يخوض اليوم أبناؤنا الطلاب والطالبات فترة عصيبة هي فترة الامتحانات النهائية، وما تحمله تلك الفترة من استنفار في البيوت وقلق نفسي وتوتر عصبي.من منا لم يجرب تلك الفترة في حياته ويعاني منها أشد المعاناة حتى ولو كان شاطراً؟ ولكن الانجاز في هذه الفترة عبارة عن نتيجة لسنوات طويلة من التربية والتثقيف والاستعداد، فالشطار من الطلبة عادة ما يكونون قد تربوا في بيوت تحب العلم وتشجع ابناءها على الدراسة وتحثهم عليها، وتربطهم بالآمال العالية والطموحات الكبيرة، بينما الطلبة المتعثرون عادة ما ينشأون في بيوت لا تشجع على العلم أو وسط مشاكل اجتماعية كبيرة، ورفقاء السوء لهم دور كبير، لاسيما في هذه المرحلة الحساسة من العمر، لقد تكلم التربويون كثيراً عن فشل نظام المناهج والتقويم والامتحانات التي تركز على الحفظ والتكرار ولا تنمي الطاقات العقلية المتكاملة ولا تعتمد على الفهم والتحليل والربط بين الأمور، وبالرغم من عشرات المؤتمرات التربوية وتكرار التوصيات بتغيير نظام وضع المناهج والامتحانات إلا أن مناهجنا مازالت عبارة عن اسفار (كتب) يحملها الطالب يومياً إلى المدرسة ويحفظها عن ظهر قلب ثم يمتحنها ثم ينساها.ولعل المشكلة لا تكمن في المناهج وحدها او في طرق التدريس بل في المفهوم الاجتماعي للعلم وأهميته، حيث ترسخ لدى الكثير من الطلبة بأن الشهادة انما هي «شيك» لاستلام الراتب وغاية لا وسيلة، ولذلك تجد اهتمامات الطلبة بالعلم وتحصيله ضعيفة جداً ولا يكادون يجدون له أهمية تذكر في حياتهم.كذلك فإن الفكرة التي اصبح يكررها معظم الطلبة من أن البلد يسير بنظام «هذا ولدنا» وأن الحظوة والمناصب لا دخل لها بالكفاءة وإنما بمدى توافر «فيتامين و» لدى الإنسان، هذه الفكرة تزداد ترسخاً يوماً بعد يوم لدى الأبناء وتصيبهم بالإحباط من مستقبلهم والشعور بأن دراستهم لا فائدة من ورائها، ولا شك ان واقع البلد يعزز ذلك الشعور ويقفز به إلى دائرة الضوء، فإذا اضفت لذلك قلة الحوافز المادية والمعنوية للملتزمين والمثابرين والاهمال المتعمد لهم، فإن الصورة تكتمل لتمثل «بلداً لا يحب المتفوقين».لذلك فقد لاحظت في السنوات الأخيرة ازدياد حالات الغش لدى الطلبة، حتى المتفوقين منهم، وكأنما هو نوع من التحدي للمجتمع الذي يعاملهم وكأنهم مسجلة تختزن المعلومات ثم تسمعها متى طلب منها ذلك.يذكر الدكتور محمد عبدالدايم في بحثه «ملامح الاستراتيجية التعليمية للقرن القادم» تجربة اليابان في التعليم والتربية وأهمها ترسح روح التلمذة الجادة في الأمة اليابانية وارتباط التربية بطبيعة المجتمع وروح الأمة واحتياجات الوطن، ولا يأتي انعكاساً لنماذج تربوية خارجية - كما هي الحال عندنا - ويستدل بقول المفكر العربي «مالك بن بني»: «إن اليابان وقفت من الحضارة الغربية موقف التلميذ ووقفنا نحن العرب والمسلمين موقف الزبون، واليابان استوردت من الحضارة الغربية المعارف بوجه خاص، واستوردنا نحن منها البضائع الاستهلاكية».كما يبين الدكتور عبدالدايم بأن سر الأسرار في التعليم الياباني هو معلم الصغار، الذي يلقى من التقدير الاجتماعي والمادي ما يجعل التنافس كبيراً على هذه المهنة بينما التعليم في بلادنا هو مهنة مَنْ لا مهنة له.الكلام يطول، ولكن كل ما نتمناه لأبنائنا هو التوفيق في امتحاناتهم، وليعلموا بأن العلم هو رسالة سامية لا ترتبط بالامتحان او بالشهادة، وإذا كان المجتمع لا يقدر جهود المثابرين فإن أجر المتعلم عند الله تعالى يكفي لأن يبذل الابناء جهدهم لتحصيله.

د. وائل الحساويwae_al_hasawi@hotmail.com