عقد في امارة الشارقة على مدى يومين المنتدى الدولي للاتصال الحكومي الذي تناول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي الالكترونية على اداء الحكومات، وعلى مصير هذه الحكومات، وكيف استطاعت هذه الوسائل التي انتشرت بشكل واسع ان تفرض تغييرات كبيرة في عملية صنع القرار، من خلال اضعاف قدرة الحكومات على التحكم بتدفق الاخبار والصور كما كانت تفعل بصورة او بأخرى مع وسائل الاعلام التقليدية.ودعا عضو المجلس الأعلى في دولة الامارات حاكم الشارقة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي في كلمة افتتح بها المؤتمر الذي انعقد في دورته الثالثة تحت عنوان «ادوار مختلفة... رؤية واحدة»، الإعلام الى احترام المتلقين من قراء ومشاهدين ومستمعين من خلال تقديم المعلومة الحقة الخالية من أي شبهة أو تضليل، مشيرا الى الحاجة للتحلي بأخلاقيات مهنة الصحافة والإعلام لدى العاملين فيها.وقال القاسمي ان «عالمنا العربي يمر بمرحلة حرجة اختلطت فيها الأمور فنشاهد صاحب التنوير يدخل إلى العتمة وصاحب الحق يمتطي الباطل وصاحب العفة تتكشف أستاره عن شهوات دنية وأصحاب الفكر يتوهون بين الحقيقة والخيال إلا من رحم ربي».وأضاف ان «مهنة الصحافة والإعلام لا تقل خطورة عن مهنه الطبيب. فخطورة القلم أشد من المشرط بيد الطبيب المرتعشة كمناورات الدعاية ونشر الأخبار الكاذبة للتضليل وعدم التثبت من مصادر المعلومات أو احترام الحياة الخاصة فعلى الإعلامي واجب احترام القارئ أو المستمع والصالح العام وحق المعرفة ويجب ان تكون لديه أخلاقيات تشكل الحقيقة والدقة والصدق والنزاهة والانصاف».وشدد على حقوق الإعلاميين التي يكفلها لهم القانون والتي تمكنهم من حرية التعبير والنقد، معتبرا ان للإعلامي حقوقا يجب أن يكفلها له القانون مثل حرية التعبير والنقد وحرية الاطلاع على كل مصادر المعلومات وحرية التحقيق دون التعرض لحجة سر الشؤون العمومية أو الخاصة إلا استثناء مبررا بوضوح.وقال ان «من حق الإعلامي ألا يكشف مصدر المعلومات التي وقع الحصول عليها بطريقة سرية وله الحق في رفض الضغوط مثل التعليمات المباشرة أو غير المباشرة ما عدا حكم القانون إذا كان هناك مطالب بالتفتيش الذي يهدف إلى كشف مصدر الإعلامي – حتى ولو لم يسفر عن نتيجة – فإن ذلك عمل أخطر من أمر الإعلامي بأن يكشف بنفسه عن هوية مصدره».واختتم القاسمي كلمته برسالة وجهها للقائمين على القنوات التلفزيونية حيث قال: «كلمة أخيرة أهمس بها لأصحاب القنوات التلفزيونية والتي تعرض بعض الأشرطة المصورة المستوردة من الخارج أو التي تم إنتاجها محليا الا تقبل أي صورة أو قصة أو خبر أو عبارة تشجع على هدم النفائس والآثار الفنية ويجب على تلك القنوات أن تشجب الكذب والسرقة والكسل والجبن والكراهية أو أي عمل إجرامي.. ومن الضروري إعادة الروح الإنسانية للأشخاص وإعطاؤهم قيمة ثقافية وأخلاقية واستخدام مشاعر الود وتمجيد قيمة العمل والأسرة وأن تكون مكانا للحياة الشريفة والسعادة والفرح».وبدأت فعاليات المنتدى بكلمة لرئيس مركز الشارقة الإعلامي رئيس اللجنة العليا المنظمة للمنتدى الشيخ سلطان بن أحمد قال فيها ان «الجماهير باتت تطالب بالشراكة الحقيقية مع حكوماتها. هذه الشراكة التي تؤثر في صنع القرارات وتحدد المسار المستقبلي للبلاد.. إن حكوماتنا مطالبة بأكبر قدر من الشراكة مع جمهورها وبالانصات وفهم وتحليل ما يجول في بالهم وبالتفاعل معهم وتفهم خصوصياتهم والتحديات التي يواجهونها».وأضاف ان «تطلعات المواطنين تضع كافة حكومات العالم أمام تحد كبير يتمثل في الموازنة بين الاستثمار في تطوير وتنويع أساليب الاتصال والتخاطب وبين الاستثمار في مجالات ضخمة ومعقدة كالمجال الاقتصادي والاجتماعي والعسكري والتعليمي والصحي».وأوضح ان «سمعة الدول تؤثر في صورتها ومصداقيتها لدى المجتمع الدولي وتؤثر أيضا في حجم الاستثمارات المباشرة التي تتدفق إليها من الخارج وقد يعتقد البعض ان سمعةَ الدولِ هي مسؤوليةُ سفرائها ووزراءِ الخارجيةِ وممثلي الديبلوماسية فقط ولكني أعتقد أنها مسؤولية كلُ إدارةِ اتصالٍ حكوميٍّ في كل مؤسسةٍ حكوميةٍ أينما كانت فتفاعلُ موظّفي الحكومة وعلى رأسِهم موظفو الاتصالِ الحكومي مع الجمهور لا يؤثر في صورةِ الدولة خارجياً وحسب وإنما في سمعتها الداخليةِ ايضًا وإننا في دولة الاماراتِ العربية المتحدة بقيادةِ صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله تمكنا من قطعِ أشواطٍ كبيرة في مجال تطوير أساليب التواصل وفي الانفتاحِ والتجاوب مع الجمهور بكافة مكوناته.وأكد الشيخ سلطان بن احمد ان «إمارة الشارقة تعمل على تطوير ودعم إدارات الاتصال الحكومي في جميع الدوائر الحكومية من خلال وحدة الاتصال الحكومي وتطوير مهارات موظفي الاتصال عبر برامج تدريبية وإطلاق جائزة الشارقة للاتصال الحكومي وذلك بحثاً عن أفضل ممارسات الاتصال الحكومي التي يمكن تبنيها وعن أولويات جمهورنا وطرق التجاوب معها والموازنة بينها وبين أولويات الحكومة التي يفرضها الواقع».وقال في ختام كلمته: «نسعى جاهدين لتحقيق هذا الهدف بدعم قيادتنا الرشيدة ودعم وسائل الاعلام وإرادة موظفي الاتصال الحكومي الساعين إلى تطوير مهاراتهم وأساليب وأدوات الاتصال الحكومي إلى جانب المبادرات التي تستقطب نخبة من المتحدثين والخبراء في هذا المجال كي نستمع إليهم ونتفاعل مع تجاربهم وآرائهم».وتحدث ضيف الشرف في المنتدى الرئيس الاخير للاتحاد السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف عن تجربته في كلمة وصف فيها العالم الذي نعيش فيه اليوم بـ «المعولم» منتقدا تأثيراته السلبية على مختلف الأصعدة على الرغم من أنه يعد أفضل من تلك الحقبة التي عاشها إبان القرن العشرين والتي كانت «الأكثر قساوة ودموية» في التاريخ البشري على حد وصفه، مشيراً إلى أن شعوب الأرض لم تتعلم من تجارب الماضي إلى اليوم ولم تتمكن بعد من العيش جنبا إلى جنب في سلام وتناغم الأمر الذي بدا واضحاً وشوهدت نتائجه في حياة الناس على الصعيد البيئي والاقتصادي والثقافي.وأوضح غورباتشوف أن رؤيته للعالم الذي نعيش فيه اليوم كانت نابعة من الآمال الكبيرة التي ساورته عند انتهاء الحرب الباردة والكامنة في محاولة خلق حلول ناجحة لمختلف الأزمات العالمية، مؤكداً أنه ولسوء الحظ فان العالم تبنى سياسة العولمة التي يسير فيها مغمض العينين وراء مجموعة من الدول الكبرى.وأشار إلى أن النظام العالمي الجديد أنتج فروقات كبيرة بين الدول وقسمها إلى دول منتجة وأخرى مستهلكة، لافتا إلى الفوائد التي حققتها الدول المتقدمة في جانب التنمية المستدامة على حساب الدول الأخرى. وقال ان عدداً قليلاً من دول العالم تمكنت من تجاوز حاجز التنمية ونجحت في تخطي حاجز العولمة كالصين والبرازيل في قطاعات حيوية عدة كالتكنولوجيا والطاقة والصناعات الثقيلة إلى جانب برامجها الواعدة في مكافحة الفقر.وأوضح غورباتشوف أن «المراهنين على أن العولمة ستساعد على تكريس المساواة في العالم ونشر قيم التسامح والانفتاح الفكري سيعترفون بإخفاقهم عاجلاً أو آجلاً، فاليوم تحاول الدول الإسلامية على سبيل المثال أن تواجه التهميش من قبل القوى العظمى اضافة الى المشاكل العالمية التي ظهرت بشكل جلي كالهجرة غير الشرعية وأسبابها والنعرات العرقية والدينية والصراع على الموارد و البطء في التعاطي مع مسألة نزع أسلحة الدمار الشامل وعودة انتشار فكر سباق التسلح لدى الدول النامية بعيداً عن استثمار الموارد في التنمية البشرية والاقتصادية».وأكد ان «نقل نموذج الاستهلاك الغربي إلى العالم النامي لن يؤدي إلى التقدم ناهيكم عن العبء البيئي والاقتصادي. لذلك يجب أن نغير منظومة القيم الخاصة بنا وألا نبني على مصالح شخصية بل أن نركز على المصلحة العليا للشعوب وعلى التنمية الصناعية والتنمية الاقتصادية وأن يتم تقليص حجم الاستهلاك من مفرط إلى مقبول ويجب التركيز وبشكل أساسي على التعليم والصحة وتأهيل الفكر.وأنهى غورباتشوف كلمته بالقول: «لقد تأخرنا عشرين عاماً عن النموذج الجديد من التنمية المستدامة لذلك يجب علينا الانتقال بشكل متواتر وسريع وأن تكون هذه التنمية مدعاة اهتمام الحكومات والمجتمعات المدنية على حد سواء بل ويجب أن يكون هناك حوار عالمي يعمل على إشراك عموم الناس في إيجاد الحلول لنكون أصحاب مصداقية».بعد ذلك بدأت جلسات العمل التي تحدث فيها عدد من الوجوه السياسية والاعلامية الذين تناولوا ادوارهم ان كانوا في موقع صنع القرار او مشاهداتهم وملاحظاتهم ان كانوا في الموقع الاعلامي.وشارك في الجلسة الاولى في اليوم الاول كل من الرئيس المكسيكي السابق فيليبي كالديرون ورئيس البنك الدولي السابق جيمس وولفنسون ووزير الدولة الاماراتي للشؤون الخارجية انور قرقاش، وادار الجلسة تيم سيباستيان وهو أول مقدم لبرنامج «ذا هارد توك» على «بي بي سي وورلد».وتحدث في الجلسة الثانية الرئيس التنفيذي لمؤسسة «ذا كونفيرزيشن فارم» جون دوشنسكي والرئيس التنفيذي لشركة «الهتلان ميديا» سليمان الهتلان ومدير الحوكمة والابتكار في كلية محمد بن راشد للادارة الحكومية فادي سالم. وادارت الجلسة الاعلامية البحرينية ومقدمة البرامج في مؤسسة دبي للاعلام بروين حبيب.اما الجلسة الثالثة في اليوم الاول فكانت مخصصة لمحاضرة القاها المذيع في «بي بي سي وورلد» نيك غاوينغ.وفي اليوم الثاني تحدث في الجلسة الاولى رئيس مجلس ادارة معهد الابتكار جون كاو والاعلامية المصرية أماني الخلياط والخبير في الديبلوماسية العامة لعدد من الحكومات سيمون انهولت ورئيس تحرير «سكاي نيوز عربية» أحمد مصطفى. وادارت الجلسة الاعلامية اللبنانية جيزيل خوري.وتناوب على الكلام في الجلسة الثانية، بيل ديلي كبير موظفي البيت الابيض سابقا ووزير التجارة في حكومة الرئيس الاسبق بيل كلينتون ورئيس «ابكو انسايت» برايان دوموت والرئيس التنفيذي للحوكمة المؤسسية في شركة اتصالات مروان سليمان زوايدة والمدير العام لـ «سكاي نيوز عربية» نارت يوسف بوران. وادارت الجلسة الاعلامية اللبنانية بولا يعقوبيان.وخصصت الجلسة الرابعة لاليستير كامبل مدير مكتب اتصالات رئيس الوزراء البريطاني الاسبق طوني بلير. وادار الجلسة الاعلامي في مجموعة «أم بي سي» داود الشريان.