ليست الشكوى من سوء الأحوال في مدارس التعليم العام منها والخاص والتعليم الديني شيئاً جديدا على المجتمع الكويتي، لكن من الواضح أن هناك نوعاً من الارتباط بين ما يحدث من انتشار ظواهر اجتماعية وفلسفية وثقافية سلبية، وبين ارتفاع وتيرة الأزمات في المؤسسات التعليمية، وذلك بسبب الأعراض الجانبية التي يفرزها التراخي بعدم تطبيق القانون، والسعي لتأصيل وترسيخ الثقافات الخاطئة النابعة من الاستهلاك الروحي كالمبالغة بالترف والترفيه والترويح على حساب الالتزام بتأدية المهام المنوطة بهم سواءً كانوا طلابا أو معلمين أو إداريين.يعتبر التعليم المدخل الأساسي للخلاص من المشكلات، والارتقاء في معارج التقدم، عند الدول التي تسعى للتقدم الحضاري والثقافي، إلا أنه في بلدي يعتبر أم المشكلات، ما أن تأتي فرصة للفكاك والخلاص منه إلا ونتصيدها بالغياب عن العلم قبل وبعد أي إجازة، فالأزمة التعليمية تجسيد لأزمة الأمة الكويتية بكل الجوانب، وذلك لاعتقاد كثير من المربين من آباء ومعلمين أن من مهامهم الأساسية أن ينقلوا إلى الأجيال الجديدة مضامين ما يؤمنون به من معتقدات وأفكار ونظم وعادات و... و... وإن كانت خاطئة بالية، فإعداد الناشئة يكون بتشكيل بيئات صحية سليمة تعينهم على الالتزام بأداء المهام، والتمسك بالمبادئ والقيم التي تسندهم لإتمام ما عليهم من واجبات تجاه أنفسهم ومؤسساتهم التعليمية وتجاه وطنهم.إن المشكلة التي تواجهنا في المؤسسات التعليمية أن كثيرا من العاملين في المضمار ليسوا على كفاءة عالية في التأثير على الواقع والظروف السيئة التي فرضت على هذه المؤسسة، كما أنهم لا يمتلكون القدرة على التغيير بصياغة تطلعات وطموحات تبدل الواقع والأوضاع المتردية السائدة.إن سألنا أنفسنا لماذا نحن نتعلم؟! قد نختلف بطريقة فهمنا للسؤال، باختلاف أفهامنا وإدراكنا للشيء، وبتنوع أنماط الشخصية، وأظن ما نتفق عليه أن كل علم يتعلمه الإنسان، وكل تقدم يحرزه، ينبغي أن يساعده على القيام بواجبه وتأدية رسالته على الوجه المطلوب، فمنا من يستخدم العلم كأداة للخير ومنا من يستخدمه للشر، ومن يفقه مفهوم العلم الإيجابي وفلسفته حتما سيوظف علمه لإعمار الحياة الإنسانية كلها، كذلك هي دراسة المبادئ الأولى وتفسير المعرفة تفسيراً عقلياً، ولكل منا فلسفة خاصة بطريقة وأسلوب حياته في شتى المجالات والتي منها التربية والتعليم.إن التربية بمفهومها العام هي الأداة التي تُستخدم في نقل العقائد والمعارف والآداب من جيل سابق إلى جيل لاحق، وكل من ينقل العقائد والمعارف والآداب لابد أن يضفي على ما ينقله شيئاً من تصوراته وثقافته الخاصة، أي فلسفة التربية تكون مبلورة وواضحة على النحو المطلوب. فلسفة التربية هي التي تساعد الناس على قبول التغيير ومواكبته، وتمكن القيادات الفكرية والتربوية من التخطيط للتغيير، والتغيير هنا بمعناه الشامل، ويفترض أن يكون الهدف من أي تغيير هو تحقيق الأهداف العليا للأمة، وكل تعديل أو تغيير يحدث يجب أن يكون قائما على أسس وقواعد منهجية التعليم.إن القصور الذاتي للمؤسسات الأسرية والتعليمية، يعود في بعض جوانبه إلى عدم وضوح الخطوط الفاصلة بين ما يجب التخلي عنه ونبذه من الثقافات الخاطئة السائدة كالغياب المستمر قبل وبعد أي إجازة عارضة بالسنة الدراسية، وبين ما يجب التمسك به من قيم ومبادئ وقناعات تؤصل وترسخ المنهج الثقافي الصحيح الذي يرتقي بالروح الثقافية الجديدة والتي تنعش عقول ونفوس المربين والطلاب والمعلمين، نحن في حاجة ملحّة لاستئصال ثقافة قلب وخلط المفاهيم السليم بالسقيم والإيجابي بالسلبي، كما أننا نحتاج لفهم عميق لتحديات الواقع الذي يفرض علينا بل أحيانا يجبرنا على مسايرته وإن تصادمت هذه الثقافة مع مبادئنا ومُثلنا وقيمنا، ونحتاج لمناهج معاصرة في طبيعة تصميمها، للتربية قبل التعليم في أخلاقيات وأدبيات المرء الذي تجعله يواجه التحديات الخارجية ويسير عكسها ليدعم ذاته ويصلح ما بداخله، ولا يكون إمعة تابعاً لكل ما هو خطأ ولا يحاول تصويب وتصحيح الخطأ، بل ويرفع شعار «الاستسلام التام للواقع السقيم».مسؤولية وزارة التربية والتعليم الحد من هذه الظاهرة، بتفعيل قرارات اللائحة التنظيمية للمدارس بمحاسبة الطلاب لغيابهم، والإداريين والمعلمين الذين يحرضون على الغياب للتخلص من مسؤولية تأدية المهام والواجبات.m.alwohaib@gmail.comtwitter: @mona_alwohaib
مقالات
منى فهد عبدالرزاق الوهيب / رأي قلمي
فلسفة الظواهر السلبية ...!
12:20 ص