لم تكن تدري أنها بخطوتها كانت كمن «يستجير من الرمضاء بالنار»... هربت من قسوة حياة أسرية تعصف بها المشاكل، فوقعت في جحيم حياة زوجية قوامها ضرب بالكرسي وتكسير وشتم واهانة، و... وخيانة «أشكره».ذلك ملخص «كوكتيل عذابي» تتذوقه «ر.ز» مع كل اشراقة شمس، وهي أم لطفل وحيد كانت دخلت القفص الذهبي قبل 8 سنوات، هربا من مشاكل أسرية سرقت منها ربيع طفولتها، ظنا منها أن الزواج هو الخلاص، فكانت النار التي أتت على ما تبقى من نفسيتها وحياتها.اليوم، تعيش «ر. ز» كدمية خشبية على مسرح بائس، يحرك خيوطها «مزاج الزوج» لسيناريو واخراج من «الوالدة» ونقصد بها حماة الزوجة التي تلمح في عينيها مرارة أيام طويلة وسنوات تعيسة ودموع هامدة، وكأنها بركان صمت وكبت سيغلي الى أجل غير مسمى، فلا ملجأ آخر لها ولا سند.الزوجة الثكلى اعترفت بأنها لا تتجرأ على أي خطوة، خوفا من خسارة ولدها، وهي على يقين أيضا أن عائلتها غير مستعدة لاستقبال امرأة مطلقة... ويبقى قدرها البقاء تحت رحمة الزوج وأمه المتسلطة التي تحقن ابنها دائما وتلفق الأكاذيب ضد الزوجة.هذه رواية من آلاف القصص والحكايات التي تحتويها جدران المنازل، وتختفي تحت أستار العادات والتقاليد، تارة والخوف من تداعيات التصريح تارة أخرى، لتبقى المعاناة مفتوحة على مزيد من اللوعة والاسى.ولعل ما تحفل به أروقة المحاكم من قضايا أسرية قوامها عنف الزوج تجاه الزوجة لا يعبر، رغم كثرتها، عن حقيقة الوضع الذي يتخذ من الموروث الثقافي والتقليدي ذريعة لكل الممارسات التي تجعل من «سي السيد» الآمر الناهي ولا كلمة تعلو على كلمته في البيت.«الراي» أرادت فتح صفحتها لنساء عانين من هذه القضية، ليبحن عن مكنونات أنفسهن، ويطلقن زفرة من صدر يغلي جراء ما يعانين منه، لعل أصواتهن تصل الى من يستطيع أن يخفف من معاناتهن... ولكن غالبية النساء اللاتي التقينا بهن رفضن التحدث عن تجربتهن، متعللات بأسباب وأسباب، في حقيقة الأمر أن القاسم المشترك بينها هو الخوف الذي يعتريهن، من الزوج، من المجتمع، ومن العواقب التي تنتج للبوح، لاسيما وأن احداهن وصفت بنات جنسها بـ«طير مكسور الجناح».العنف بنظر النساءولأننا لم نلق تجاوبنا من النساء ذوات المشكلة، انتقلنا الى سيدات أخريات يعشن حياة زوجية خالية من العنف لنستمع الى آرائهن حول الموضوع، فقالت زينة، 23 عاما وهي امرأة تزوجت قبل عامين وأم لطفلة، ان «العنف ضد المرأة لا يعبر عن الرجولة، لأن الزواج أساسا يجب أن يكون مبنيا على أسس الاحترام، وكل فتاة تحلم أن ترى في زوجها الحبيب والأب والأخ والصديق. الحبيب يمنحها السعادة، والأب يمنحها السند والراحة، والأخ يدافع عنها، أما الصديق فهو بئر الأسرار الذي سيخفف الهموم عن كاهلها»وأضافت «ولكن في حال انعدمت هذه الصفات وظهر العنف الى الواجهة، على المرأة أن تعي حقوقها جيدا فهي ليست مجبرة على تحمل المآسي حتى لو قسا عليها المجتمع ولم ترحمها ألسنة الناس».أما عهد، 35 عاما متزوجة منذ 15 سنة وهي أم لثلاثة أطفال، فقالت: «عانيت من العنف الكلامي والجسدي في بداية زواجي، ولكن فضلت أن أصبر وتحملت الكثير لأحافظ على أسرتي. والحمد لله تغير زوجي بعدما أدرك أن العنف لن يأتي بأي نتائج ايجابية بل على العكس». وتابعت ضاحكة «زوجي مل من المشاكل وشاف ان الحياة أبسط من جذي وما في شي يستاهل».مها، 32 عاما ومتزوجة منذ 7 سنوات وأم لولد وبنت، تقول: «ليست لي تجربة شخصية ولا أعرف أحدا واجه هذا النوع من العنف، ولكن بحسب ما نرى في الاعلام، هذه الآفة منتشرة بشكل كبير وغالبا ما تلتزم المرأة الصمت طويلا في ظل مجتمع ذكوري يمنح الرجل الحصانة الكاملة. ولكن أشعر أنا شخصيا أن الرجال أصبحوا أكثر تحضرا باستثناء البعض وكل من يعنف المرأة لأي سبب كان، يجب أن يعاقب».من جانبها تقول هاجر، 25 عاما متزوجة منذ 4 سنوات وأم لطفلة واحدة: «أنا ضد العنف وكل رجل يعنف زوجته لا يستحقها. يجب على المرأة أن تتصدى للعنف فهي ليست مجبرة على التخلي عن كرامتها من أجل أي رجل في العالم. نحن في مجتمع حضاري ولسنا في غابة».أما مريم، 27 عاما والمتزوجة حديثا، فتقول «العنف موجود في كل بيت ولكن تختلف أشكاله والسبب الأساسي لهذه المشكلة هو التربية الخاطئة وما يزيد الطين بلة هو أن المرأة تلتزم الصمت غالبا وتصبر وتتحمل. على المجتمع ادراك خطورة الموضوع الآن فمجتمع فاسد اليوم سيؤدي الى مجتمع أكثر فسادا في المستقبل والعكس صحيح».في المقابل، تؤكد زينب، 36 عاما وأم لثلاثة أولاد بعد زواج 12 عاما، أن «العنف واقع عانيت منه، ولم أسلم من أذاه، ولكن زوجي قد خفت حدته كثيرا عن بداية الزواج وأصبح أكثر هدوءا، وهذا لا يمنع أن تكون له حالات من الثورة والغضب بين فترة وأخرى».من جانبها تقول هناء، 60 عاما: «أنا زوجة وأم عشت حياتي من دون عنف، ولم أشهده يوما في بيتي. حتى بين صديقاتي وزميلاتي، هذا الموضوع غير شائع. أنا لا أجزم أن العنف غير موجود قطعا، ولكن بحالات استثنائية. وفي حال تعنفت المرأة، عليها أن ترضى بنصيبها وتتحمل وتضحي من أجل الأولاد».تابعنا جولتنا، ووسعنا دائرة الاستطلاع حاملين في جعبتنا سؤالا من جزأين لنطرحه على كافة شرائح المجتمع «ذكوراً واناثاً» من مختلف الأعمار والتوجهات والسؤال هو:هل المرأة الكويتية معنفة؟ وهل يجب على المعنفة التصدي للعنف أم عليها التحمل والتضحية من أجل أطفالها؟. فقال دانة 18 عاما: «أشعر أن المرأة الكويتية معنفة وحالات الزواج الناجحة والمبنية على الاحترام نادرة. وفي حال العنف، على المرأة أن تأخذ موقفا في البداية، وعليها أن تصبر على أمل أن يتغير الزوج، ولكن اذا تفاقم الوضع، فالطلاق هو الحل الأفضل لأن استمرار المشاكل سيؤذي نفسية الأطفال».أما سارة، 30 عاما غير متزوجة، فقالت: «لا أرى أن العنف منتشر بشكل كبير في المجتمع الكويتي بل هناك اعتدال نوعا ما. اذا عنفت المرأة، فيجب ألا تتحمل دقيقة واحدة وفي حال رفض الزوج الطلاق عليها اللجوء الى المحاكم».• فاطمة - 52 عاما: العنف موجود في المجتمع الكويتي وبرأيي، العنف زاد والمشاكل تفاقمت بعد التطور والانفتاح لأن الرجل لم يعد مكتفيا بامرأة واحدة نظرا لكل المغريات الذي يجدها عبر الاعلام والانترنت. في حال لا قدر الله عنف الرجل زوجته، عليها أن تصبر لأن الطلاق ليس بالأمر السهل ولا يجب أن تتعامل معه المرأة باستخفاف ففي العجلة الندامة وفي التأني السلامة».• آلاء - 28 عاما: العنف موجود دون شك ولكن نحن مازلنا أفضل من بقية المجتمعات الخليجية. اذا ضرب الزوج زوجته وكانت هي «الغلطانة»، فعليها تحمل نتيجة أفعالها ولكن اذا كان الخطأ صادرا عن الزوج، فعليها أن تمنعه فهي ليست مجبرة على التضحية على حساب نفسها حتى لو كان لديها أطفال».آراء رجاليةبدوره يقول أسامة، 33 عاما: «العنف موجود في المجتمع الكويتي ولكن بأشكال مختلفة فهناك رجال لا يضربون الزوجة ولكنهم يهينونها بالكلام الجارح. وعن موقف المرأة، برأيي أن عليها التحمل والتضحية ولكن الى حد معين وفي النهاية لا توجد قاعدة وكل ردة فعل تعتمد على حجم العنف».فهد، 36 عاما ومتزوج، يقول: «أنا شخصيا لا أعنف زوجتي، لأنني أعتبر هذا التصرف غير حضاري ولكن بشكل عام هناك عنف في مجتمعنا الكويتي ولكن النسبة ضئيلة جدا مقارنة بالدول الخليجية الأخرى. واذا زاد العنف على حده، فعلى الطرفين التروي والتواصل لحل المشكلة ولكن ان لم يجد ذلك نفعا، فأنصح المرأة باستشارة الأهل قبل التهور والاقدام على خطوة قد تندم عليها».ويقر جاسم، 24 عاما، بأن العنف موجود في الكويت لكنه لا يطول كل الناس أي لا نستطيع التعميم، مشددا على أنه في حال تعرضت الزوجة للعنف، فعليها بحث المشكلة مع الزوج، ولا يجوز أن تنفصل عن زوجها لأتفه الأسباب لأن ذلك سيؤثر على الأولاد والروابط الأسرية.وباء عالميالعنف ضد المرأة موجود منذ أقدم العصور حين كان الانسان جاهلا وعاريا لا موطن له ولا حضارة. اذا، الموضوع ليس بالأمر المستجد ولكن الغريب هو بقاء هذا الوباء الاجتماعي متفشيا رغم كل التطور والانفتاح العلمي والثقافي الذي بلغه العالم اليوم.وبحسب تعريف الجمعية العامة للأمم المتحدة، العنف ضد النساء هو أي اعتداء ضد المرأة مبني على أساس الجنس يتسبب باحداث ايذاء أو ألم جسدي، جنسي أو نفسي ويشمل العنف التهديد بالاعتداء، الضغط النفسي والحرمان التعسفي للحريات.وفي هذا السياق، أظهرت دراسة قام بها صندوق الأمم المتحدة لرعاية المرأة سنة 2008 أن نسبة المعنفات جسديا من قبل أحد أفراد الأسرة تتراوح بين 13 و61 في المئة، وقد بلغت هذه النسبة في كل من البيرو واثيوبيا وبنغلاديش 50 في المئة. وفي المغرب مثلا، سجلت المحاكم 41 ألف قضية عنف ضد المرأة.وفي العالم أجمع، هناك أعداد كبيرة من المعنفات مع اختلاف النسب بين دولة وأخرى والعنف يصل أحيانا الى حد الموت كما حدث أخيرا مع الضحية اللبنانية منال العاصي التي قضت بعد أن ضربها زوجها ضربا مبرحا وعذبها بكل الطرق الوحشية حتى الهلاك دون أن يرف له جفن.
محليات
يزيد من الظاهرة ركون غالبية الزوجات إلى الاستسلام خوفاً من العادات والتقاليد و... «المرأة المطلقة»!
«طق الحريم»... عُرْفٌ أقرّته سطوة الرجل و«خنوع» المرأة
11:21 ص