تخضع «التقاطعات» الاقليمية والدولية التي أفضت الى إبقاء الوضع اللبناني تحت السيطرة عبر «التسوية الحكومية» التي ادت الى تمكين تمام سلام من تشكيل حكومته بعد اكثر من عشرة اشهر، الى اختبارات داخلية وخارجية على حد سواء، لم تبلغ حد «الانقلاب» على المناخ الايجابي الذي ساد اخيراً، لكنها تصطدم بمحاولات من طرفيْ الصراع في بيروت (8 و 14 آذار) لتحسين مواقعهما من جهة، وبشريط متحرك من الاحداث الاقليمية والدولية المترابطة الى حد بعيد من جهة أخرى، بدءاً من المعركة الحامية على التخوم اللبنانية في يبرود السورية، وصولاً الى ما يجري في اوكرانيا، ومروراً بساحات اخرى في المنطقة.هذا الواقع، بوقائعه الداخلية والاقليمية، وضع بيروت امام عنوانين من النوع الذي يشكل امتحاناً لقدرة اللبنانيين على عزل اللعبة السياسية الداخلية ما امكن عن المجريات اللاهبة في المحيط، ولمتانة «بوليصة التأمين» الخارجية التي تحول دون الانزلاق الى اوضاع اكثر مأسوية، وهما: «تطريز» التسوية الحكومية ببيان وزاري يضمن نيل حكومة سلام وسريعاً ثقة البرلمان، في خطوة لا بد منها لتهيئة مناخ انتخاب رئيس جديد للبلاد بين 25 مارس و 25 مايو المقبلين، وتعطيل اي تداعيات محتملة للمبارزة الجديدة بين اسرائيل و«حزب الله» بعد الغارة التي شنتها تل ابيب على موقع للحزب على الحدود اللبنانية - السورية، وتوعُّد «حزب الله» اسرائيل بالرد في المكان والزمان المناسبين.ولم يكن مع هبوط ليل امس على السرايا الحكومية قد اتضح لون الدخان المتصاعد من الاجتماع السابع للجنة السباعية المكلفة صوغ البيان الوزاري، فالمناقشات كانت مستمرة حول الـ «م. ق. ا. و. م. ة»، تلك الاحرف التي تشكل مجتمعة كلمة «مقاومة»، والتي اعتبرها رئيس البرلمان نبيه بري «ذهبية» لا يمكن التفريط بذكرها في البيان الوزاري، الذي شهد مقايضات لغوية - سياسية صعبة استدعت تأخر ولادته.تلك المناقشات انتقلت من المساومات بين ثلاثية «حزب الله» حول «الجيش والشعب والمقاومة» والاعلان الصريح عن ادراج «اعلان بعبدا» في البيان الوزاري، الى حيز آخر بعدما قضت التسوية بإسقاط «الثلاثية» والاستعاضة عن ذكر «اعلان بعبدا» علانية بكلام عن «مقررات الحوار الوطني»، لتتواصل المبارزة بين كلمتي «مواجهة ومقاومة». ففي ضوء اصرار «8 آذار» على ذكر «المقاومة»، وردّ «14 آذار» باقتراح يقضي باعتماد كلمة «مواجهة»، الامر الذي شكل «لغماً»، تسارعت الاتصالات من اجل تفكيكه.وكانت آخر الصيغ المتداولة لبند المقاومة تدور حول النص الآتي: «انطلاقاً من مسؤولية الدولة في الحفاظ على السيادة والتراب اللبنانيين، تؤكد الحكومة حق اللبنانيين في مقاومة أي اعتداء وتحرير الأراضي المحتلة بكافة الإمكانات المشروعة والمتاحة».وقبيل الجلسة السابعة للجنة صوغ البيان الوزاري برز تحرك رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد في اتجاه السرايا الحكومية حيث اجتمع بالرئيس سلام، فيما كان رئيس الجمهورية ميشال سليمان يردّ على طريقته على المنحى لعدم ذكر «إعلان بعبدا» صراحة في البيان الوزاري كما على موضوع ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة».فخلال افتتاحه مؤتمر «أرضي غد واعد» اعلن سليمان «ان الاحتفاظ بالأرض والحفاظ عليها واجب ضروري لتأكيد العيش لجميع المواطنين في النصوص الدستورية والمعترف فيها دولياً»، مؤكداً أن «الأرض والشعب والقيم المشتركة هي الثلاثية الدائمة للوطن».واذ شدّد على أن «وحدة القانون لا يحميها سوى المؤسسات الشرعية التي لا شريك لهـــــــا في الــــــقــــرار والتنفيذ سياسياً وعســـــكرياً»، لفـــــت الى «اننا بحاجة ماسة للالتزام بالاستحقاقات الدستورية منها الانتخابات البرلمانية والرئاسية ولعدم التشــــبث بمعادلات خشـــــبية تعــــــرقل صدور البـــيان الوزاري» في اشارة ضمنية الى معادلة «الجيش والشـــعـــب والمقاومة».وأضاف: «اطمئنكم واؤكد لكم ان اعلان بعبدا اصبح من الثوابت واصبح بمرتبة الميثاق الوطني وهو تالياً يسمو على البيانات الوزارية التي ترتبط بالحكومات والجميع سيحتاج الى هذا الاعلان وسيطالب بتطبيقه». وختم: «لحشد القدرات القوية بقدرة الدولة ومرجعيتها والاعتماد على الجيش وتسليحه، ومشوار التسليح بدأ بهبة سعودية وسيستكمل في فرنسا وايطاليا».وفي موازاة ذلك، حضرت في بيروت التداعيات التي أثارتها الغارة الاسرائيلية على جنتا البقاعية قبل ايام والتي قابلها «حزب الله» متوعداً برد في المكان والزمان المناسبين، وهو ما تعاطت معه اسرائيل باستنفار قواتها على الحدود مع لبنان وسط تقارير عن انها أرفقت ذلك بإنذار شديد اللهجة للبنان عبر قيادة «اليونيفيل» بأنها ستضعه بأكمله تحت نيرانها اذا أقدم «حزب الله» على تنفيذ تهديده بالرد.وكان مندوب لبنان الدائم لدى الامم المتحدة السفير نواف سلام قدّم بناء على توجيهات وزير الخارجية جبران باسيل شكوى الى مجلس الامن للاحتجاج على الغارة الاسرائيلية، واصفاً في الشكوى ما حصل «بأنه عمل عدائي واضح يمثل خرقاً لميثاق الامم المتحدة وأحكام القانون الدولي وأعرافه».وطالب سلام مجلس الامن بادانة هذا الاعتداء بأشد العبارات وبالزام اسرائيل وقف خرقها سيادة لبنان بحرا وبرا وجوا والتزام القرار 1701.ومن جهتها، دعت الامم المتحدة «حزب الله» واسرائيل الى تجنب تصعيد حدة التوتر في المنطقة. وصرح الناطق الرسمي باسم الامين العام مارتن نيسيركي: «ليست لدينا معلومات مستقلة مؤكدة عن الغارة الاسرائيلية، لقد قرأنا فقط تقارير اعلامية عن ذلك». وأضاف: «نحن نعتقد انه يتعين على الجميع نزع فتيل اي توترات وخصوصا في منطقة تموج بالفعل بتوترات كافية».
خارجيات
سليمان: «إعلان بعبدا يسمو على البيانات الوزارية»
إسرائيل تهدد لبنان في حال رد «حزب الله» على غارتها
07:10 م