لم تكن مجرد مصادفة ان تتوصل الحكومة اللبنانية الى تسوية أمكن عبرها إنجاز البيان الوزاري ليل الجمعة في وقت تحتدم فيه الوقائع الميدانية والديبلوماسية المتعلقة بالازمة السورية مع مرور ثلاثة أعوام على اندلاع الثورة السورية. حتى ان معظم المعطيات السياسية المثبتة عن الاتصالات والمساعي الكثيفة التي شهدتها بيروت في الأيام الأخيرة تشير بوضوح الى ان ضغوطاً دولية قوية مورست على مختلف الأطراف من اجل التعجيل في وضع البيان الوزاري للحكومة ونيلها الثقة البرلمانية الاسبوع الجاري سعياً الى تحييد لبنان ما أمكن عن التداعيات المقبلة الاضافية للأزمة السورية عليه سياسياً وأمنياً واقتصادياً.وتجلى هذا الامر في محطتين متلاحقتين الاولى كانت في يوميْ الخميس والجمعة الماضيين عندما ساهم ممثلو وسفراء دول كبرى ولا سيما منهم السفير الاميركي ديفيد هيل - رغم وجوده في واشنطن للإعداد للشق اللبناني من جدول اعمال زيارة الرئيس الاميركي باراك اوباما للسعودية - في حضّ الأطراف اللبنانيين بقوة على التوافق على البيان الوزاري. والثانية كانت مساء السبت عندما استُكملت هذه الضغوط على قيادة حزب الكتائب لحضّها على عدم استقالة الوزراء الثلاثة للحزب احتجاجاً على الفقرة المتعلقة بموضوع المقاومة في البيان الوزاري وعدم ربط «الحق للمواطنين اللبنانيين في المقاومة» بمرجعية الدولة.وتبعاً لذلك يدخل المشهد اللبناني من اليوم مرحلة جديدة تتصف بالغموض التصاعدي نظراً الى تداخُل العامل الايجابي المتمثل في إنقاذ الحكومة من الانهيار من جهة وتدافُع الاستحقاقات والتطورات التي ستواجه لبنان من جهة اخرى. ولم يكن أدلّ على هذا السباق من ان عاصمة الشمال طرابلس ظلت رازحة لليوم الرابع تحت الجولة العشرين من القتال التي ارتفع عدد قتلاها الى اكثر من 12 قتيلاً ونحو 60 جريحاً اضافة الى تداعيات التقارير عن سقوط مدينة يبرود السورية على المناطق اللبنانية المقابلة ولا سيما عرسال البقاعية التي تلقت جرودها سلسلة غارات سورية بعد فرار مسلحين اليها.اما من الناحية السياسية فان الساعات الثماني والاربعين المقبلة ستشهد تكثيفاً للمساعي من اجل معالجة موقف حزب الكتائب الذي اعلن ان وزراءه سيستقيلون قبل جلسة مجلس النواب لمناقشة البيان الوزاري التي تبدأ الاربعاء ما لم تجر «معالجة رسمية للالتباس الخطير في دور الدولة ومكانتها وسيادتها ومرجعيتها في القرار الوطني». واذ يشترط الحزب ربط المقاومة بتعبير مباشر بدور الدولة ومرجعيتها، فان مصادر وزارية من القوى الاخرى المشاركة في الحكومة استبعدت اي امكان لإعادة إدخال تعديلات جديدة على البيان الوزاري بعدما تم التوافق على الصيغة التي تناولت موضوع التحرير والدولة والمقاومة بـ «شقّ النفس» بحيث ان محاولة جديدة لتعديل هذه الفقرة تعرّض الوضع الحكومي كلاً للاهتزاز.وقالت المصادر في هذا السياق ان المساعي بدأت واقعياً مع رئيس «الكتائب» امين الجميل منذ السبت لإقناع حزبه بعدم الاقدام على استقالة وزرائه الثلاثة وتواصلت هذه المساعي امس وستستمر اليوم وغداً. لكن في حال عدم التوصل الى نتائج ايجابية واستقال الوزراء فان الامر سيعالج عندها باجراءين: الاول يتولى حقائب الوزراء المستقيلين وزراء اخرون بالوكالة تبعاً لمرسوم توزيع الحقائب بالوكالة، وتبدأ المشاورات لتعيين وزراء جدد مكان المستقيلين. ولكن المصادر بدت مستبعدة إقدام الوزراء على الاستقالة على ان يكتفوا بتسجيل رفضهم وتحفظهم عن فقرة المقاومة في البيان الوزاري. علماً ان اوساطاً مراقبة وضعت تشدد «الكتائب» بنوع من «المزايدات» داخل الساحة المسيحية بين هذا الحزب و«القوات اللبنانية» التي كانت رفعت السقف الاعلى برفضها اولاً المشاركة مع «حزب الله» في الحكومة قبل ضمان اتجاهه للانسحاب من سورية رابطة منح الحكومة الثقة بوضع المقاومة تحت مرجعية الدولة المباشرة، وهو ما يحرج «الكتائب» التي تتنافس و«القوات» على اجتذاب المسيحيين المؤيدين لـ «14 آذار».وستعقد جلسة مجلس النواب لمناقشة البيان الوزاري يوميْ الاربعاء والخميس المقبلين وتنتهي بالتصويت على الثقة النيابية بالحكومة، علماً ان هذا الاجراء سيأتي قبل ايام قليلة فقط من بداية المهلة الدستورية للانتخابات الرئاسية في 25 الجاري. وقالت مصادر نيابية قريبة من رئيس البرلمان نبيه بري انها تتوقع ان يدعو الاخير بعد جلسات الثقة الى جلسة تشريعية واحدة على الاقل من اجل التصديق على مجموعة مشاريع وقوانين ملحة قبل ان يدعو للمرة الاولى الى جلسة انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية باعتبار ان المجلس يصبح هيئة ناخبة لا يمكنه التشريع عند توجيه الدعوة الاولى للانتخاب.في موازاة ذلك، عاشت طرابلس نهاراً متوتراً امس وسط استمرار عمليات القنص غداة ليل من الاشتباكات العنيفة بين جبل محسن (العلوية) وباب التبانة (السنية) التي استُخدمت فيها الاسلحة الرشاشة والقذائف ولم توفر الجيش اللبناني الذي اعلن ان ناقلات جند تابعة له تعرّضت في محلة الملولة الى قذائف صاروخية ورمانات انيرغا من عناصر مسلحة ما ادى الى مقتل عسكري واصابة اربعة آخرين بجروح.واكدت قيادة الجيش ان عناصرها «تقوم بالرد على مصادر النيران وإطلاق القذائف المضيئة لتحديد أماكن تواجد مطلقي النار لتوقيفهم وإحالتهم على القضاء المختص».
خارجيات
اشتباكات ليلية عنيفة بين جبل محسن وباب التبانة
ضغوط دولية لضمان انطلاقة الحكومة اللبنانية ومساعٍ لتطويق «لغم» حزب «الكتائب»
07:12 م