عكس مسار التطورات الداخلية في لبنان في الأيام الأخيرة حقيقة مثبتة تقريباً من شأنها استبعاد اي تطورات جدية قريبة في ملف الانتخابات الرئاسية رغم مرور ثلاثة أيام من بدء المهلة الدستورية لإجرائها المحددة بشهرين والتي انطلقت في 25 مارس الجاري.فالمشهد الداخلي بدا اقرب الى الغرق في اولويات وملفات ملحة لا مكان بينها بعد لتركيز الجهود على الاستحقاق الرئاسي، كما ان الانطلاقة الحكومية امس في برمجة الخطوات الأمنية والادارية والاجتماعية المتراكمة ستفرض الافساح أمام الحكومة لإنجاز بعض الامور الضاغطة قبل التفرغ لانجاز الاستحقاق الرئاسي.ولعل العوامل التي تثبت هذا الاتجاه تَعاقبت في الساعات الاخيرة من خلال مجموعة تطورات اكتسبت دلالة مهمة حول التريث في فتح ملف الاستحقاق الرئاسي رسمياً. وكان أبرز هذه المؤشرات في تقدُّم الملف الأمني والأمور الادارية الملحة على جدول اعمال مجلس الوزراء الاول عملياً في حكومة الرئيس تمام سلام (بعد نيل الثقة) والذي انعقد امس لإقرار خطة أمنية شاملة لكل من طرابلس والبقاع الشمالي ناهيك عن اتخاذ قرارات عاجلة في شأن تعيينات وملفات ادارية اخرى ترتدي طابع الالحاح.وتَرافق ذلك مع إعداد رئاسة مجلس النواب من جانبها لجلسة تشريعية ستعقد الاسبوع المقبل وتستمر ثلاثة ايام لإقرار مجموعة كبيرة من المشاريع والقوانين قد يفوق عددها الخمسين نظراً الى انقطاع العمل التشريعي منذ اكثر من 11 شهرا تراكمت خلالها عشرات المشاريع الملحة، بينها مثلاً مسألة تعني كل العاملين في القطاع العام وهي سلسلة الرتب والرواتب الجديدة التي أثارت ولا تزال اضطرابات وظيفية واجتماعية.ويبدو ان هذا المسار الاضطراري الذي تمليه على الحكومة والبرلمان حالة ازدحام الاولويات المتعلقة بكل نواحي الحياة العامة في لبنان ولا سيما الأمنية والاجتماعية، يأتي بعد فترة شلل رسمي عطّل كل القطاعات ولم يعد ممكناً بعد انطلاق الحكومة إلا محاولة التعويض ولو بطريقة محدودة عن هذا التعطيل.وتقول اوساط وزارية ونيابية معنية لـ «الراي» ان ثمة ما يشبه القناعة الضمنية لدى غالبية المسؤولين بانه لا بد من توظيف المناخ الذي نشأ عن تركيبة الحكومة التي تضمّ معظم الاطراف السياسيين للقيام بالحدود الدنيا الاضطرارية لمعالجات الامن والاقتصاد والاجتماع قبل الانصراف بالكامل الى استحقاق الانتخابات الرئاسية الذي تستبعد هذه الاوساط ان يحصل تطور جدي في شأنه قبل نهاية ابريل المقبل وربما ابعد الى حدود 15 مايو اي قبل ان يصبح مجلس النواب في حالة انعقاد حكمي تملي عليه التحول هيئة ناخبة منعقدة باستمرار الى حين انتخاب الرئيس الجديد.ولاحظت الاوساط في هذا السياق ان رئيس البرلمان نبيه بري احتفظ لنفسه بهامش واسع من الحركة عبر تأكيده اول من امس انه سيدعو الى جلسات عدة للتشريع قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان ولم يعلن اي موعد مبدئي لدعوة مجلس النواب الى انتخاب الرئيس. بل ان اللافت في هذا السياق ان بري تجاهل المطلب الملحّ للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بضرورة بدء انعقاد الجلسات الانتخابية اعتباراً من الاثنين المقبل استعجالاً منه لانجاز الاستحقاق، فلم يعلّق بري على الدعوة البطريركية لا سلباً ولا ايجاباً تاركاً للجنة التواصل النيابية التي شكّلها ان تطلب موعداً من البطريرك حُدد يوم الاثنين المقبل للبحث مع الراعي في الملف الرئاسي.وتعتقد الاوساط عيْنها ان ثمة توتراً مرشحاً للتصاعد بين بكركي وبري في شأن اجراءات الدعوة الى الجلسات الانتخابية التي تستعجلها الكنيسة المارونية من الناحية الدستورية الصرفة بمعزل عن حصول توافق سياسي واسع على تأمين نصابها (ثلثا اعضاء البرلمان) ام لا، فيما يلتزم بري ومعه افرقاء آخرون التريث لتمرير ما يفترض تمريره من ملفات في مجلسيْ الوزراء والنواب ومن ثم بناء توافق سياسي اساسي للشروع في مواجهة الاستحقاق الرئاسي. ولكن بعض نواب قوى 14 اذار يذهبون في هذا الامر الى التلميح الى نية مقصودة لدى بري في زيادة عوامل التريث بحجة تراكم الملفات التي تفرض جلسات تشريعية لا انتخابية اذ يعتقدون رئيس البرلمان ومعه بعض اللاعبين الآخرين مثل النائب وليد جنبلاط يطمحان الى الاضطلاع بدور داخلي اساسي يوجه دفة الاستحقاق الرئاسي، ولذا قد تبرز قريباً ملامح مواجهة سياسية حول هذا التريث في دعوة المجلس الى الانعقاد في جلسات انتخابية.وكان مجلس الوزراء اللبناني اجتمع امس بجدول أعمال مثقل بملفات بعضها «حساس» نظراً الى طابعه الامني، وسط مخاوف من ان تفجّر بعض البنود خلافات بين الوزراء وتضع الحكومة امام اهتزاز مبكّر لصورتها.وتحت وطأة الرغبة في تفادي اي «احتكاكات» بين فريقي 8 و14 آذار في الحكومة، تم إرجاء ملفات خلافية وخصوصاً بند تحويل فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي (محسوب على 14 آذار) الى «شعبة» نتيجة تحفظ 8 آذار على ذلك، اضافة الى قضية التمديد لنواب حاكم مصرف لبنان (تُبت في جلسة حكومية الاثنين) في حين جرى إقرار تمديد مهلة إعطاء حركة داتا الاتصالات كاملة ابتداء من تاريخ الأول من ابريل 2014 والطلب الى وزير الاتصالات اتخاذ التدابير اللازمة لتأمينها للأجهزة الأمنية مع تحفظ وزراء بري واعتراض وزراء «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» (يقوده العماد ميشال عون).وساهم هذا الإرجاء في سحب فتيل توتير اجواء الجلسة التي اقرت فيها الخطة الامنية للشمال والبقاع التي وضعها المجلس الاعلى للدفاع أول من أمس ووفرت غطاء سياسياً جامعاً للجيش اللبناني ولا سيما في مقاربة «لغم» طرابلس.