كفى عنفاً... كفى قتلاً... كفى دماء... صرخة أطلقتها نساء لبنان ضد موجة العنف بحقهنّ التي تزداد ارتفاعاً يوماً بعد يوم لـ «تلتهم» مزيداً من الضحايا اللواتي يسقطن بـ «دم بارد» وسط غياب التشريع الرادع وتساهُل مع «الوحش» الذي اما يبقى حراً او تتم تخليته وفق تقارير طبية «تغسل يديه» من دم شريكة حياته بعد ان يكون ضربها حتى... الموت.بالآلاف نزلوا. نساء ورجالاً احتشدوا، وممثلون عن المجتمع المدني والجمعيات الأهلية تواجدوا. من منطقة المتحف في بيروت انطلقوا في مسيرة الاحتجاج التي نظمتها جمعية «كفى عنف واستغلال» باتجاه قصر العدل، حيث رفعت اللبنانيات في «يوم المرأة العالمي» الصوت عالياً رفضا لما يتعرضن له من تعنيف واذلال واستغلال، ومن أجل ادراج مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري على جدول الهيئة لمجلس النواب لاقراره، وهو المشروع الذي سبق للحكومة اللبنانية أن أقرته عام 2010، لكنه علق بعد ذلك في أدراج مجلس النواب لفترة طويلة بسبب تحفظات لمرجعيات دينية على بنود فيه ولاسيما «الاغتصاب الزوجي» وهي تحفظات تم الأخذ بها في اللجان النيابية واعترضت عليها الهيئات النسائية لتنجح بعدها في فرض اعادة النظر بتجريم اكراه الزوجة على الجماع، ولو أن التعديلات اكتفت بتجريم الضرب والايذاء والتهديد للحصول على ما أسمَتْه «الحقوق الزوجية».«اذا بدها شارع للتشريع... نازلين»، هو العنوان الذي اختارته جمعية «كفى» (التي تعنى بشؤون المرأة وبملف العنف الممارس ضدها) للمسيرة التي اقيمت عصر السبت. توحدت أصوات النساء والرجال الذين تواجدوا بأعداد كبيرة دعماً للمرأة ورفضاً لجميع أشكال العنف والقتل التي تتعرض لها ولاسيما أن» مسلسل ترهيب النساء ازدادت حلقاته وتعددت «بطلاته» في الفترة الأخيرة، من رولا يعقوب التي تعرضت للضرب حتى الموت على يد زوجها، الى منال العاصي التي ضربها زوجها بطنجرة ضغط واستمر بتعذيبها على مرأى من أفراد عائلتها، وصولاً الى اتهام زوج كريستال أبو شقرا بدسه مادة الـ«ديمول» القاتلة لها، حتى أن تعنيف المرأة اللبنانية لحق بها الى أستراليا فتوفيت اللبنانية مارغريت طنوس بعد أن تلقت ضربات عدة على رأسها من قبل زوجها، وبالأمس أقدم شاب على طعن شقيقته في العقد الرابع من عمرها في عنقها... وكم من رولا ومنال وكريستال ومارغريت في المجتمع لا يشعر أحد بهن، يتعذبن بصمت، خلف جدران منازلهن حيث يسجل وفاة امرأة كل شهر في لبنان تحت التعذيب والضرب وهو معدّل مخيف! كلمات عبرت عنها بغصة منى احدى المشاركات والمعنفات في حديثها لـ«الراي».منسقة حملة «قانون العنف الأسري « فاتن أبو شقرا أكدت لـ«الراي»: «نحن هنا لمطالبة الرئيس بري بأن يعقد جلسة عامة لاقرار قانون حماية النساء من العنف الأسري. حان الوقت كي يضعوا خلافاتهم جانباً وأن يولوا الاهتمام لمطالب الناس».وعن القانون الذي يطالبن به قالت: «نريد قانوناً رادعاً لئلا تصل النساء الى الموت كما حصل مع كريستال مثلاً. حياة النساء تظل معرضة للخطر في ظل غياب قانون يحميها.. مطلبنا الحماية... مطلبنا أن يقر مجلس النواب مشروع قانون العنف الأسري...».وعن أملها بامكان اقراره قريباً قالت: «نعلم أن الرئيس بري يدعم القانون ونتمنى أن يترجم الاقوال الى أفعال وان ينظروا الى النساء. كل يوم يمر هناك امرأة تُقتل، مسؤولية مَن هذه؟ أليست مسؤولية الدولة و من واجباتها؟».وفي الوقت الذي أشارت احصاءات منظمة «كفى» أن نسب العنف في لبنان الى ازدياد في الأعوام الأخيرة، من 172 حالة في العام 2011 الى 197 في العام 2012 و291 في العام 2013، أكدت رويدة مروّة الناشطة في المجتمع المدني ومديرة المركز الدولي للتنمية والتدريب وحل النزاعات التي خرقت صوت المكبرات المرافقة للمسيرة، أن «64 الف أمرأة متزوجة تعرضت للتعنيف في لبنان وفق آخر الدراسات، ولبنان في المرتبة السابعة والأسوأ عربياً بموضوع حقوق المرأة. واذا لم أكن أنا معرضة للتعنيف مباشرة فان أحداً من عائلتي ومجتمعي معرّض».مروّة أسفت لـ «أننا نعمل بشكل موسمي على موضوع حقوق المرأة بسبب غياب خطط وطنية من الدولة ومن تحالف الجمعيات بشكل عام»، مشددة على ضرورة «عدم تصوير المرأة اللبنانية في الاعلام وكأنها آخذة كامل حقوقها فقط لأنها تتعلم وتعمل ويحق لها الترشح للانتخابات»، مضيفة: «مَن يحمي المرأة اللبنانية من التحرش الجنسي في العمل، وهل هناك من ينصفها؟».وعن سبب عدم اقرار قانون حماية المرأة من العنف الأسري تقول: «الموضوع لا يتعلق فقط بمجلس النواب لأنه لا يتجرأ أن يشرع أي قانون يحمي المرأة أو المواطن بشكل عام من دون الرجوع الى رجال الدين والمرجعيات الروحية، وما دام لدينا قوانين نخضع لها في المحاكم الروحية والشرعية سواء مسلمين أو مسيحيين، فهم من يتحكم في القرار، وما دام لا يوجد دولة مدنية ولا قوانين مدنية للأحوال الشخصية لا يمكن أن يتغير أي شيء».«ايها النائب أيها المشرّع صمتك يقتلني كل يوم» ... «ما ريتك تقبرني»... «ما متنا بس آدل ونيليان ماتوا»... «قاضي ذكوري = تخفيف عقوبة!»... رافعين هذه الشعارات سرن وبصوت عال «هدرن» ومن بينهن الدكتورة نسرين زمار أستاذة محاضرة في الجامعة اللبنانية وفي جامعة اللويزة قسم الاعلام التي قالت «نحن هنا لنقول إن زمن العنف ضد المرأة انتهى، نحن في القرن الواحد والعشرين ولسنا في القرون الوسطى. حان الوقت أن نأخذ حقوقنا كاملة لأننا انسان كامل بعقله وجسده، لا يحق لأحد أن يتعدى علينا ويأخذ حقوقنا، نحن نطالب رئيس مجلس النواب نبيه بري بالأخص أن ينزل فوراً الى مجلس النواب ويعقد جلسة تشريعية، لأن القانون حاضر لا يحتاج سوى الى «دفشة» صغيرة، بيكفي موت النساء على يد رجل يعتقد نفسه قويا جسدياً، نحن أقوياء عقلياً».أما عن سبب عدم اقرار القانون حتى الآن أجابت الدكتورة زمار: «لأسباب سياسية وعدم التوافق على بنود من القانون وعلى تفاصيل ضيقة في زواريب أضيق، نريد من كل مَن له علاقة باقرار القانون أن يتعالى عن مصالحه ويعطينا حقوقنا لأننا نستحقها». ولدى سؤالها عن أن غالبية المتظاهرات ذكرن أنهن لم يتعرضن للعنف قالت ان السبب يعود الى «أن المرأة المعنّفة لا تستطيع الخروج من منزلها للمطالبة بحقوقها والقول انها تتعرض للضرب... نحن المعنفات وغير المعنفات جئنا نطالب بحقوق المرأة التي تتعرض للضرب والحقوق المدنية للتي لم تضرب، نحن هنا صوت المعنّفة التي ليس لديها فرصة الخروج من المنزل والقول انها تُضرب».«لا أستطيع أن أجاوب لماذا أنا هنا. فالجواب بديهي، نحن في 2014 لم يعد لنا الحق بل من المعيب أن نطالب بهكذا أمور». هذا ما عبّر عنه رجل سمى نفسه بـ «مواطن عادي». وعن رأيه بالرجل الذي يعنّف المرأة، اعتبر «ان كل عنف هو ضعف، كل عنف هو عدم امكانية تواصل، كل عنف هو طريقة لا يمكن أن نقبل بها. اليوم نحن بحاجة أن نكون سويا لنرفع الصوت عاليا للقضايا التي لا تظهر للعلن والتي هي لسوء الحظ سلوك يومي بسبب نقص التربية». وعن رسالته للنواب قال «عليهم أن يعلموا أمراً أن الدين أتى للانسان، علينا أن نرفع مستوى الانسان الى مستوى الانسانية ومن ثم نعطيه الخيار والحرية لأن يلتجئ الى الله وبالتالي يمكن لنا أن نعيد الكلام ليس على مستوى المجلس النيابي ولا غيره... الانسان هو القيمة ومن ثم نتكلم».«ظاهرة العنف الأسري عابرة للطوائف والبيئات الاجتماعية، فالرجل الذي تسول له نفسه أن يعنف المرأة هو رجل ضعيف الشخصية يعجز لسانه عن ايصال كلماته، أنا هنا لأؤكد ان الكثير من الرجال يرفضون ممارسة العنف ضد النساء، فما لا أقبله على والدتي وأخواتي لا أقبله على زوجتي». عبارات أطلقها ميشال الذي نزل لـ «تصحيح» الصورة المأخوذة عن رجال لبنان بحسب قوله.كريستال التي رفعت لافتة «لا بديل عن النضال» شاهدة «حية» على معاناة نساء ضربن حتى الموت: «اكتفيتُ تعذيباً، اكتفيتُ اهانات، اكتفيتُ مذلة، أنا انسانة ولست سجادة. عامان وأنا أُضرب يومياً، عامان وأنا أنجو من الموت من بين يدي زوجي بأعجوبة، عامان لن أقبل أن يتكررا، مَن لا يحترمني بعد الآن لن أكون شريكته في حياته».... «لم تنته معركتنا بعد، بل سنكمل المسيرة حتى اقرار القانون و بالصيغة الأنسب التي تؤمن الحماية الكافية والكاملة للنساء من العنف الأسري»، بهذه الخلاصة انتهت المسيرة في يوم المرأة على امل ان تكون «العيدية» الحقيقية من ممثلي الشعب الى نساء لبنان العالقات بين مطرقة «موروثات» اجتماعية وسندان ظلم قانوني يتلطى وراء الدين.
أخيرة
بتظاهرة في «يوم المرأة العالمي» بعنوان «إذا بدها شارع للتشريع... نازلين»
آلاف اللبنانيات «انفجرن» بالصوت العالي رفضاً للعنف الأسري
06:38 م