تصوروا لو أن رجلاً اشتهر بين قومه بالتصدي للمجرمين واللصوص قد قام بتكبيل أحد المجرمين ليقتاده إلى العدالة، وإذا بدورية تمر لتقبض على هذا الرجل وتترك المجرم طليقاً، ماذا سيكون رد فعلنا على ذلك الموقف؟! الجواب هو أن هذه الدورية بلا شك متواطئة مع المجرمين ضد أهل الخير وأهل العدل.لقد صاح أهل الكويت بنفس واحد من كبيرهم إلى صغيرهم رداً على الاتهامات الأميركية لجمعية إحياء التراث الإسلامي بدعم الإرهاب والقاعدة: «العبوا غيرها فقد انكشفتم»، ولم تبق جهة في الكويت بدءاً بسمو أمير البلاد حفظه الله إلى أصغر إنسان الا واستهجن هذا الاتهام الباطل واعتبر أن وراءه مؤامرة خسيسة تريد الولايات المتحدة أن تحيكها ضد العمل الخيري في الكويت بهدف استئصاله، بل بدأ الكثيرون بربط هذه المؤامرة بالانتخابات الكويتية الأخيرة أو بوشاية من جهات تريد تدمير الخير في هذا البلد، وانقلب السحر على الساحر.يقول أحد كبار المسؤولين الكويتيين تعقيباً على ذلك الاتهام: هذا يدل على غباء الأميركيين، إذ اختاروا من لا يشك أحد ببراءته من الإرهاب ومن يعلم الجميع دوره المميز في محاربته والتصدي له.وفعلاً يتعجب المرء كيف تتجرأ الولايات المتحدة على حياكة مثل ذلك الاتهام لجمعية يقوم منهجها منذ نصف قرن من الزمان على كشف حقيقة الإرهاب والتصدي له، حتى قبل أن ينتشر العنف والإرهاب في العالم العربي والإسلامي: آلاف الكتب والندوات والأشرطة الواضحة البينة في تشخيص مفهوم الإرهاب ورأي الإسلام فيه، وتحذير الشباب من الانزلاق وراء أمور قد تبدو في ظاهرها طبيعية ولكنها قد تقود في النهاية إلى الإرهاب، حتى اعتبرهم البعض من عملاء السلاطين ومن المخذلين للناس عن الجهاد - بحسب مفهومهم الخاطئ - لكن الجمعية لم تبال وسارت على هذا النهج، وكانت أول من تصدى لفتنة جهيمان في مكة المكرمة، وفتنة الحرب الطائشة ضد الحكومة في سورية وضد أعمال الجماعة الإسلامية وحركة ا لجهاد في مصر، وضد حركات العنف في الجزائر وضد مفاهيم الجهاد الخاطئة والخروج على الحكام المسلمين وغيرها.ورب سائل يسأل: إذا كانت الجمعية لا تعرف غير الطريق السلمي للدعوة في بلادها، فكيف نتصور أن تقوم بدعم جهات لا تعرف غير الإرهاب في الخارج؟! وإذا كان جل عملها هو إحياء الناس بإطعام الجائع وكسوة العريان وكفالة اليتيم، فكيف تتبنى صناعة الموت في الخارج وتدعم من لا يعترف أصلاً بتلك الأمور وإنما يرى منهجه في تقويض الأنظمة والمؤسسات ونشر الدمار في العالم؟!بل السؤال الأهم هو: هل يعقل ألا تستطيع الإدارة الأميركية خلال سبع سنوات من تحريها من الحصول على دليل واحد يثبت ما تقوله، وهي التي تملك أكبر أجهزة المخابرات في العالم، وما هو السر في إثارة هذا الموضوع الميت بعد هذه الفترة الطويلة؟! هل هي الانتخابات الرئاسية المقبلة والرغبة في خلق عدو تشغل به شعبها وتوجه اليه الأنظار؟! وماذا يعني تغني الإدارة الأميركية بالتحالف الاستراتيجي مع الكويت والمدح الدائم لها إذا كانت لا تتوانى عن اتهام الكويت في كل مناسبة من المناسبات بانتهاك حقوق الإنسان والاتجار بالبشر ودعم الإرهاب، بينما تعقد الصفقات مع دول ومنظمات وجماعات قد جعلت من الإرهاب غذاءها وشرابها؟!
د. وائل الحساويwae_al_hasawi@hotmail.com