هل ترسم «خطة الفجر» الامنية التي بدأ الجيش اللبناني تطبيقها امس في طرابلس «خط النهاية» على 20 جولة من المواجهات الدموية (في ستة أعوام) في هذه المدينة ذهب ضحيتها اكثر من 200 قتيل و1500 جريح؟ وهل يؤشر انتشار الجيش اللبناني في منطقتي جبل محسن (العلوية) وباب التبانة (السنية) بعد فرار قسم كبير من «امراء» القتال وأبرزهم الزعيم العلوي علي عيد ونجله رفعت الى إخماد نهائي لـ «وليمة النار» التي أدخلت طرابلس في نفق اقتتال مفتوح منذ العام 2008 ويشكّل في جانب منه امتداداً لـ «التاريخ الدموي» الذي يعتمل منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، قبل ان يعيد الصراع السياسي المحتدم في لبنان بين قوى 8 و 14 آذار نكء جراحه، ليستعيد «خط التماس» المذهبي دوره الاستقطابي مع اندلاع الثورة السورية ووقوف الطرفين واحد مع المعارضة والآخر مع النظام؟هذان السؤالان حضرا بقوة امس مع بدء تنفيذ الخطة الامنية التي وصفت بانها الأكثر جدية وحزماً لاعادة بسط سلطة الدولة والقانون والاستقرار على المدينة بما يفترض ان ينهي المعاناة الطويلة من العنف والقتال والاشتباكات وجولات الاحتراب الاهلي فيها التي اندلعت العملية العسكرية لـ «حزب الله» في بيروت في 7 مايو 2008.واتسمت طلائع تنفيذ الخطة بكثير من الحزم عاكسة قوة القرار السياسي والعسكري الذي يغطي تنفيذها والذي رسم علامات استفهام حول «سرّ» القرار الكبير الذي صدر وبغطاء من «حزب الله» و«تيارالمستقبل» بسحب هذا «الفتيل» الذي لطالما تمّ توظيفه وتحديد «توقيت» إشعاله بما يخدم سواء إلباس الطائفة السنية «ثوباً قندهارياً» او لإبقاء طرابلس على تماس مباشر مع الأزمة السورية و«ملعب نار» لتوجيه الرسائل في «التوقيت المناسب» في هذا الاتجاه او ذاك. وثمة مَن رأى انه بعدما تحوّلت طرابلس «رسميا» مع تفجير مسجدي السلام والتقوى فيها في 23 اغسطس الماضي «ساحة اشتباك» اقليمي، فان تفكيك «لغم» جبل محسن - باب التبانة لا يمكن عزله عن مجمل المناخ الراغب في إبقاء لبنان «ساحة تقاطُع» اقليمية سواء انطلاقاً من ضرورات تأمين كل مقومات التصدّي للإرهاب الذي شق طريقه اليه او لعدم «حرق المراكب» في العلاقة خصوصاً بين الرياض وطهران في غمرة معركة تحديد نفوذ كل منهما في المنطقة وساحاتها الساخنة.وقد حُشدت لبدء العملية قوى كبيرة من الجيش انضمت اليها قوة من الأمن الداخلي (بينها قوة ضاربة من فرع المعلومات) والأجهزة الامنية تضم 1400 عنصر و63 ضابطاً في خطة منسقة جيدا بدأ تطبيقها بدهم بعض القادة البارزين لا سيما منهم زعيم العلويين في جبل محسن رفعت عيد الذي غادر المنطقة قبل يومين الى جهة مجهولة فيما غادر والده النائب السابق علي عيد الى سورية علما ان الاخير مطلوب بمذكرة توقيف في قضية تهريب احد المتهمين بتفجير المسجدين في طرابلس.وعلى «وهج» اكثر من 120 استنابة قضائية اصدرها القضاء وشكلت واحدة من أبرز الخطوات التمهيدية لإنجاح الخطة على قاعدة تفادي إراقة أي نقطة دم، وفي المقابل تطبيق القانون على الجميع من دون تمييز، باشر الجيش عملية الانتشار من جبل محسن حيث دهم منزل رفعت عيد (وصادر جهازي لاسلكي). وفي موازاة مشاركة مروحيتين بعملية مراقبة بدء الخطة وقطع الاتصالات عن طرابلس، تم تنفيذ سلسلة عمليات دهم في مختلف انحاء المدينة اوقف فيها عشرات المطلوبين «من الصف الثاني» فيما لوحظ ان غالبية قادة المحاور من السنّة لاسيما في القبة تواروا عن الانظار وتركوا المدينة مسبقاً.وكان لافتاً ايضاً دهم شقة في طرابلس لاعتقال الداعية الاسلامي عمر بكري فستق الا انه لم يكن موجوداً بداخلها، علماً ان بكري الذي كان غادر لندن بعد تفجيرات 7 يوليو 2005 ثم منعته السلطات البريطانية من دخول اراضيها، اوقفته شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي في نوفمبر 2010 بعد صدور حكم غيابي عن القضاء العسكري بسجنه لمدى الحياة لادانته بجرم «الانتماء الى تنظيم مسلح بهدف القيام بأعمال ارهابية». وبعد ايام تم اطلاق سراحه عقب موافقة المحكمة العسكرية الدائمة على طلب محامي بكري في حينه نائب «حزب الله» نوار الساحلي تخلية سبيل موكله في مقابل كفالة، لتبدأ بعدها اعادة محاكمته لأنه مع مثوله أمام المحكمة سقط الحكم الغيابي الصادر بحقه واعتُبر كأنه لم يكن.وفي موازاة ذلك، اتجهت الانظار الى البقاع الشمالي المشمول بالخطة الامنية من خلال صدور مذكرات توقيف وجلب بحق مطلوبين بسرقة سيارات وعمليات خطف وبالضلوع في أعمال إرهابية، وسط مخاوف من استهدافات للجيش في محاولة لعرقلة عمله لاسيما بعد الهجوم الانتحاري على احد حواجزه في جرد عرسال يوم السبت والذي تبنته مجموعة «لواء احرار السنّة - بعلبك»، والذي استُتبع فجر امس بضبط سيارة «هوندا سي ار في» مفخخة بـ 120 كيلوغراماً من المتفجرات في وادي حميد (عرسال) نجح الجيش امس في تفكيكها.