في وقت بدا معظم المعنيين بالأزمة الحكومية المستعصية في لبنان يتبارون في إضفاء اجواء التشاؤم حيال امكانات حلحلة هذه الأزمة، برزت في اليومين الماضيين تساؤلات جديدة مثيرة لمزيد من الغموض وسط المراوحة الثقيلة التي جمدت الوساطات السياسية لبعض الافرقاء وجعلتهم يلتزمون الصمت المطبق.ولعلّ السؤال الاساسي الذي طُرح في بعض الكواليس ولا يزال يشغل الكثير من حيز الاهتمامات يتركّز على الاطار الدستوري الذي سيحلّ موعده الحاسم مع بداية المهلة الدستورية للانتخابات الرئاسية اللبنانية في 25 مارس المقبل حتى 25 مايو وما يمكن ان يحصل في حال استمرار تعذُّر تشكيل حكومة جديدة.ذلك ان التجارب اللبنانية السابقة في الحرب وما بعدها لم تشهد حالاً مماثلة الا في تجربة واحدة نجم عنها قيام حكومتين بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق امين الجميل العام 1988 احداهما كانت برئاسة قائد الجيش آنذاك العماد ميشال عون والاخرى برئاسة الرئيس سليم الحص. ولمجرد طرح المقارنة الآن مع ان احداً لا يبادر الى طرحها علناً، فان ذلك بدأ يكشف الخشية من امكان بلوغ احتمالات الفراغ الرئاسي كنتيجة بديهية لاستعصاء التوافق على تشكيل حكومة جديدة يفترض ان تحظى بالشرعية التمثيلية الكافية لتولي صلاحيات رئاسة الجمهورية متى تَعذّر التوافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية او حتى في حال ظلّ احتمال التمديد للرئيس الحالي ميشال سليمان قائماً كورقة اخيرة لا يزال البعض يعتقد انها لم تسقط.وتفيد المعلومات الموثوقة في هذا المجال ان سليمان عقد العزم منذ الاساس على انه لن يترك حلول موعد المهلة الدستورية إلا ويشكل حكومة جديدة لانه لن يترك لحكومة تصريف الاعمال الحالية برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي ان تتولى ادارة مرحلة الاشراف على الاستحقاق الرئاسي وتاليا امكان ان تتولى الصلاحيات الرئاسية في حال تعذر الانتخابات الرئاسية.ومع تداعي الجهود الاخيرة لتشكيل حكومة الرئيس تمام سلام كما تشي المعطيات الحالية، فان الاوساط المعنية بالأزمة لم تعد تكتم خشيتها من التراجع التدريجي للملف الحكومي امام تقدُّم الانشغالات بالاستحقاق الرئاسي بما قد يستبطن نجاح نيات مبيتة لدى بعض الاطراف في المضي بتضييع الوقت للوصول الى موعد المهلة الدستورية في 25 مارس المقبل من دون تمكن الرئيسين سليمان وسلام من اصدار تشكيلة حكومية جديدة.وبدت هذه المخاوف مبررة في ظل معادلة التعقيدات التي حوصر بها سليمان وسلام اذ تعرضا لتهديدات من جانب قوى «8 آذار» بسحب وزراء هذا الفريق من الحكومة العتيدة اذا تشكلت من دون موافقة العماد عون الذي يتمترس وراء مطلبه بالحصول على حقيبة الطاقة والنفط لصهره رافضاً مبدأ المداورة في الحقائب الوزارية. وفي حين قابلت قوى «14 آذار» موجة الاشتراطات الجديدة لخصومها بمطالب تتعلق بحقها في الحصول على حقيبتيْ الداخلية والدفاع، انبرت قوى «8 آذار» لوضع فيتوات على اسماء مرشحي 14 آذار لوزارة الداخلية كما رفضت إسناد حقيبة الدفاع اليها واشترطت اسنادها الى حصة رئيس الجمهورية مع ان ذلك يكسر التوازن بين الفريقين.وتقول اوساط واسعة الاطلاع لـ «الراي» ان هذا التطور استدرج عودة اصوات التصلب داخل فريق «14 آذار» الذي يأخذ على الرئيس سعد الحريري مغالاته في المرونة والتسهيل في حين يبدو واضحاً ان الفريق الاخر لا يقابل المرونة بمثلها بل يتصرّف وفق اجندة التعطيل ومحاصرة سليمان وسلام ومنعهما من اي مبادرة لتشكيل الحكومة. واذا كانت الغايات الحقيقية لهذا التقييد لولادة اي حكومة جديدة لا تزال غامضة ولو انها تعزى الى خلفيات اقليمية، فان الاوساط نفسها لفتت الى ان الايام القليلة المقبلة مرشحة لان تشهد مواقف وتطورات من شأنها ان تظهر الكثير من نقاط الغموض في الازمة والاتجاهات التي ستسلكها.وعدّدت في هذا السياق، مجموعة محطات بارزة منتظرة منها احياء الذكرى التاسعة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري الجمعة المقبل في مهرجان سيقام في مجمع البيال في بيروت وستكون فيه كلمة للحريري الذي أجرى مشاورات مع وفد من كتلة المستقبل برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة في الرياض، وكذلك امكان صدور موقف عن سلام الذي لا يزال يلتزم الصمت ولكن ثمة معطيات ترجح خروجه عن ذلك في وقت غير بعيد. يضاف الى ذلك انتظار بعض ما يؤكده مطلعون من تطرق القمة الاميركية ـ الفرنسية في واشنطن الى الملف اللبناني ومن ثم القمة الاميركية ـ السعودية المحددة في الرياض الشهر المقبل الى الملف نفسه من زاوية التداعيات الخطيرة للازمة السورية على استقرار لبنان وموضوع الارهاب.وكان لافتاً امس موقفان:* الاول عبّر عنه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي قبيل توجهه الى الفاتيكان اذ أكد رداً على سؤال عما اذا كان يتوقع تأليف حكومة امر واقع «اننا مع تأليف حكومة، اليوم قبل غد، لأن الوقت أصبح قصيراً جداً، ولدي أمنية أريد أن أقولها بإصرار، أنه إذا تشكلت حكومة كما يريدها الجميع في لبنان، يجب ألا تشكل أزمة»، واضاف: «الوقت ليس مناسباً لايجاد ازمة جديدة وليس من كرامة لا فخامة رئيس الجمهورية ولا من كرامة الرئيس المكلف ان تشكل حكومة لا تنال الثقة في مجلس النواب، هذا غير واقعي أن ينتظروا عشرة اشهر لتشكيل حكومة لا تحصل على الثقة. ونحن مع حكومة لا تؤدي الى اي أزمة في لبنان ودعونا نركز فقط على الاستحقاق الدستوري (الرئاسي)».* والثاني للنائب وليد جنبلاط، الذي غمز للمرة الاولى من قناة وجود تعقيدات أبعد من الداخل اللبناني عادت وعرقلت الملف الحكومي، اذ قال: «تيار المستقبل طرح اسمين لوزارة الداخلية ونحن نرحب بهما. وهما في رأيي يسهلان التشكيل إذا كانت المشكلة التي تعطل تأليف الحكومة محض محلية».
خارجيات
الراعي يرفض «حكومة تؤدي لأزمة» وجنبلاط يشكّك بأن تكون مشكلة التأليف محض محلية
مخاوف من «الفراغ الكامل» في لبنان
04:01 م