادية الكبرى في البلاد وسط تحذير جمعية المصارف من ان الاقتراحات الضريبية الجديدة ستؤثر على الاستثمارات والودائع الجديدة وتنعكس سلباً على صغار المودعين وردّ هيئة التنسيق النقابية باتهام المصارف «بامتصاص دماء اللبنانيين» داعية الى «ضرائب اضافية على الريوع العقارية وارباح المصارف والشركات الكبيرة»، وكل ذلك فيما المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للبنان «تتآكل» اذ لم يبق منها سوى 43 يوماً في ظل اقتناع راسخ بان حسم هذا الملف سيعكس الخيارات السياسية الكبرى للاعبين الاقليميين والدوليين حيال لبنان الذي يأمل ان يستفيد من كون استقراره تحوّل مصلحة خارجية وذلك تحت عنوان منع «تشظي» كرة النار السورية الى المحيط وإبقائه بمثابة ساحة تبريد بين أطراف الصراع الاقليمي ولا سيما السعودية وايران.ولم تحجب المخاوف التي سادت من انعكاسات الاقتطاعات الضربيبة من القطاع المصرفي على الاستقرار النقدي - المالي الذي يشكل هذا القطاع «صمام الامان» فيه (علماً انه المموّل الرئيسي للدولة اللبنانية واستحقاقاتها) الترجيحات التي سادت في بيروت بان بري سيدعو الى عقد اول جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بين يومي 22 و23 ابريل الجاري وسط اعتباره ان «هناك فرصة ثمينة أمام اللبنانيين لانتخاب رئيسهم وفق مواصفات الصناعة الوطنية، إلا إذا كانوا يريدون هذه المرة أيضاً استجرار الوساطات والتدخلات من الخارج، كما اعتادوا عموماً»، فان هذا التاريخ تحوّل عامل ضغط على قوى 14 آذار خصوصاً لحسم موقفها من ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وتبنيه مرشحها الوحيد ام لا، باعتبار ان هذا الامر سيعكس الخيارات التي ستعتمدها هذه القوى في جلسات الانتخاب.وفي ظلّ تحديد جعجع الأربعاء المقبل موعداً لإطلاق برنامجه الرئاسي، برزت اشارات الى اقتراب 14 آذار من تبنيه «كمرشّح المواجهة» الذي يسمح لها بدخول «المعركة» بالسقف الأعلى وتالياً بالتفاوض من موقع متقدّم على اي خيار بديل، حجز رئيس «القوات» لنفسه تلقائياً موقع «الناخب الرئيسي» فيه وراسم «دفتر شروط» الحد الادنى للسير فيه، وهو ما يؤمن لفريق 14 آذار منطلقاً متكافئاً لخوض حلبة الاستحقاق الرئاسي المحكوم بطبيعة الحال بتوازن سلبي بين 8 و 14 آذار اللذين يملكان قدرة تعطيل النصاب من دون ان يكون لأيّ منهما القدرة على تأمين أكثرية الثلثين (86 نائباً في الدورة الاولى) ولا النصف زائد واحد (65 نائباً) في الدورة الثانية (يمكن تأمينه مع النائب وليد جنبلاط)، علماً ان الاوساط السياسية في لبنان مقتنعة بالكامل بان نصاب جلسة الانتخاب «سياسي» إقليمي - دولي بـ «وعاء» محلي وليس نصاباً عددياً.ومع اعراب بري قبل ايام عن اعتقاده أن نصاب الثلثين لجلسة الانتخاب سيتأمن «لكن لا أحد يعرف ماذا سيحصل بعد ذلك، وكيف يمكن أن تتطور الامور، واعتقد وفق معطيات هذه اللحظة أن أي مرشح لن يفوز في الدورة الاولى»، ترجّح دوائر سياسية ألا يتم الانتقال في اول جلسة انتخاب الى الدورة الثانية بل ان يطير النصاب بعد فشل مرشحيْ 8 (المرجح ان يكون النائب سليمان فرنجية او العماد ميشال عون) و 14 آذار في نيل أكثرية الثلثين، ليكون الفريقان لمسا ان مرشحيْ «رأس الحربة» لا يملكان القدرة على حشد الاكثرية المطلوبة فتكون الفترة الفاصلة عن جلسة الانتخاب الثانية مناسبة لبلورة الاسماء «التوفيقية» او «التوافقية» بعد «غربلتها» وذلك وفق التفاهمات الاقليمية التي يفترض ان تكون حصلت وإلا لن تكون انتخابات.وفي إطار متصل، برزت زيارة رئيس كتلة "المستقبل” الرئيس فؤاد السنيورة للرياض برفقة نادر الحريري للاجتماع مع الرئيس سعد الحريري في سياق المشاورات في شأن الاستحقاق الرئاسي وآلية خوضها من 14 آذار.الى ذلك، شكّل ما يشبه الاعتذار الذي قدّمه باسيل لمجلس النواب وبري مدخلاً اتاح سحب الدعوى التي قدّمها قبيسي ضدّه «بجرم التحقير والقدح والذم.إلى ذلك، وبعيد رفض بري استقبال جمعية المصارف، التي نفذت امس اضراباً شمالاً شلّ القطاع المصرفي، جاء المؤتمر الصحافي لباسيل ليستوعب «الهبّة الساخنة» غير المسبوقة على هذا الصعيد وذلك قبيل معاودة اللجان النيابية بحث سبل تامين موارد تمويل سلسلة الرتب والراوتب على ان تبتّها نهائياً الهيئة العامة بحلول الاثنين حداً اقصى.واطلّ رئيس جمعية المصارف متمسكاً بان «الاقتراحات الضريبية من اللجان النيابية لتمويل سلسة الرتب سيكون لها اثار سلبية على المودعين».وبالنسبة الى تصريحه عن مجلس النواب اوضح انه «لم يتهجم على نائب معين او على رئيس البرلمان نبيه بري، الذي نحترمه ونحمد الله انه موجود لايجاد الحلول ولا سيما لهذا الصراع بين الهيئات الاقتصادية وجمعية المصارف واللجان النيابية».ولم يكد باسيل ان ينهي كلامه حتى اشارت تقارير الى ان شكوى النائب قبيسي ضده سُحبت.
خارجيات
«14 آذار» تقترب من تبني ترشيح جعجع
«إشغال» الاستحقاق الرئاسي اللبناني بالقضايا المطلبية فجّر «انتفاضة المصارف» بوجه البرلمان
02:47 ص