| نادين البدير |
طفلة تنبعث بداخلي لحظات الأمان في الصباح وأنا أتوسط جدتي وجدي في غرفة جلوسهما. ممنوع شرب القهوة، لكني أدمنت رائحتها التي تعلن بداية الحياة، أدمنت مشاركتهما مشهد البداية، يغلي أحدهما القهوة ويحضر الركوة ليرتشفان الفناجين بصمت. بهدوء. بسلام العائلة السعيدة.بعد وفاتهما وجدت في أبي وأمي البديل الذي يمكنه تمثيل الدور القديم، دور سعداء الفجر، صار مسموح شرب القهوة. أتسلل لسريرهما بعد الفجر مباشرة لأشاركهما ارتشاف فناجينها. صدمني مذاقها المر، أرغمت نفسي عليه وأحببته، أرغمتها أن تعيش كامل أجواء السعادة العائلية. أبي وأمي كان لهما حكي لا ينتهي في الصباح بعكس قهوة جداي الصامتة.كان تعريفي للصمت وقتها أنه دليل سأم. ومع الأيام عرفني الصمت على نفسه.أجهل سبباً شدني لطقوس صباحاتهم، لاطمئناني بين أزواج وزوجات أشترط أن يكونوا متقدمين في العمر.كنت أسألهما صامتة: « أيمد أحدكما الآخر بما أستمده أنا منكما؟ أيزوركما السلام في الفجر؟» كنت في مناسبة عائلية ساخنة، حل خلاف متواصل منذ سنوات بين زوجين من أقاربي، يحاول الجميع تبسيط الأمور وإرجاعها لمجاريها، مرت ساعات وساعات، ملكت الحل فقلت للطرفين المتنازعين: أفضل حل لكما الطلاق.أطلق الحاضرون صرخات نحوي، اختلطت بصياح إحدى كبيرات السن التي ظننت أنه سيغشى عليها. الجميع قال : لا.- يقولان لكم انهما معذبان، الطلاق هو الحل.ضحكوا، تمازحوا. فأنا أصغرهم ولا أفهم بواطن الأمور، حتى الزوجان أنفسهما صارا يضحكان.لم يتطلقا، يرتشفا القهوة معاً كل صباح.أخبروني أن ذلك أسلم لأجل الأولاد، كنت على يقين أن لحظات الفجر التي اعتاداها لن تقف صامتة إزاء قرب فراقهما. استمرت مشاحناتهما، لكن المعروف عن زواجهما أنه ناجح.فطول فترة الزواج دليل نجاحه... حتى لو كان مدمراً من الداخل. ماذا اعتاد الأزواج أيضاً؟نسبة عالية من المتزوجين يقولون انهم بعد فترة من الزواج يعتادون وجودهما معاً، يتحولون إلى إخوة وتختفي الموجات العاطفية التي كانت تنبعث بداية لقائهما، يختفي الانجذاب الكيميائي. حتى أنهما قد يقلعان عن ممارسة الجنس، أو يتحول إلى عادة وواجب. ويصبح الزواج أكثر من كونه حالة حب، يصبح عشرة، عائلة، مودة، أخوة..... أي شيء إلا الانجذاب العاطفي والجنسي. من الطبيعي حدوث الانجذاب في معظم اللقاءات الأولى، لكن استمرار ذلك الانجذاب لفترة طويلة يعني أن بشائر زواج ناجح تلوح في الأفق. الاختبار للتأكد من أننا أمام رفيق الدرب يجب أن يتم قبل الزواج لا بعده، هكذا تنظم الزيجات. فالأبناء ليسوا حقل تجارب.ورغم معرفتنا بضمور المشاعر تدريجياً، نستمر بالزواج العشوائي... نحن نتزوج للحد من فوضى التزاوج الجنسي، للاستمرار في تنظيم الأسرة، للحفاظ على هذا المبدأ الذي اخترعه الرجل لضمان توزيع الإرث. لأي شيء إلا الحب الحقيقي.منزل، أفراد، تكاثر، وعلاقة طبقية بين زوجين. هذا هو الزواج. النساء في منطقتنا تؤمن بأن الحياة مع رجل هو عالم الأمان الوحيد، يكفيها أن يقال انها متزوجة، ولو كان يشبعها ضرباً يومياً.وكزوجة فإنها تكتشف مواعدة زوجها لنساء، ستغمض عينيها ليستمر الزواج. هذه ليست خيانة بنظرها أو بنظره، حتى أن عقد الزواج من الناحية القانونية لا يتضمن بنداً يشترط ألا يخون الزوج زوجته أو ألا تخون الزوجة زوجها. قد تتم معاقبة الزاني أو الزانية إذا ما أحيل الأمر للمحكمة. لكن العقد لا يحمل عهداً زوجياً بالإخلاص.كنت أعتقد أن عقد الزواج لدينا غير عادل بالنسبة لحقوق الأطراف. إذ يشترط أن تكون عذراء ولا يكون بكراً، يتزوج عليها وتحرم ذلك، يطلقها بكلمة وهو متمدد على أريكته ولا تملك تلك العصمة. يصبح وصيا عليها وليس لها الحق بذلك... لكن شيئاً من العدالة يلوح حين نتذكر الثمن الذي تقبضه العروس لحظة توقيع العقد إعلاناً عن رضاها على كل تلك التنازلات.هناك أناس ربطهم الحب سنوات، وبعد الزواج بأشهر تم الطلاق. تحويل المشاعر إلى ارتباط مؤسساتي وعقود قانونية ومبالغ مالية قد يقضي عليها، لكنه لن يقضي على الرغبة لذا يلجآن لما نسميه بـالخيانة الزوجية، رغم أن العقد ورقة صورية لإرضاء المجتمع ولا يجب أن يأخذ ذلك الحيز من التأثير. مشاكل الزواج من أعقد الأحجيات. لست أفكر بحلها، أنا أفكر بضرورتها. يقول صديقي الإعلامي زياد نجيم (زواج على وزن زوال) . إن كان تعداد السكان في دولة ما يسير وفقا للإطار المرسوم أو يزيد، فما الداعي من الزواج؟ عرفياً، ليصون المرء مجتمعه من الخطيئة. ليس تعميماً، لكن المتزوجين هم أكثر من يرتكب ما يسميه المجتمع والعرف بـ (الخطيئة). لا تحتاج المسألة لإحصائية، راقبوا أغلب المتزوجين حولكم وستدهشكم النتيجة. - أخونه مع أعز أصدقائه، هذا انتقامي من خيانته وإهماله.فأيهما أشرف للمجتمع؟ الاستغراق في أسرة منحلة أم البقاء في استقرار العزوبية ريثما الوصول إلى زواج منظم روحانياً وأخلاقياً؟بماذا يشعر الأزواج؟ بالاختناق، بالملل، بالرتابة والروتين.ورغم ذلك فليس أسهل من اتخاذ قرار كالزواج هنا، يتخذ القرار في لحظة ويفسخ في أقل من جزء من الثانية.بلحظة تتم المغامرة، ويتم اختيار شخص سيرافقها أو ترافقه بأدق الخصوصيات حتى الممات. فلم يكن البحث عن رفيق للروح إنما عن مكملات اجتماعية.تقول سيدة، أنتم الأجيال الحالية تعقدونها، في زماننا ما كان لنا حق الاختيار، لكن احسبيها صار لنا نحو خمسين عاما متزوجين».الجميع يقيس نجاح الزيجات بعدد الأعوام. ضربها، خانها، وما استمر الزواج لولا أنها صبرت لأجل كبريائها أمام المجتمع، ولتسحق كبريائها أمام زوج يمل سريعاً، زوج يعتقد أن من حقه معاشرة كل الإناث. فبيده مصدر السلطة، المال...زوجة وعشيقة، أو زوج وعشيق. وليحكى أن الزواج ناجح.الزواج الناجح يتطلب مجتمعات ترحم المخلصين، تحتوي الفضيلة. ولأننا مجتمعات تمتلك تعريفاً مشوشاً للفضيلة والشرف، فستبقى قهوة الصباح شاهدة على خدعة كبيرة اسمها الأسرة السعيدة.قهوتي اليوم أشربها وحيدة، لكن مصادر الأمان اختلفت، لم تعد بين أزواج وزوجات وكبار في السن، هناك أشياء أخرى توفر الأمان، حقيقية ومن الظلم أن أغفلها.كاتبة واعلامية سعوديةAlbdairnadine@hotmail.com