في الرابع عشر من يونيو 2007 تمت السيطرة التامة لحركة «حماس» على قطاع غزة بعد معركة دامية مع عناصر من حركة «فتح»، ومن يومها انفردت حركة «حماس» بالسلطة تماماً في القطاع الذي يسكنه ما يقارب من مليون ونصف المليون فلسطيني.والحقيقة، إن شكل إدارة العمل السياسي في قطاع غزة يشبه بقوة «الشكل الجمهوري» غير المعلن، وإن كان واقعاً على الأرض ومعلوماً للجميع ولم يبقَ إلا رفع الستار فقط بإعلان رسمي لجمهورية غزة. فقد تمسكت «حماس» ببقاء مجلس الوزراء، وأعادت تشكيله وتوزيع الاختصاصات والحقائب تحت قيادة إسماعيل هنية، وأيضاً كان المجلس التشريعي موجوداً، رغم القبض على رئيسه وعدد كبير من أعضائه بواسطة الاحتلال اليهودي، بخلاف وجود آخرين في الضفة الغربية. ولكن «حماس» أبقت على عمل المجلس بمن بقي فيه في غزة وأبقت على دوره سياسياً.ولا تفوتنا الإشارة إلى أهم مظهر للسيادة بعد السلطة التنفيذية والتشريعية، ألا وهو القوة المسلحة التي بسطت سيطرتها تماماً على قطاع غزة، وفرضت الأمن على جميع القطاع، وأعادت هيبة القانون إلى الشارع الغزاوي ومجلس الوزراء الحمساوي هو المتصرف في التعليم والصحة والاقتصاد والعدل (القضاء) والصناعة والتجارة وغيرها من سلطات تصريف وتنفيذ السياسات. هل بعد ذلك تبقى «جمهورية حماس» «محل شك»؟ لا أظن خصوصاً أن الحصار الاقتصادي والسياسي لقطاع غزة بسبب انفراد «حماس» بالقطاع هو تعبير حقيقي من الذين حاصروا برفض الاعتراف السياسي بالجمهورية المستقلة. لذلك كانت الاعتراضات الأميركية والصهيونية على زيارة المسؤولين الغربيين، ومنهم الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، ولقائهم بأعضاء من «حماس» لأن ذلك يُعد بمثابة اعتراف شبه رسمي بالجمهورية الحمساوية. ولقد تعرض قطاع غزة أو جمهورية «حماس» مرات كثيرة لا تحصى إلى هجوم بربري وحشي من القوات الصهيونية المجرمة قتل فيه المئات من أبناء غزة، وذلك كله بقصد تنحي «حماس» عن السلطة وتسليمها إلى من يرضى بالاستسلام لليهود. ولكن شعب جمهورية غزة صمد، وحكومة غزة صمدت، والإرادة السياسية للجمهورية الحديثة صمدت، رغم جميع التهديدات والضغوط والقتل والحصار والتجويع، وكلها وسائل تهزم الدول العتيقة، ولكن الجمهورية الحمساوية الحديثة صمدت وقاومت ونجحت في الصمود حتى الآن. ويبقى أن كل ما يقال عن محاولات لصدع الخلاف بين «حماس» و«فتح»، والتي انتهت جميعها بالفشل مروراً بـ«اتفاق القاهرة» إلى مكة إلى صنعاء إلى ما يقال الآن عن الدوحة حتى السنغال كلها ستنتهي بالفشل، لأننا أمام واقع جديد لم تفق «فتح» من صدمته بعد، وإن كانت دعوة أبو مازن الأخيرة للحوار هي محاولة للاتفاف على الواقع الجديد. لكن السؤال: من هذا الغبي الذي يترك جمهورية مستقلة فيها مليون ونصف المليون لينضوي تحت إدارة حكم ذاتي محتلة؟ وأخيراً جميع أحاديث الفلسطينيين وغيرهم عن الوحدة الفلسطينية الوطنية كلها لا تسمن ولا تغني ولا جدية فيها على أرض الواقع، فالحركات الفلسطينية كلها منذ نشأتها كانت مختلفة، ولم تتحد حتى في ظل إطار منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت إطاراً لشكل سياسي فقط. والواقع على الأرض كان يفضحه بالخلاف، ولكن الفلسطينيين والعرب الآن أمام متغيرات كثيرة في المنطقة العربية في العراق والصومال ولبنان، ومتغيرات دولية وخطط دولية كثيرة لتغيير المنطقة العربية من الشرق الأوسط الجديد إلى الأورو متوسط إلى الاتحاد المتوسطي، وكل يوم يأتي بخطط ومؤامرات جديدة للعرب بخلاف ظهور توازنات قوى لم تكن موجودة على ساحة الصراع من أجل فلسطين من قبل.لذلك على الجميع فلسطينيين وعرباً القبول بالجمهورية الحمساوية الجديدة، حتى إن كانت محاصرة مضطهدة، لأنها بداية التفاعل والرؤية الحقيقية للأحداث، ويقيناً فإن العدو الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية يعترفان بالجمهورية الجديدة على أرض الواقع في تخطيطهم الاستراتيجي سواء بالقضاء عليها أو الحوار معها، لذلك مهم جداً من الفلسطينيين المختلفين مع «حماس» الاعتراف بالواقع. ومهم جداً من حركة «حماس» أن تعي دورها الجديد، وتكون على قدر مسؤولياتها الجديدة وعدم التفريط في مكتسباتها تحت زعم المناورات السياسية، فـ «حماس» لم تكسب من السياسة شيئاً مطلقاً، بل كسبت من الصمود جميع مواقفها، ومبروك عام جديد على جمهورية «حماس» الغزاوية المعترف بها من الشعوب العربية والإسلامية فقط.

ممدوح إسماعيل

محامٍ وكاتب مصريelsharia5@hotmail.com