بدّد التفجير المزدوج الذي استهدف المستشارية الثقافية الايرانية في بيروت اول من امس مودياً بعشر ضحايا واكثر من 120 جريحاً موجة الارتياح الكبيرة التي عمّت لبنان عقب تشكيل الحكومة الجديدة ولكنه لم يمنع البناء على ملامح التغيير في المشهد السياسي ولو بـ «شقّ النفس».وبدا المشهد السياسي ـ الامني غداة هذا التفجير مشوباً بتناقض حاد بين المخاوف من اشتداد الهجمة الارهابية التي كان التفجير الذي حصل في منطقة بئر حسن حيث مبنى السفارة الايرانية إثباتاً للقدرة التي تملكها التنظيمات المتشددة على المضي في عملياتها وبين الآمال المعلقة على احتواء هذه الهجمات، ذلك ان المعطيات الامنية التي تكشّفت عقب التفجيرين اشارت بما لا يقبل الجدل الى ان ارتباط الواقع الامني في لبنان بتطوّرات الحرب السورية يفوق كل قدرات السلطات اللبنانية على إمكان لجم مسلسل التفجيرات حتى من خلال تطورٍ بحجم تشكيل حكومة تجمع «حزب الله» و«تيار المستقبل».ولا تخفي اوساط وزارية واسعة الاطلاع ومعنية بالوضع الامني عبر «الراي» ان التفجيرين الاخيرين وإن شكلا ظاهراً رسالة مباشرة الى الحكومة وتحديداً الى الشراكة الامنية بين «حزب الله» و«تيار المستقبل»، فانهما يرتبطان اكثر بالتطورات الميدانية التي تحصل على جبهة يبرود السورية التي تشهد على ما يبدو تصعيداً كبيراً ينخرط فيه الحزب بكل ضراوة من خلال التضييق المتدرّج على المنطقة الفاصلة بين يبرود وجرود عرسال. وهي معطيات يملكها المعنيون اللبنانيون وتثبتها معلومات عن تكبّد الحزب ضحايا وجرحى ينقلون الى مناطق مختلفة من لبنان منذ ايام.ويبدو واضحاً ان الخشية من استمرار التفجيرات ستتصاعد تباعاً مع إقبال الوضع الميداني السوري على تطورات شديدة الخطورة في ظل الاستعدادات لفتح جبهة مضادة من جهة الحدود السورية مع الاردن في مقابل الهجوم على يبرود مما يرشح الوضع اللبناني لمزيد من استهدافات التنظيمات الاصولية المتطرفة.وتقول هذه الجهات ان ما أعلنه وزير الداخلية اللبناني الجديد نهاد المشنوق لجهة ضرورة العمل على «تجفيف معابر الموت وتهريب السيارات المفخخة» يبدو صلب المشكلة التي تشمل الحدود الشرقية للبنان، علماً انه كان لافتاً ان يعلن المشنوق ذلك من مكان التفجيرين اللذين تفقّدهما بصحبة المسؤول الامني البارز في «حزب الله» وفيق صفا. واذ تعمد المشنوق ان يساوي بين عمليات تهريب السيارات المسروقة من منطقة بريتال ذات الغالبية الشيعية وتمرير السيارات المفخخة من سورية الى لبنان عبر عرسال ذات الغالبية السنية فانه بذلك رسم المعادلة الامنية ـ السياسية ـ المذهبية التي تواجهها الحكومة في تحديها المصيري لمواجهة الاستحقاق الامني كما تؤكد الجهات الوزارية نفسها.وتضيف هذه الجهات انه على وقع هذا التحدي يجري النقاش الآن داخل اللجنة الوزارية لصوغ البيان الوزاري للحكومة الذي ستطلب المثول امام مجلس النواب لنيل الثقة على اساسه. ورغم الدفع القوي الذي يمارسه رئيس الحكومة تمام سلام لإنجاز هذه المهمة بسرعة، لا يبدو ان الامر سيكون مسهلاً وسلساً. ذلك ان الاجتماع الاول للجنة كشف صعوبة تراجع «حزب الله» عن تمسكه بمعادلة «الجيش والشعب والمقاومة» التي لا يزال يضغط لايرادها او لإدراج ما يماثلها في البيان الوزاري، فيما يتصلب وزراء 14 آذار في رفضهم ايرادها ويتشبّثون بوجوب إدراج اعلان بعبدا الذي ينص على تحييد لبنان مكانها. ويعمل كل من الرئيس سلام والزعيم الدرزي وليد جنبلاط على ايجاد صياغة مرنة تستبعد العناوين الخلافية عن البيان على قاعدة إحالتها على طاولة الحوار الوطني التي يزمع رئيس الجمهورية ميشال سليمان احياء الدعوة اليها في وقت غير بعيد كما عُلم. ولكنه مسعى محفوف بصعوبات في ظل تَشدُّد مزدوج أظهره الاجتماع الاول للجنة الوزارية التي استأنفت اجتماعاتها مساء امس.وتعتقد الجهات نفسها ان التفجير المزدوج الاخير ساهم في زيادة هذا التصلب سواء من ناحية «حزب الله» الذي يرفض إظهار اي مرونة في شأن الدعوات التي تكررت على ألسنة قوى 14 آذار اليه للانسحاب من سورية بعد التفجيرين وخصوصاً انهما استهدفا تكراراً مصالح ايرانية تحديداً او من ناحية خصومه الذين تشهد جبهتهم الداخلية تباينات واضحة تصاعدية منذ تشكيل الحكومة. ذلك ان وزراء 14 آذار المسيحيين خصوصاً يبدون تشدداً كبيراً في مواجهة الحزب على خلفية ازمة صامتة بين الرئيس سعد الحريري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بدا في الايام الاخيرة انها على قدر من الاهمية في ظل كشْف العماد ميشال عون للقائه مع الحريري قبل اسابيع. واذ تجري مجموعة من نواب وشخصيات 14 آذار تحركاً مكوكياً لمعالجة هذه الأزمة، كان لافتاً ان وزراء 14 آذار من غير «تيار المستقبل» يبدون تصلباً في اشتراط ايراد اعلان بعبدا في البيان الوزاري دون سواه من معادلات اخرى بما ينسجم والموقف الحازم للقوات اللبنانية من هذا الموضوع. وهو الامر الذي يعني احتمال اشتداد الكباش الوزاري وانتظار ما يمكن ان يسفر عنه على وقع هذه المعطيات المعقّدة.
خارجيات
حركة في «بيت» قوى «14 آذار» لاحتواء أزمة صامتة بين الحريري وجعجع
تَشدُّد «مزدوج» حيال البيان الوزاري على وقع «شظايا» تفجيري بيروت
04:57 م