مفارقة غريبة تتحكّم بمسار الفنان فؤاد شرف الدين... فبينما أنجز في الأيام الصعبة من حرب لبنان 12 فيلماً، يبدو اليوم غير قادر على اطلاق عمل جديد له أنجز تصويره ومعظم المهمات المعملية ويحتاج الى مصاريف انتاجية بسيطة ليكون المصنّف السينمائي في متناول الجمهور، لذا فكل كلام الفنان فؤاد شرف الدين يتركز في معظمه على انجازات الماضي وبعض ما يحاوله حالياً في التلفزيون المحلّي بعدما أتيحت له الفرصة كاملة لكي يحضر وبشكل متميّز في القاهرة مع شقيقه المخرج يوسف شرف الدين، أو من دونه.فؤاد لا يريد التذكر أنه بات في الثالثة والسبعين، مستنداً الى الكثير من ملامح الشباب في هيئته وصوته ومظاهر التحدّي في مواقفه الفنية حيث أعلن أكثر من مرة أنه أفلس مادياً لكنه يظل أثرى الأثرياء فنياً بأفكاره وهمته ورغبته في اعلاء شأن السينما أولاً والتلفزيون من بعده على مساحة الجمهور أينما كان. اللقاء غلب عليه الشجون والألم النفسي من تداعيات الكثير من القيم المهنية التي تجعل من البطل مكبّل اليدين، ومن بعض الكومبارس في الصف الأمامي يتمتعون بما ليس لهم من مغانم.وفي حواره مع «الراي»، يلخص فؤاد مسيرته بالقول: «ضحّيت بعمري ومالي من أجل السينما.. وكدت أستشهد»، مؤكداً أن هناك غبناً فاضحاً في التعاطي مع الجيل المخضرم على أساس أن الحاضر للشباب والماضي الذي ولّى عاشه الجيل الآخر:• كيف أثّرت الظروف عليك؟- الظروف أرهقتنا... لكنها ليست وحدها السبب في ضيق وقلة الفرص المتاحة. هناك غبن فاضح في التعاطي مع الجيل المخضرم على أساس أن الحاضر للشباب والماضي الذي ولّى عاشه الجيل الآخر... جيلنا.• تشعرنا بأنك محبط؟- بل قل غير مصدّق للحال الفنية العامة التي يتصدرها بعض الشباب العبثيين الذين يعتقدون أن الخلط بين العناصر الفنية وتعمية الواقع، من صميم الفن العصري والمتجدد في حياتنا العامة.• أنت الذي حضرت بقوة في العديد من الأفلام المحلية خلال الحرب لا نراك في نتاجات اليوم السينمائية؟- المشكلة عند غيري. أنا جاهز وموجود، لكن لا طلب عليّ من جيل اليوم في مجال الشاشتين، لكن الوضع مع السينما أقسى.• ربما لأنهم تعوّدوا عليك تنتج وتخرج وتلعب البطولات؟- أحياناً أعثر على هذا المبرر، لكنني اكتشفت أن هناك من يروّج عني أن زماني ولّى... طبعاً هذا عيب مهني فاضح، فالممثل لا تنتهي صلاحيته المهنية الا حين يموت، لأن الأدوار لا تنتهي ودائماً هناك فرص لكل عمر من الأعمار.• ماذا عنك اليوم؟- هناك من تفاجأ بي تلفزيونياً، وأنت منهم.• أعترف بذلك، وهذا من أسباب التحدث اليك في لقاء مباشر. لكن لماذا لم تعط التلفزيون اهتماماً أكثر؟- نعود سريعاً الى الظروف التي تتحكّم بنا جميعاً في لبنان والمنطقة العربية. تتذكر أيام «العقرب»، «ديالا»، «الأستاذ أيوب»، «زمن الأوغاد»، «يا صديقي»، وصولاً الى «الدالي» و»ملكة في المنفى» وغيرها. أنا قمت بالمتوجّب عليّ، لكن ماذا أفعل بما هو أقوى مني.• ما هو؟- حبي لبلدي وعدم قدرتي الابتعاد عنه. ولو فعلت لكنت اليوم اسماً حاضراً في القاهرة. العمل الفني يحتاج تواجداً وهو ما لم أستطعه أبداً.• معظم الصورة المحفوظة عنك تعود الى أفلامك خلال الحرب اللبنانية الأولى (بين 1975 و1990): «حسناء وعمالقة»، «الممر الأخير»، «القرار»، «نساء في خطر»، «المجازف»، «قفزة الموت»، «المتوحشون»، «الصرخة»، «المحترف والأشباح»، «فتيات الرقم الصعب» و«ايفانوفا». أين أنت من السينما حالياً؟- ما زلت في وضع المواجهة. لقد أنجزت تصوير فيلم بعنوان «صرخة الأبرياء»، لكنني للأسف لا أعثر منذ فترة على طريقة لتسويقه وعرضه. وأشعر كأنما الحل هو مع الفضائيات فقط. أن «تشيل» هي هذا الحمل الثقيل عني كي أتابع حياتي.• تقول انك أنجزت التصوير والأمور المعملية فماذا بقي؟- ميزانية بسيطة لشؤون تشطيب الفيلم نهائياً وتجهيزه للعرض الجماهيري.• هل ترى مستقبلاً لـ»الأكشن»؟- نعم. أفلام هذه الأيام تتسم بالتجارية المحضة، والرهان على تنوّعها بادخال عامل الأكشن عليها ولكن ليس بالصورة التي اعتمدناها مجبرين خلال الحرب. اليوم هناك قدرة على اعتماد المؤثرات الخاصة والمشهدية لجعل اللقطات الدقيقة أكثر اقناعاً لجمهور اعتاد على الحرفية الهوليوودية الساحرة.• ما الذي تحفظه من سينما الحرب؟- الشغف والرغبة في اثبات أن الوطن باق وأن الشرعية وحدها القادرة على حفظ لبنان وحمايته وليس الميليشيات.• هل تعرضت لمخاطر؟- كدت أستشهد أكثر من مرة. لقد صرفت كل ما أملكه على السينما، ضحيت بعمري ومالي من أجلها.• والنتيجة؟- أرضيت نفسي. وأنجزت «الأكشن» وكنت حقيقياً كوني أحمل سلاحاً منذ أحداث العام 1958.
فنون - سينما
«هناك غبن فاضح في التعاطي مع الجيل المخضرم»
فؤاد شرف الدين لـ «الراي»: ضحّيت بعمري ومالي من أجل السينما... وكدت أستشهد
04:57 م