لم تنتظر «المعركة الرئاسية» في بيروت الانتهاء من مراسم «تنصيب» الحكومة الجديدة، التي من المرجح ان تنتهي غداً الاثنين من صوغ «تسوية» في بيانها الوزاري حول «مقاومة حزب الله»، ايذاناً بإقرار هذا البيان، ومن ثم الذهاب الى البرلمان لنيل الثقة.كل المؤشرات في بيروت توحي بان معركة الاستحقاق الرئاسي (بين 25 مارس و25 مايو) انطلقت على غاربها، ومن المرجح ان تتحول الحدَث الاكثر حضوراً في يوميات اللبنانيين وكواليسهم، رغم «كوابيس» التفجيرات الانتحارية وآثارها الكارثية على البلاد.فالحراك السياسي، الذي صار اكثر حيوية بعد التفاهمات التي افضت الى الافراج عن الحكومة، بدأ بملاقاة الاستحقاق الراسي عبر لقاءات علنية واتصالات بعيدة عن الاضواء، وحركة مشاورات في الداخل وعمليات «جس نبض» للخارج.فرئيس الحكومة السابق زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري، الذي بكّر في مقاربة الاستحقاق الرئاسي من زاويتيْ ضرورة اجراء الانتخابات في موعدها ومواصفات الرئيس، قصد روما اول من امس للقاء البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وكان ثالثهما الانتخابات الرئاسية.وتخضع علاقة الحريري بحليفه المسيحي الابرز، رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لعملية «تنقية أجواء» على صلة بملابسات اللقاء الذي كان عقده زعيم «تيار المستقبل» مع رئيس «تكتل الاصلاح والتغيير» العماد ميشال عون في منزل الاول في باريس في عز ازمة تشكيل الحكومة ومع العد التنازلي للاستحقاق الرئاسي.واذا كانت المعلومات تتقاطع حول القول ان الحريري لم يناقش الاستحقاق الرئاسي مع «المرشح» العماد عون، فان المعطيات تؤشر الى «حرج مكتوم» يعانيه حلفاء عون في قوى «8 آذار» حيال خوض معركته للوصول الى القصر الرئاسي في بعبدا، رغم الايحاءات العلنية عن إمكان دعمه.واللافت ان الحريري كان اعلن بعد لقائه البطريرك الراعي في روما انه كرر لرأس الكنيسة المارونية تأييده لمذكرة بكركي وقال: «نحن كفريق سياسي في تيار المستقبل سنقوم بكل ما نستطيع لمنع الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية وهذا واجب وطني علينا، كلنا نحن نريد رئيسا جديدا للجمهورية لجميع اللبنانيين ويمثل اللبنانيين جميعا». وأكد أن «حوارات جدية جرت مع التيار الوطني الحر وتكللت بالنجاح واسفرت عن تشكيل الحكومة». مضيفاً: «الآن هناك موضوع رئاسة الجمهورية ويجب ان يكون جميع الافرقاء كخلية نحل يتكلمون بعضهم مع البعض ويتشاورون وعلينا ان نزيل الخلافات ونرى الى أين نصل».واذ ذكر انه «في لحظة ما سيكون مرشح لـ14 آذار وبعدها سنرى كيف تسير الامور وانا اريد ان ارى نفسي في مجلس النواب وكل منا يرفع يديه ويصوت للرئيس الذي يريده»، شدد على ان العلاقة مع «القوات اللبنانية « هي «علاقة استراتيجية ولا أحد يستطيع أن يزعزعها أو أن يدخل بيننا وبين القوات اللبنانية التي هي في قلب 14 آذار ونحن ايضا وسنكمل المشوار مع حلفائنا جميعا» العلاقة مع الحلفاء هي علاقة استراتيجية.ويأتي الحِراك في الملف الرئاسي وسط معلومات عن ان البيان الوزاري للحكومة الجديدة بات قاب قوسين من الإنجاز في اللجنة الوزارية بعد التوصل الى مسودة توافقية وصيغة «حمّالة أوجه» للبند الخلافي المتصل بموضوع «المقاومة» تشكل تسوية بين نصين واحد قدّمه الوزير علي حسن خليل (عن 8 آذار) وآخر الوزير بطرس حرب (عن 14 آذار) وتقوم على استبدال ثلاثية «جيش وشعب ومقاومة» بـ «حق لبنان في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة» مع تأكيد مرجعية الدولة ومسؤوليتها في الحفاظ على السيادة والاستقلال وتحرير الارض. ويُنتظر ان تحسم اللجنة الوزارية المكلفة اقرار مسودة البيان الوزاري هذه الصيغة في جلستها المقررة غداً، وسط معلومات اشارت الى ان البيان سيتضمن ايضاً عبارة تنص على «بذل جهود استثنائية لمواجهة الاعمال الارهابية والعنف وحماية الحدود وضبطها»، وعبارة «ان اهم التحديات امام الحكومة هي خلق الاجواء الملائمة لاجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها احتراما للدستور وتطبيقا لمبدأ تداول السلطة»، الى «السعي الى اقرار قانون جديد للانتخابات النيابية».وبحال توافُق اللجنة على البيان الوزاري يوم غد، سيُرفع إلى مجلس الوزراء تمهيداً لمناقشته وإقراره قبل إحالته إلى مجلس النواب، وسط تقديرات بان يتحدد موعد جلسة الثقة كحد اقصى في 4 مارس.وفي موازاة ذلك، بقيت «القوات اللبنانية» على موقفها من الحكومة الجديدة والواقع اللبناني معلنة بعد اجتماع كتلتها النيابية امس برئاسة الدكتور سمير جعجع «أن ما ينبغي عمله للخروج من دوامة العنف يتمثل بخروج حزب الله من سورية، وضبط الحدود اللبنانية شرقاً وشمالاً، ذهاباً وإياباً، وذلك بنشر الجيش اللبناني على طول الحدود والاستعانة اذا لزم الأمر بالقوات الدولية تبعاً لمندرجات القرار 1701، ومن ثم الإنتهاء من البؤر الأمنية ولا سيما المعسكرات الفلسطينية المسلحة خارج المخيمات، وصولاً إلى جمع كل سلاح غير شرعي ووضعه في عهدة الجيش اللبناني».واكدت تبعاً لذلك «ضرورة أن يكون البيان الوزاري نقطة انطلاق ومؤشراً لخطة عمل الحكومة على هذا الصعيد، وذلك بأن يشكل إعلان بعبدا، معطوفاً على أبرز النقاط التي تضمنتها مذكرة بكركي، حصرياً، الفقرة السياسية للبيان الوزاري، وإلا تتحوّل الحكومة الجديدة مجرد نسخة مجمّلة عن الحكومات التي سبقتها، فيبقى الوضع الراهن على حاله، من دون أمن واستقرار، ومن دون اقتصاد ونمو، ومن دون ظروف معيشية واجتماعية طبيعية».