تفاجأت الساحة السياسية في الكويت بثقافة جديدة تمثلت في رفع عرائض سياسية خارج القنوات الدستورية، وهو ما اضطر مجلس الأمة إلى مناقشة تلك القضية في جلسة سرية. وللأسف ان مثل هذه الثقافة لا تظهر إلا مع حالة الضعف والتخلف التي تصيب الأمة. ولعل أشهر ظهور لها كان بعد سقوط القدس وفلسطين بيد الاستعمار البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى، وصدور «وعد بلفور» الذي معه ازداد تدفق المستوطنين الصهاينة، وما تبع ذلك من صدامات مع العرب في فلسطين الذين فاجأتهم هذه الهجمة الشرسة وبرعاية بريطانية. وهنا بدأ العرب في فلسطين بتوجيه عرائض الاستجداء لبريطانيا، راعية الاستيطان، ولعصبة الأمم التي شرعت للوجود البريطاني والاستيطان الصهيوني، لوقف هذه الهجمة. والتاريخ يثبت لنا مدى نفع هذه العرائض وثقافتها، وعجزها عن تحرير فلسطين.قد يعذر القارئ الكريم أهل فلسطين هذا الأسلوب العقيم، والثقافة المتخلفة في ذلك الوقت، لكن ما العذر لظهور هذه الثقافة في وطننا، وما الداعي للعريضة التي وقعتها مجموعة دواوين وأفراد في ظل وجود المؤسسات الدستورية، التي تكفل لكل فرد قنوات دستورية شرعية يستطيع من خلالها تقويم عمل هذه المؤسسات.ثقافة العرائض لو كان فيها خير ما سبقنا إليها المثقفون في الجوار ولأحدثت التغيير المطلوب، ولكنها في الحقيقة إرضاء وهمي لروح المثقف وضميره بأنه عمل ما عليه تجاه أمته. ووسيلة للملأ لترسيخ الواقع المتخلف، ووأد أي محاولة للإصلاح والتنمية للأمة، وهذه سنة الملأ منذ ظهورها على هذه البسيطة.أخطر ما في الأمر أن تصبح هذه الثقافة القائمة على الاستعطاف والاستجداء سائدة بيننا في هذا الوقت الذي يجب أن نحرص فيه على حماية مكتسباتنا، وحقوقنا الشرعية والدستورية من خلال تعزيز العمل بها، وترسيخ ثقافة الحرية والعدل والمساواة، وثقافة العمل البناء والمبادرة من أجل تحقيق مزيد من الحريات والحقوق لضمان الاستقرار والازدهار. إن التاريخ يثبت لنا ان ثقافة العرائض مرتبطة ارتباطاً عضوياً بالاستعمار والتخلف والاستبداد، ونحن في الكويت نتمتع بنظام ديموقراطي يغنينا عن هذه الثقافة ولنا في التاريخ عبرة.
سيف رشدان الهاجري
كاتب وناشط سياسي كويتيbinrashdan@yahoo.com