تنعقد اليوم في القصر الجمهوري اول جلسة لحكومة الرئيس تمام سلام، الذي دخل الى السرايا الكبيرة، بعد اكثر من 300 يوم انتظار، ومن البوابة التي كُتب فوقها «لو دامت لغيرك ما آلت اليك»، حيث دشّن انطلاقة تجربة حكومية عمرها الافتراضي اقل من 100 يوم بقليل.واذ لفت امس ان اول الزائرين لسلام في السرايا الحكومية كان السفير الاميركي في بيروت ديفيد هيل، افيد انه سيكون من الصعب على رئيس الحكومة الجديد نفض الغبار عن الملفات المتراكمة والمعقدة التي ورثها عن حكومة سلفه الرئيس نجيب ميقاتي التي «حكمت ولم تحكم» على مدى ثلاثة اعوام.ورغم ان الوسط السياسي في بيروت ما زال منهمكاً في اختبار «الاسم الحرَكي» لحكومة سلام، والذي يراوح بين حكومة «مصلحة وطنية»، وحكومة «عودة التوازن»، وحكومة «افضل الممكن»، وحكومة «التسوية الصعبة»، وحكومة «المتخاصمين»، فإن الاكيد انها ستكون الحكومة التي يشدّها حصانان من الامام والخلف.ففي تقدير اوساط واسعة الاطلاع ان ثمة حصاناً «ايجابي» يتولى شد حكومة سلام الى الامام، وهو يتمثل في المناخ الاقليمي - الدولي الذي ساعد في الافراج عنها، وحاجة الجميع في الداخل الى كسر مأزق اطول ازمة حكومية في لبنان، اضافة الى الضرورة التي أملت ملاقاة الاستحقاق الرئاسي (بين 25 مارس و25 مايو) بحكومة يشارك فيها طرفا الصراع، إما تهيئة للانتخابات الرئاسية وإما لادارة صلاحيات الرئاسة في حال تعذر اجراء الانتخابات في موعدها.غير ان ثمة «حصاناً» بالغ السلبية يهدد بجر الحكومة الى الخلف، فمن الصراع «الطبيعي» على بيانها الوزاري، الى الاختبار «الناري» الذي ينتظرها في يبرود السورية حيث يضطلع «حزب الله» بدور متقدم في المعركة قبالة عرسال اللبنانية، اضافة الى خطر العمليات الارهابية، الذي من المتوقع اشتداده في لبنان مع التصعيد العسكري المرتقب في سورية بعد وصول مفاوضات جنيف 2 الى طريق مسدود.واذا كان البيان الوزاري للحكومة يشكل الاختبار الاقوى للشراكة الحكومية فان المعلومات المتوافرة عن «المخارج» للنقاط الخلافية ولا سيما معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» تقوم على عدم التطرق اليها باعتبارها من مستلزمات البحث في اطار الاستراتيجية الوطنية للدفاع التي تناقشها هيئة الحوار الوطني، مع التركيز في المقابل على أهمية دور الحكومة في التصدي للإرهاب وتدارُك محاولات إشعال الفتنة المذهبية وعلى اولوية اعادة الاستقرار الأمني في سياق السعي الى استعادة السياح الخليجيين خصوصاً وإطلاق الدورة الاقتصادية مجدداً.كما لفتت المعلومات الى ان البيان الذي سيكون مختصراً على أن يتضمن مهمات الحكومة في المرحلة المقبلة، سيشير الى الازمة السورية وانعكاساتها على لبنان ولا سيما من بوابة ملف اللاجئين وسط نقاش ستشهده لجنة صوغ البيان حول امكان إدراج ما سبق ان اقترحه لبنان لجهة تقاسُم الدول أعداداً من اللاجئين وانشاء مخيمات داخل الاراضي السورية تتولى المنظمات الانسانية بإشراف الامم المتحدة العناية بسكانها.وفي حين اعتبرت اوساط متابعة ان مَن «شرب نهر» الحكومة وقدّم التنازلات السياسية الكبيرة لتشكيلها «لن يغصّ بساقية» بيانها الوزاري الذي لن يُعدم «الوسطاء الوسطيون» وسيلة لتدوير زواياه، فان اطلالة الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله ليل الاحد حملت اشارات ايجابية عدة لا تشي بامكان ان يشكّل هذا البيان «صاعقاً» يطيح بإنجاز التشكيل.ورأت الاوساط ان نصرالله في كلمته بذكرى «لقادة الشهداء المقاومين» التي احياها «حزب الله» للمرة الاولى بلا أي احتفالية مركزية وذلك في ضوء المخاطر الأمنية المرتفعة بعد التفجيرات الانتحارية في الضاحية الجنوبية، حاول في خطابه طمأنة جمهوره «الى اننا سننتصر في معركة» التصدي للمشروع التكفيري الذي بات يهدد كل المنطقة، سائلاً «لماذا لا يحق لنا كلبنانيين القلق مما يحصل في سورية، وان نقوم بحرب استباقية واتخاذ اجراءات؟»، ومعتبراً ان «هذه المعركة تستحق التضحيات من المقاومة وجمهورها» ومكرراً «باقون في سورية اذ سنكون حيث يجب ان نكون».وفي موازاة ذلك، برز موقف للنائب وليد جنبلاط الذي لعب دوراً محورياً في تدوير زوايا الخلافات حول تشكيل الحكومة اذ اعلن امس ان «المطلوب اليوم الاهتمام بجملة من المسائل والقضايا الأساسيّة والملحة، وفي طليعتها السعي لتنظيم الخلاف السياسي ونقله من الشارع المتوتر إلى طاولة مجلس الوزراء بإنتظار تشكل ظروف مؤاتية أكثر لمعالجات جذريّة للقضايا المطروحة».وقال: «لعل من أبرز مهمات الحكومة الجديدة التحضير لانتاج المناخات المؤاتية تمهيداً لاجراء الانتخابات الرئاسيّة في مواعيدها الدستوريّة والقانونيّة بما يحول دون وقوع البلاد في الفراغ لأن من شأن ذلك أن يشكل ضربة قاسية لنظامنا الديموقراطي وخطوة تراجعيّة إلى الخلف، فضلاً عن أنه سيؤدي إلى المزيد من الانكشاف السياسي والأمني. كما أن التحدي الارهابي والأمني هو بمثابة تهديد مركزي وأساسي للاستقرار والسلم الأهلي ويتطلب من الحكومة الجديدة رفع مستوى التنسيق بين الأجهزة الأمنيّة لتحقيق المزيد من الانجازات».